مأساة السيد (ق)
بقلم محمود حمدون
” مأساة السيد : ” ق ” “
لا نعرف كثيرًا عن السيد : “ق ” وبالتحديد أنا فمعلوماتي الشخصية أقل من القليل , و إن شئت الدقة فهي شحيحة , لكن تظل ذكراه عالقة بذهني و ذكرياتي عنه باقية مستقرة في أعماقي رغم مرور عشرات السنين على تلك الفاجعة التي ألمّت به .
كان حسن الصوت و يعشق الغناء و يقلّد أصوات كبار المطربين , كما كان موسرًا وإن كنت أجهل وأقراني والجيران مصدر ثروته أو طبيعتها , تحرّجت من سؤاله برغم أن القوم وسوسوا ليّ بالتقرّب إليه ومعرفة أحواله , لكن خشيت الاقتراب , أدعيّت أن التطفل على أسرار الغير ليس من الخُلق القويم , جاهرت بهذا بينهم , انبريت أعطيهم درسًا في التربية السليمة وأنا الحدث الذي يصغرهم بكثير , خفتُ أن يسخروا منيّ أو يوقعوا أذى بيّ , لكن خاب ظنّي , فإذا بهم قد استجابوا لحديثي و نزلوا عند رأيي فاستقاموا بعد اعوجاج قرون طويلة .
السيد : ” ق ” من الجيران الذين يقيمون بيننا منذ عقود , يمر كنسمة باردة في هجير الصيف , طويل القامة , يرفع رأسه في أنفة عجية لا تستقيم مع الحياة في المكان , يختال بين أناس لا يرفعون رؤوسهم إلاّ حينما يرفرف في السماء جارح يبحث عن طريدة .
سخيُّ حد السفه , رصين إلاّ أنه في الخمس الأواخر من كل شهر ميلادي كان ينقلب به الحال فيصبح مرحًا يتقصّع بالشوارع ويلقي النكات الفاحشة يمينًا ويسارًا ,أقرب لأراجوز يسخر منه الناس .
قيل أنه تزوّج كثيرًا , كل مرة يترك حليلته ووراءها أبناءه منها , يهجرهم لمدينة أخرى كي يبدأ من جديد , وعندما استوفي جميع مدن وقرى المحروسة وإطمأن أن زوجاته الأربعة الموجودات على ذمته , المطلّقات اللاتي حرمهن الزواج من بعده , بنيه وبناته البالغين منهم والقُصّر , قد ألهتهم الحياة بنعيمها وجحيمها وأنهم قد نسوه دون رجعة , عاد لبيته القديم ذلك الذي ينزوي بطرف مدينتا الوحيدة الباقية دون عائلة له بعد أن غافلته زوجته وماتت مبكرًا , خلع نعليه عند عتبة الباب الخشبي العتيق , تنحنح بصوت سمعه الثقلين , ثم دخل دون خروج , ذهب دون عودة بينما في الأفق البعيد كانت يأتينا نحيب نسوته مختلطًا بزغاريد وأهازيج بعيدة ينفطر القلب منها .
التعليقات مغلقة.