موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

ماذا تعرف عن وودرو ويلسون

511

ماذا تعرف عن وودرو ويلسون

بقلم : طارق بدراوي

توماس وودرو ويلسون سياسي وأكاديمي أميريكي شغل منصب الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة الأميريكية لفترتين من عام 1913م إلى عام 1921م وكان ثانى رئيس ديموقراطى فى تاريخ الولايات المتحدة يتمكن من الحصول على فترتين رئاسيتين بعد الرئيس أندرو جاكسون الرئيس السابع للولايات المتحدة الذى تولي منصبه بين عام 1829م وعام 1837م وكان الرئيس ويلسون خلال رئاسته أحد أهم رموز الحركة التقدمية في البلاد وقد تزامنت فترة رئاسته مع أحد المراحل الحرجة فى التاريخ الأميريكى وتاريخ العالم بوجه عام حيث قاد بلاده فى الحرب العالمية الأولى ما بين عام 1914م وعام 1918م وشارك بعد إنتهائها في تأسيس منظمة عصبة الأمم التي كانت بدايةً لمنظمة الأمم المتحدة وبسبب دوره الرئيسي في تأسيسها حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1919م وصنف من بين الرؤساء العشرة الأوائل في الولايات المتحدة وكان منهجه السياسي خلال تلك الفترة معروفا بإسم الويلسونية وما يزال حتي الآن يشار إلى السياسة الخارجية التي تدعو الأمة لتعزيز الديمقراطية العالمية بهذا الإسم وكان ينتمي إلي الحزب الديموقراطي وترأس جامعة برينستون وهي جامعة خاصة بحثية متعددة الإختصاصات تقع في بلدة برينستون بولاية نيو جيرسي بشمال شرق الولايات المتحدة وهي واحدة من الجامعات الثمانية التي تشكل رابطة اللبلاب وهي الرابطة الرياضية التي تجمع ثماني جامعات تعتبر من أشهر وأقدم جامعات الولايات المتحدة الأميريكية وتقع كلها في الشمال الشرقي للبلاد كما كان حاكما أيضا على ولاية نيوجيرسي وقد أصيب خلال أواخر فترته الرئاسية الثانية بجلطة في المخ أثرت على عمله السياسي وتوفي بعد ثلاث سنوات من تركه المنصب وقد ولد وودرو ويلسون في يوم 28 يناير عام 1856م في مدينة ستونتون بولاية فيرجينيا التي تقع في جنوب الولايات المتحدة علي ساحل المحيط الأطلسي وكان والده جوزيف روجلز ويلسون كاهن مسيحي مشيخي أي ينتمي للطائفة المسيحية المشيخية والتي تشمل عدة كنائس مسيحية تتبع تعاليم العالم اللاهوتي البروتستانتي الفرنسي جون كالفين ولذا فقد نشأ الإبن وودرو علي نفس المذهب أما والدته جيسي جانيت وودرو فكانت ربة منزل وخلال فترة طفولته تنقلت عائلته في جميع أنحاء الجنوب الأميريكي حيث شاهد ويلسون الصغير آثار الدمار في المناطق القريبة والناتج عن الحرب الأهلية الأميريكية التي إستمرت من عام 1861م وحتي عام 1865م ونتيجة معاناة ويلسون من عسر القراءة كان يملك سجلا أكاديميا عاديا في المدرسة وإستطاع أن يتجاوز حدوده الأكاديمية عن طريق الدراسة في المنزل بمساعدة والده الذي رسخ حب فن الخطابة والنقاش في ولده وفي عام 1873م سجل ويلسون في كلية دافيدسون التي تقع بولاية كارولاينا الشمالية جنوب شرق الولايات المتحدة ولكن في عام 1875م إنتقل إلى بلدة برينستون حيث تخرج في عام 1879م ومن ثم إلتحق في نفس العام بكلية الحقوق في جامعة فيرجينيا وبعد تخرجه عمل بالمحاماة لمدة سنة في مدينة أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا جنوب شرق الولايات المتحدة ولكنه لم يوفق في عمله كمحام وفي عام 1883م تمكن من الحصول على موافقة بتسجيله في جامعة جونز هوبكينز لدراسة التاريخ والعلوم السياسية وهي جامعة خاصة بحثية مقرها في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند المتاخمة لولاية فيرجينيا .

وبعد 3 سنوات وفي عام 1886م قدم وودرو أطروحته بعنوان حكومة الكونجرس دراسة في علم السياسة الأميريكية وحصل على درجة الدكتوراة وتولي منصب رئيس الجمعية الأميريكية للعلوم السياسية واصبح واحدا من أهم الأصوات الأولى المؤثرة والتي لعبت دورا في حقل العلوم السياسية والإدارة العامة عن طريق الكتابة والبحث العلمي والتنظير السياسي والممارسة الفعلية لكيفية إدارة الشأن العام وأجهزة الدولة حيث ألف العديد من الكتب والمقالات والدراسات وشارك في العديد من اللقاءات والإجتماعات واللجان المختصة بهذه الأمور قبل أن يتولى رئاسة الولايات المتحدة وبإستعراض بعض ما ورد في كتبه يتضح مدى الدور والتأثير الذي لعبه في مجال تنظيم وإدارة النظام الحكومي والدستوري الأميريكي فمثلا بإستعراض أطروحته لنيل شهادة الدكتوراة حكومة الكونجرس نلاحظ أنها لما تحولت إلي كتاب تم طبعه عدة مرات وذلك لأهميته وفي مناسبة إعادة طباعته للمرة الخامسة عشرة في عام 1900م كانت تنتابه شكوك عديدة عن الكتاب حيث إعتقد أنه قد أصبح قديما لإدراكه بحتمية وضرورة التغيير لتغير الظروف والأوقات وفي هذه الفترة تم إختياره لتدريس التاريخ الروماني واليوناني القديم في كلية برين ماور التي تقع في بلدة ميريون السفلى في ولاية بنسلفانيا بشمال شرق الولايات المتحدة حتي عام 1888م كما إختارته العديد من المؤسسات ليكون أستاذا وباحثا فيها وفي عام 1890م أصبح أستاذًا جامعيا للفقه القانوني والإقتصاد السياسي في جامعة برينستون قبل إختياره الرئيس الثالث عشر لتلك الجامعة في عام 1902م وظل يشغل هذا المنصب من العام المذكور وحتي عام 1910م وفي هذا العام ترشح في الإنتخابات الرئاسية عن الحزب الديموقراطي في إنتخابات حكومة ولاية نيو جيرسي وإنتخب ليكون الحاكم الرابع والثلاثين للولاية وذلك بعد فوزه علي منافسه فيفيان إم لويس مرشح الحزب الجمهوري وأكسبه نجاحه في هذه الانتخابات ثم نجاحه في المنصب شعبية كقائد تفدمي والذى ظل فيه من عام 1911م وحتي عام 1913م وكحاكم لولاية نيو جيرسي إستطاع ويلسون أن يحولها إلى واحدة من أكثر الولايات تقدما مما لفت إليه الأنظار على المستوى القومي حيث ركزَ ويلسون على أربع نقاط أساسية في الولاية نجح في إنجازها بالفعل في خلال حوالي سنتين وهي تحسين الإنتخابات وإصلاح قانون العمل الفاسد وتعويضات العاملين وتأسيس لجنة من أجل تنظيم الخدمات الحكومية وفي أواخر عام 1912م ترشح ويلسون في إنتخابات الرئاسة وحصل على أغلبية كبيرة في المجمع الإنتخابي للحزب الديموقراطي وإستفاد من إنقسام أصوات الحزب الجمهوري المنافس بين تيودور روزفلت الذى شغل منصب الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة الأميريكية ما بين عام 1901م وعام 1909م وويليام هوارد تافت الذى شغل منصب الرئيس السابع والعشرين للولايات المتحدة ما بين عام 1909م وعام 1913م ليفوز بالمنصب الرئاسي بسهولة بعد حصوله في الإنتخابات علي نسبة 42٪ من عدد الأصوات الشعبية في هذا السباق وكان أول جنوبي ينتخب رئيسا منذ إنتخاب زاكاري تايلور الرئيس الثاني عشر للولايات المتحدة في عام 1849م والذى توفي في العالم التالي مباشرة 1850م ليحل محله نائبه ميلارد فيلمور .

ومع تولي الرئيس وودرو ويلسون الفترة الرئاسية الأولي له في يوم 4 مارس عام 1913م أعاد خطاب حالة الإتحاد والذي لم يستخدم منذ عهد الرئيس الثالث للولايات المتحدة توماس جيفرسون عام 1801م وهذا الخطاب هو خطاب سنوي يلقيه رئيس الولايات المتحدة الأميريكية أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأميريكي أي مجلسي النواب والشيوخ في مبنى الكابيتول يقر الرئيس فيه حال الأمة ويضع تصورا للأجندة التشريعية والأولويات الوطنية أمام الكونجرس وعلاوة علي ذلك قاد الرئيس ويلسون الكونجرس الذي أصبح في قبضة الديموقراطيين وأشرف على إقرار السياسات التشريعية التقدمية التي لم تشهد البلاد مثلها حتى إقرار قانون الصفقة الجديدة فيما بعد في عهد الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة فرانكلين روزفلت عام 1933م وكان من بين سياساته الجديدة أيضا قانون الإحتياطي الفيدرالي وقانون لجنة التجارة الإتحادية وقانون كلايتون لمكافحة الإحتكار وقانون قروض المزارع الإتحادي وكان ويلسون قد تولى السلطة بعد شهر واحد من التصديق على التعديل الدستوري السادس عشر ودعا لدورة إستثنائية للكونجرس وأقر خلالها قانون الإيرادات لسنة 1913م والذي أوجد ضريبة الدخل وخفض الرسوم الجمركية كما أقر قانون آدامسون الذي فرض ثمان ساعات عمل لعمال السكة الحديد فحل بهذا مشكلة إضرابهم والأزمة الإقتصادية التي ترتبت علي ذلك وكان من أهم السياسات التي إتبعها ويلسون المحافظة على سياسة الحياد عندما إندلعت الحرب العالمية الأولى في منتصف عام 1914م في حين إتبع سياسة أكثر عدوانية في التعامل مع الحرب الأهلية في المكسيكالتي نشبت خلال عام 1913م حيث شهدت المكسيك في هذا العام إنقلابا عسكريا على حكم رئيس دستوري منتخب من قبل أحد جنرالاته مما جر المكسيك إلي آتون حرب أهلية هددت بإزدياد حدة التوترات الداخلية فيها على الصعيد الداخلي وإزدياد التوترات الدولية على الصعيد الخارجي بسبب تأثيراتها على أرواح وأملاك ومصالح الأجانب والأمريكان الموجودين فيها وقد حدث كل هذا في عشية تدشين الرئيس وودرو ويلسون لمنصبه الرئاسي الذي عزم منذ بداية توليه مهام منصبه إتخاذ سياسة ذات نزعة مثالية وتعود قصة هذه الحرب إلي أنه كان قد تم إنتخاب فرانسيسكو ماديرو كرئيس للمكسيك بأغلبية ساحقة في إنتخابات حرة ونزيهة في شهر أكتوبر عام 1911م ثم نمت المعارضة لنظامه من كل من المحافظين الذين رأوه ضعيفا جدا وليبراليا جدا ومن المقاتلين الثوريين السابقين والمحرومين بزعامة إميليانو زاباتا الذين رأوه محافظا جدا ومن ثم بدأ قائد القوات المسلحة فيكتوريانو هورتا التخطيط لإنقلاب عسكرى ضد ماديرو وذلك بالإتفاق مع القوى السياسية والسفير الأميريكى في البلاد وتم تأييد هذا الأمر من قبل الحكومات العالمية وبالفعل تم تنفيذ الإنقلاب وإغتيل ماديرو ونائبه بينو سواريز في شهر فبراير عام 1913م ووصل زاباتا ورجاله عند ضواحي مدينة مكسيكو ورفضوا عرض هورتا للإتحاد معه فأدى ذلك إلى منع هورتا من إرسال كل قواته لمحاربة الفلاحين الثائرين في الشمال ممن شكلوا تحت إدارة السياسي المعتدل فينو سيتانو كارانزا الجيش الدستوري لدحر الديكتاتور الجديد وفي صيف عام 1913م أعلن رئيس الولايات المتحدة ويلسون رفضه الإعتراف بهورتا كحاكم للبلاد حيث إعتبره مغتصب للحكم مما ترتب عليه إقالته ثم هروبه وتم توقيفه ووضعه قيد الإقامه الجبرية حنى توفى في عام 1916م وكان زاباتا يعلم جيداً ان رجال كارانزا الدستوريين يخشونه وحينما هرب هورتا دعا زاباتا الدستوريين لقبول خطته إيالا التي مفادها إعادة توزيع الأرض الزراعية في البلاد وحذرهم من أنه سيستمر في القتال بشكل مستقل حتى تنفذ خطته وفي شهر أكتوبر عام 1914م دعا كارانزا إلى لقاء كل الفصائل الثورية المقاتلة ورفض باتشو فيللا الذي كان يقود أهم جزء من الجيش في الشمال حضور الإجتماع معتبرا مدينة مكسيكو أرضا عدوة أو غير محايدة وبعد ذلك إنتقل الإجتماع إلى مدينة اوجاسكالينتس حيث حضر كل من جماعة فيللا وزاباتا وفي الحقيقة فإن هاتين الجماعتين كانتا تؤلفان الأغلبية الساحقة من المقاتلين وفي هذا الإجتماع إتفق على تعيين الجنرال أولاليو جويتريس كرئيس مؤقت للبلاد ورفض كارانزا هذا القرار وإنتقل مع حكومته إلى مدينة فيراكروز وعندما فشلت محاولة الثوريين للتوصل إلى إتفاق سياسي دخلت المكسيك في حرب أهلية مابين عام 1814م وعام 1915م وفي النهاية إضطرت الإدارة الأميريكية بحكم الأمر الواقع أن تعترف بالحكومة المكسيكية القائمة في البلاد حينذاك .

وفي أواخر عام 1916م حان وقت الانتخابات الرئاسية وواجه ويلسون منافسة المرشح الجمهورى حاكم ولاية نيويورك السابق تشارلز إيفانز هيوز وقد لعبت سياسته الحيادية دورا أساسيا في فوزه وركز في حملته الإنتخابية على شعار أبقونا بعيدين عن الحرب وإستطاع أن يفوز بالإنتخابات بهامش ضيق ليصبح أول رئيس ديموقراطي يفوز بولايتين متتاليتين منذ عهد أندرو جاكسون كما ذكرنا في صدر هذا المقال وكان من أهم الأحداث التي شهدتها فترته الثانية دخول الولايات المتحدة للحرب العالمية الأولى وذلك في شهر أبريل عام 1917م عندما إستأنفت المانيا حربها المفتوحة بالغواصات ضد السفن الأميريكية في المحيط الأطلسي وكان الإمبراطور الألماني فيليم الثاني قد قرر في شهر أغسطس عام 1916م وعلى أثر عدم تحقيق الهجوم الألماني في فردان لأهدافه نتيجة صمود وبسالة الفرنسيين والهجوم الساحق الذي قامت به قوات الحلفاء على الجبهتين الفرنسية والروسية إختيار الجنرال بأول فون هيندنبورج والجنرال إريش لودندورف للقيادة العليا للجيش الألماني وقد سعى الإثنان إلى خوض حرب شاملة وتعبئة كل القوى على الجبهة الداخلية التي كانت تعاني حصاراً شديداً فرضته بريطانيا ومارس الإثنان في هذه الفترة نوعاً من الديكتاتورية العسكرية في بلدهما ووضع لودندورف كامل رصيده لتحقيق نصر مؤزر يحفظ لالمانيا مكتسباتها في الشرق والغرب وفي عام 1917م صدق لودندورف على حرب الغواصات غير المحدودة التي أدت في خاتمة المطاف إلى دخول الولايات المتحدة الحرب وذلك بعد ممارسته للعديد من الضغوط على القيصر الألماني لأخذ موافقته علي هذا الإجراء والتي كللت بالنجاح حيث تمكن في النهاية من إنتزاع الموافقة وبالعودة إلي الخلف قليلا ففي يوم 7 يونيو عام 1915م كانت غواصة تابعة للقوات البحرية الألمانية قد أغرقت سفينة ركاب ِأميريكية مما أدى إلي مقتل عدد 128 أميريكي كانوا علي متنها وأعلن الرئيس الأميريكي وودرو ويلسون حينذاك مطالبته بإنهاء هجمات إغراق سفن الركاب وفي هذه الفترة كان ويلسون يحاول أن يلعب دور الوسيط بين القوى المتحاربة ومع ذلك فقد حذَّر مرارا وتكرارا أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع حرب الغواصات التي تنتهك القانون الدولي وتم وصف الإعتداء الألماني علي سفن الركاب بالقرصنة وإمتثلت المانيا لهذا القرار ولم تقم بعد ذلك بمهاجمة أى سفينة ركاب وفي عام 1916م أعيد إنتخاب ويلسون رئيسا للولايات المتحدة لفترة ثانية كما وضحنا في السطور السابقة وكان الداعمون له قد شددوا على أهمية أن تظل الولايات المتحدة بعيدة عن هذه الحرب ولكن في بداية شهر يناير عام 1917م تغير الموقف الأميريكي وذلك بعد أن إستأنفت المانيا حرب الغواصات وإغراق السفن في المحيط الأطلسي وهي الحرب التي كانت قد توقفت في عام 1915م وهم مدركين أن هذا من الممكن أن يدخل الولايات المتحدة إلى الحرب لذا أرسل وزير الخارجية الألماني برقية إلى المكسيك يقترح فيها أن تكون المكسيك حليفةً لالمانيا في شنها الحرب على الولايات المتحدة الأميريكية وبالمقابل فإن المانيا ستكون الداعم للمكسيك في حربها على الولايات المتحدة وستساعدها على إسترداد أراضيها السابقة التي إستولت عليها الولايات المتحدة وهي ولايات تكساس ونيومكسيكو وأريزونا .

وإستطاعت الإستخبارات السرية البريطانية إعتراض هذه البرقية وفك شفرتها ومن ثم قدمتها إلى السفارة الأميريكية في المملكة المتحدة مما دعا الرئيس الأميريكي إلي أن يطلب من الكونجرس إعلان الحرب علي المانيا من أجل جعل العالم مكانا آمنا للديمقراطية وبالفعل في يوم 6 أبريل عام 1917م وافق الكونجرس علي إعلان الولايات المتحدة الحرب إلي جانب الحلفاء على المانيا مما كان له أكبر الأثر علي مسار الحرب وتحويل مسارها بشكل كلي كما مثل هذا الحدث تغيرا تاريخيا مع حدوث تداعيات مازالت واضحة حتى الآن حيث أدى ولأول مرة إلي أن تلعب أمريكا دور شرطي العالم وبدأ الإحساس المتنامي لأداء هذه المهمة يشكل السياسة الخارجية الأميريكية وبالتالي حلت الولايات المتحدة كقوة عالمية جديدة محل بريطانيا الإستعمارية في القيام بهذا الدور وقد أرسلت أمريكا في بادئ الأمر 14 ألف جندى فقط وقدرت الأركان العامة الألمانية قوة الجيش الأميريكي بـأنها تتراوح ما بين قوة بلجيكا وقوة البرتغال وقد ثبت أن ذلك كان خطأ كبير وقال المحللون إن هذا كان في بادئ الأمر تكتيكا نفسيا حيث قام بعد ذلك الرئيس ويلسون بإقرار قانون الخدمة الإنتقائي في يوم 18 مايو عام 1917م والذى بموجبه كان يتم تجنيد عشرة آلاف فرد يوميا وخلال الفترة من شهر ابريل حتي شهر نوفمبر عام 1918م تم إرسال نحو مليوني جندي بواقع 300 ألف جندي شهريا إلى أراضي المعارك في أوروبا وجدير بالذكر أنه خلال مشاركة أمريكا في الحرب ركز الرئيس ويلسون على النواحي الدبلوماسية والمالية وأقرضت الولايات المتحدة المليارات من الدولارات لبريطانيا وفرنسا وغيرهما من الحلفاء لتمويل الجهود الحربية وفي الوقت نفسه ترك أمور الإستراتيجية العسكرية للقادة العسكريين وبالأخص الجنرال جون بيرشنج الذى تم تعيينه في يوم 12 مايو عام 1917م قائدا للقوات الأميريكية المشاركة في الحرب والذى وصل إلى فرنسا في يوم 23 يونيو عام 1917م وواجه ضغوط الحلفاء من أجل تخصيص قواته لدعم الوحدات الفرنسية والإنجليزية على خطوط القتال ولكنه أصر على أن تكون قواته وحدة واحدة منفصلة ومميزة وتتحمل مسئولية منطقة ما ولكنه تنازل عن موقفه مرة وحيدة حين أمد بعض الوحدات الفرنسية المدافعة ضد الهجوم الألماني في ربيع عام 1918م ثم عاد وسحب قواته بعد أن عزز الحلفاء مواقعهم وبعدها قاد القوات الأميريكية للتدخل السريع لتشترك في صيف عام 1918م في القتال في معارك إقليم اللورين ثم بدأ العمليات الهجومية ليحول العمليات الثابتة وحرب الخنادق إلى حرب مناورات وإستطاعت قواته صد الألمان في أثناء هجومهم على أون مارن في الفترة من يوم 25 يوليو إلى 2 أغسطس عام 1918م ثم صدهم في منطقة سان ميجيل في الفترة من يوم 25 سبتمبر حتي وقف القتال في يوم 11 نوفمبر عام 1918م حيث إنتهى القتال بطلب المانيا الهدنة والتي تم توقيعها بين القوات المتحاربة في الساعة الخامسة صباح يوم 11 نوفمبر عام 1918م في إحدى مركبات السكك الحديدية بمدينة كومبين شمالي فرنسا والتي بموجبها توقف القتال بين الأطراف المتحاربة في الساعة الحادية عشرة صباح اليوم المذكور وتم رسميا إعلان إنتهاء الحرب العالمية الأولي وكان في اليوم السابق 10 نوفمبر عام 1918م قد لجأ الإمبراطور الألماني فيليم الثاني إلى هولندا المحايدة وهناك وقع بعد ذلك على تنازله عن حقوقه في العرش يوم 28 نوفمبر عام 1918م ومن جانب آخر فقد علل بعض المؤرخين دخول أمريكا الحرب بصورة جدية بسبب الحاجة لتوازن القوى وأشار آخرون إلي أنه كنتيجة للحرب حدثت طفرة كبيرة للإنتاج الإقتصادي في تاريخ الدولة الأميريكية ومما يذكر أن القوات الأميريكية قد قتل منها في معاركها مع الحلفاء حوالي 116 ألف جندي .

وكان ويلسون قي يوم 8 يناير عام 1918م قد أصدر مبادئه من أجل السلام والتي عرفت بالنقاط الأربع عشرة في خطاب ألقاه حول أهداف الحرب وشروط السلام أمام كونجرس الولايات المتحدة وقد تناول هذا الخطاب العديد من الأفكار التقدمية الداخلية وترجمها إلى سياسة خارجية فيما يخص التجارة الحرة والإتفاقات المفتوحة والديموقراطية وحق تقرير المصير وكان قبل ذلك بثلاثة أيام قد ألقى رئيس وزراء المملكة المتحدة ديفيد لويد جورج خطابًا يوضح أهداف بريطانيا من الحرب وكان مشابها إلى حد ما من خطاب ويلسون لكنه إقترح دفع تعويضات من جانب قوى المركز وكان أكثر غموضًا في وعوده للمواطنين وقد إستندت المبادئ الأربعة عشر في خطاب ويلسون إلى بحث أعدته لجنة تحقيق ضمت فريق من حوالي 150 مستشارا بقيادة مستشار السياسة الخارجية إدوارد إم هاوس حول الموضوعات التي من المحتمل أن تطرح للنقاش في مؤتمر السلام المتوقع عقده بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولي وقد تناول ويلسون في هذا الخطاب مباشرة ما إعتبره أسبابًا للحرب العالمية من خلال الدعوة إلى إلغاء المعاهدات السرية والحد من التسلح وتعديل المطالبات الإستعمارية لصالح كل من الشعوب الأصلية والمستعمرين وحرية الملاحة في البحار وقدم ويلسون أيضا مقترحات من شأنها أن تضمن السلام العالمي في المستقبل وعلى سبيل المثال إقترح إزالة الحواجز الإقتصادية بين الدول وطرح وعد تقرير المصير للأقليات القومية وإقامة منظمة عالمية تضمن الإستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء وعلي الرغم من أن مثالية ويلسون طغت على المبادئ الأربعة عشر إلا أنه وضع أهدافا عملية أكثر في الحسبان حيث أعرب عن أمله في إبقاء روسيا في الحرب من خلال إقناع البلاشفة بأنهم سيحصلون على سلام أفضل من الحلفاء وذلك لتعزيز معنويات الحلفاء وتقويض الدعم الألماني للحرب وقد لاقي هذا الخطاب قبولا حسنا في الولايات المتحدة ودول الحلفاء وحتى من جانب الزعيم الروسي البلشفي فلاديمير لينين بإعتباره شخص بارز في التنوير في العلاقات الدولية وقد إستخدم ويلسون فيما بعد المبادئ الأربعة عشر كأساس للتفاوض على معاهدة فرساي التي أبرمت بين الدول المنتصرة والدول المنهزمة في الحرب العالمية الأولي في شهر يونيو عام 1919م وكانت هذه المبادئ الأربعة عشر علي النحو التالي :-

1- تقوم العلاقات الدولية على مواثيق سلام عامة وتكون المعاهدات الدولية علنية وغير سرية

2- تأمين حرية الملاحة في البحار خارج المياه الإقليمية في السلم والحرب إلا ما ينص عليه الإتفاق الدولي خلافا لذلك

3- إلغاء الحواجز الإقتصادية بقدر الإمكان وإيجاد مساواة بين الدول المتعاونة في المحافظة على السلام

  1. تخفيض التسلح إلى الحد الذي يكفل الأمن الداخلي

5- وضع إدارة عادلة للمستعمرات تنفذ ما يحقق مصالح سكانها

6- الجلاء عن الأراضي الروسية كلها والتعاون مع أي حكومة روسية يختارها الشعب

7- الجلاء عن أراضي بلجيكا وتعميرها

8- الجلاء عن فرنسا ورد إقليمي الألزاس واللورين إليها وتعمير ما خرب منها بسبب الحرب

9- إعادة النظر في حدود إيطاليا بحيث تضم جميع الجنس الإيطالي

10- منح القوميات الخاضعة للإمبراطورية النمساوية حق تقرير مصيرها

11- الجلاء عن صربيا ورومانيا والجبل الأسود وإعطاء صربيا منفذا إلى البحر وإقامة علاقات جديدة بين دول البلقان كافة مبنية على أسس قومية وتاريخية وضمان حريتها السياسية والإقتصادية

12 – ضمان سيادة الأجزاء التركية وإعطاء الشعوب الأخرى غير التركية التي تخضع لها حق تقرير المصير وحرية المرور في المضائق لجميع السفن بضمان دولي

13- بعث الدول البولندية بحيث تضم جميع العنصر البولندي وإعطائها منفذا إلى البحر وضمان إستقلالها السياسي والإقتصادي دوليا

14- إنشاء منظمة عصبة الأمم

بعد أن إنتهت الحرب العالمية الأولي بتوقيع الهدنة بين الأطراف المتحاربة في يوم 11 نوفمبر عام 1918م عقد مؤتمر باريس للسلام والذى كان إجتماعاً للحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى لكي يقرروا فيه كيف يقسمون غنائم المنهزمين وكيف يحددون أسس السلام القادم بعد إنتهاء الحرب وبالفعل إنعقد هذا المؤتمر في العاصمة الفرنسية باريس في شهر يونيو عام 1919م وشارك فيه مندوبون عن أكثر من 32 دولة وكيانا سياسيا وكان الأربعة الكبار في المؤتمر كل من رئيس الولايات المتحدة الأميريكية وودرو ويلسون ورئيس مجلس وزراء بريطانيا العظمى ديفيد لويد جورج ورئيس مجلس وزراء فرنسا جورج كليمنصو ورئيس مجلس وزراء إيطاليا فيتوريو إيمانويل أورلاندو وقد إلتقوا معا بشكل غير رسمي 145 مرة خلال المؤتمر وصاغوا كل القرارات الكبرى التي صادق عليها الآخرون وكان الرئيس ويلسون أول رئيس أميريكي يزور أوروبا خلال توليه منصبه ورأى ويلسون أخلاقيا أن يلتزم بتطبيق النقاط الأربع عشرة التي كان قد أعلن عنها في شهر يناير عام 1918م كما وضحنا في السطور السابقة رغم ما ستسببه له من مشاكل داخل الولايات المتحدة وخارجها أيضا ولكنه لم ينجح في إقرار نقاطه كاملة بعد التعنت الفرنسي البريطاني إزاء بعض القضايا وقد أدى ذلك بالولايات المتحدة إلى توقيع معاهدات سلام منفصلة مع كل من المانيا والنمسا والمجر فيما بعد بعيدا عن هذا المؤتمر لا سيما بعد شعور الولايات المتحدة بأن الشروط التي وضعت على المانيا في مسؤوليتها عن الحرب كانت غير عادلة وباهظة التكلفة والتي تضمنتها معاهدة فرساي التي تمخض عنها هذا المؤتمر والتي سميت بهذا الإسم تيمنا بالمكان الجغرافي الذي تم فيه توقيع هذه المعاهدة وهو قصر فرساي الفرنسي الذى يقع علي مقربة من العاصمة الفرنسية باريس والتي كبلت الألمان وأصابتهم بالمرارة واليأس حيث كان رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو رئيس المؤتمر والوفد المرافق له مصرين علي إضعاف المانيا عسكريا وإستراتيجيا وإقتصاديا وعلي أنه لا ينبغي أن يسمح لالمانيا بشتي السبل بمهاجمة فرنسا مرة أخرى على وجه الخصوص وسعي كليمنصو إلي تحقيق ضمانات أميريكية وبريطانية للأمن الفرنسي في حال حدوث هجوم الماني آخر عليها في أي وقت وفي النهاية تم توقيع معاهدة فرساى في يوم 28 يونيو عام 1919م ثم تم تعديلها فيما بعد في يوم 10 يناير عام 1920م لتتضمن إعتراف المانيا بمسئوليتها عن الحرب ومن ثم يترتب عليها تعويض الأطراف التي تضررت من الحرب ماليا وتم تحديد هذه التعويضات بمبلغ 269 مليار مارك الماني ثم تم خفض هذا المبلغ ليصبح 132 مليار مارك ويفيد الإقتصاديون أنه بالرغم من تخفيض الرقم الكلي لتلك التعويضات إلا أنه ظل مبالغا فيه مما أثقل كاهل الإقتصاد الألماني ولم تستطع المانيا سداده حتي نهاية المدة المحددة للسداد في عام 1931م كما نصت المعاهدة علي العديد من الضوابط والقيود الشديدة والصارمة التي تم فرضها من جانب الدول المنتصرة علي الآلة العسكرية الألمانية لكي لايتمكن الألمان من إشعال حرب ثانية كالحرب العالمية الأولى حيث نصت علي إلغاء نظام التجنيد الإلزامي الذي كان معمولا به في المانيا وعلي ألا يزيد عدد أفراد الجيش الألماني عن 100 ألف فرد وعدم إنشاء قوة جوية أو إمتلاك أي أسلحة هجومية كالدبابات والمدرعات والتقيد بعدد 15 ألف جندي للبحرية بالإضافة إلى حفنة من السفن الحربية بدون غواصات حربية وعلاوة علي ذلك نصت المعاهدة علي أنه لا يحق للجنود البقاء في الجيش الألماني أكثر من 12 عام وفيما يتعلّق بالضباط فأقصى مدة يستطيعون قضاءها في الجيش هي 25 عاما وذلك لكي يصبح الجيش الألماني خاليا من الكفاءات .

ويعتبر المؤرخون أن هذه الشروط المجحفة بالمانيا كانت هي السبب الذى أدى فيما بعد إلي قيام الحرب العالمية الثانية بعد حوالي 20 عاما حيث تسبب ذلك كله في حالة من الإمتعاض الشديد بين أفراد الشعب الألماني ولما وصل الحزب النازى في عام 1933م بقيادة أدولف هتلر إلي السلطة في المانيا وتولي منصب المستشارية وفي العام التالي 1934م جمع بين منصب المستشارية ومنصب الرئاسة الألمانية تعرض ميزان القوى في قارة أوروبا للخطر حيث تبني هتلر سياسة خارجية إستهدفت في البداية إزالة عار هزيمة الحرب العالمية الأولي وتبعاتها عن المانيا لكي تحتل مكان الصدارة بين الأمم وتقوم بتصفية حسابها مع من أذلُّوها خاصة فرنسا ويتم توحيد وضم الشعوب الألمانية في دولة واحدة وكانت أهم خطواته لتحقيق هذا الهدف تحطيم معاهدة فرساي والقضاء على بنودها ثم بسط السيطرة الألمانية على أوروبا سواء بالوسائل السلمية أو الحرب لذا شرع هتلر في إعادة تسليح المانيا فأعلن في شهر مارس عام 1935م بداية إمتلاك المانيا للسلاح الجوي ثم عقد إتفاقا بحريا مع بريطانيا في نفس العام ألغى فيه التحديد الصارم للقوات البحرية الألمانية مقابل إعترافه بتفوق القوات البحرية البريطانية وتساهلت معه بريطانيا في عدد وحمولات الغواصات التي يمكن لالمانيا إمتلاكها وبذلك إستطاع أن يفصل بريطانيا عن الحلف الذي أقامته فرنسا مع الإتحاد السوفيتي كذلك زاد عدد الجيش الألماني إلى 300 ألف مقاتل بدلا من 100 ألف ثم أعاد فرض الخدمة العسكرية الإجبارية مع العمل علي إقامة جيش دائم في السلم يقدر عدد أفراده بنصف مليون جندي ويضم قيادات عسكرية مدربة ذات خبرة ثم شرع هتلر في إحتلال أراضي شرق نهر الراين التي تقع قرب الحدود الألمانية الفرنسية في شهر مارس عام 1936م رغم أن صلح فرساي ينص على أن تكون منطقة محايدة منزوعة السلاح ضمانا لأمن فرنسا وعلاوة علي ذلك قام هتلر بضم النمسا إلي المانيا في شهر مارس عام 1938م ثم منحته معاهدة ميونيخ في شهر سبتمبر عام 1938م إقليم السوديت الذى يقع في غرب جمهورية تشيكوسلوفاكيا والذى يعد غالبية سكانه من أصل الماني ويتحدث معظمهم اللغة الألمانية والذى كان متنازعا عليه بين المانيا وتشيكوسلوفاكيا ثم إستولى على ما تبقى من جمهورية التشيك في شهر مارس عام 1939م في حين تولى حكم سلوفاكيا نظام موال للنازيين يرأسه جوزيف تيسو وفي نفس الفترة إحتلت إيطاليا الحبشة وبذلك فسدت العلاقة بين إيطاليا والحلفاء وكانت تلك بداية تكوين تحالف المحور بين المانيا وإيطاليا وكانت هذه السياسة الهتلرية هي الفتيل الذي أدى إلى إشعال الحرب العالمية الثانية والتي إستمرت من عام 1939م وحتي عام 1945م .

وفي مؤتمر باريس للسلام أيضا تم إعداد معاهدة أخرى غير معاهدة فرساى الخاصة بالمانيا وهي معاهدة سان جيرمان الخاصة بالنمسا والتي تم توقيعها في يوم 10 سبتمبر عام 1919م والتي تضمنت تحديد جديد لحدود النمسا بحيث تبلغ مساحتها 840 ألف متر مربع وبهذا تحولت إلى جمهورية صغيرة بلغ عدد سكانها 6,5 مليون نسمة مع تحديد جيشها بعدد 30 الف جندي وحظر إتحاد النمسا مع المانيا وفصل مقاطعة تريستا عن النمسا وضمها إلى إيطاليا ومنح مقاطعتي بوهيميا ومورافيا إلى تشيكوسلوفاكيا وتنازل النمسا عن جاليسيا إلى بولندا مع تعهد النمسا بإحترام حقوق الأقليات القومية والدينية في النمسا وكانت المعاهدة الثالثة التي تم إعدادها في مؤتمر باريس هي معاهدة سيڨر التي تم توقيعها في يوم 10 أغسطس عام 1920م وكانت خاصة بمصادقة الدولة العثمانية عليها والمسمار الأخير في نعش تفككها وإنهيارها بسبب خسارتها في الحرب العالمية الأولى وتضمنت تلك المعاهدة التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية إضافة إلى إستيلاء الحلفاء على أراض تركية وقد ألهبت شروط المعاهدة حالة من العداء والشعور القومي لدى الأتراك فجرد البرلمان الذي كان يقوده الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك موقّعي المعاهدة من جنسيتهم فيما بعد وفي الشرق الأوسط رأت الولايات المتحدة أن تعطى الشعوب المستقلة عن الدولة العثمانية حق تقرير المصير على عكس ما كانت ترغب به بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا تريدان فرض هيمنتهما الإستعمارية على المنطقة ومن ثم قسِمت بلدان شرق البحر المتوسط بينهما حيث أخضعت فلسطين للإنتداب البريطاني ولبنان وسوريا للإنتداب الفرنسي وقد إبتعث الرئيس ويلسون لجنة لتقصي الحقائق إلى الشرق الأوسط للوقوف على آراء الناس هناك وكانت تلك هي لجنة كينج كراين التي جابت بلاد الشام وفلسطين خلال صيف عام 1919م وقد بقي تقرير هذه اللجنة سريا حتى نشرته صحيفة نيويورك تايمز في شهر ديسمبر عام 1922م ولكن بعد إقرار الكونجرس قرارا لصالح الصهاينة في فلسطين في شهر سبتمبر عام 1922م وبالإضافة إلي ماسبق وخلال مؤتمر باريس شجع الرئيس ويلسون على تشكيل عصبة الأمم لتعزيز السلام بين دول العالم من خلال الدبلوماسية بدلا من الحرب وحاولت فرنسا وبريطانيا إسترضائه قبل إقامتها إلا أن المشاعر الإنعزالية وتعارض بعض بنود ميثاق العصبة مع دستور الولايات المتحدة أدت إلى عدم تصديقها علي الإنضمام إلى عصبة الأمم التي كان الرئيس ويلسون اول من ساعد على إيجادها وأيضا على معاهدة فرساي حيث إستقبل الأعضاء الجمهوريون في مجلس الشيوخ هذه المعاهدة وميثاق المنظمة الوليدة بقلق بالغ وكان علي رأس هؤلاء الأعضاء هنري كابوت لودج رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس حيث كانت وجهة نظر الجمهوريين أن التصديق علي إنضمام الولايات المتحدة لهذه المنظمة وعلي معاهدة فرساى سوف يكون من شأنه أن يقحم ويورط الولايات المتحدة في شئون القارة الأوروبية وقضاياها ومشاكلها أكثر مما ينبغي ومن ثم رفض مجلس الشيوخ هذه المعاهدة كما لم تنضم الولايات المتحدة إلي المنظمة الدولية الوليدة .

ولنعد الآن إلي إستعراض سياسة الرئيس ويلسون خلال فترته الرئاسية الثانية من عام 1916م وحتي عام 1920م بعيدا عن إشتراك الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولي لنجده لم يوافق علي منح اللجوء السياسي لنيقولا الثاني إمبراطور روسيا وعائلته عندما أطيح به في عام 1917م بعد أن قامت الطبقات الوسطى غاضبة بلا حدود تدعمها مجموعات عديدة تدعو للإصلاح والمطالبة بتغيير الحكم بعد أن أقحم روسيا في عام 1914م في الحرب العالمية الأولى رغم أن البلاد لم تكن مهيأة لذلك ومن ثم تعرضت روسيا للكثير من الهزائم فإضطر أن يتنازل عن العرش بعد قيام ثورة فبراير عام 1917م ووضع هو وأسرته تحت الإقامة الجبرية في قصر تسارسكوي سيلو في صيف عام 1917م ثم نقل مع عائلته إلى المنفى في مدينة توبولسك بموجب قرار من الحكومة المؤقتة وفي ربيع عام 1918م نقله البلاشفة هو وأسرته إلى مدينة ييكاتيرينبرج عاصمة الكيان الفيدرالي الروسي أوبلاست سفردلوفسك حيث أعدم رميا بالرصاص في يوم 17 يوليو عام 1918م إلى جانب أسرته وحاشيته وعلى الجبهة الداخلية قام برفع الضرائب على الدخل وإقترض مليارات الدولارات من الشعب عن طريق شرائهم سندات الحرية كما أسس مجلس الصناعات الحربية وعزز تعاون النقابات العمالية ونظم الإنتاج الزراعي والغذائي من خلال قانون ليفر ومنح وزير الخزانة وليم ماكادو السيطرة المباشرة على نظام السكك الحديدية في البلاد وكان ويلسون في خطاب حالة الإتحاد الذي ألقاه في عام 1915م قد طلب من الكونجرس أن يضعوا أسس ما أصبح قانون التجسس الذى صدر بالفعل في عام 1917م وهو قانون فيدرالي تم الموافقة عليه في يوم 15 يونيو عام 1917م بعد فترة قصيرة من دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولي ونص علي إتهام أي شخص في حالة محاولة نقل معلومات بنية التدخل في عمليات أو نجاح القوات المسلحة للولايات المتحدة أو المساعدة في نجاح أعدائها وعقوبتها الموت أو السجن بما لا يقل عن 30 سنة أو نقل تقارير أو بيانات مضللة بنية التدخل في عمليات الجيش الأميريكي أو قوات البحرية الأميريكية أو المساعدة في نجاح أعداء الولايات المتحدة في أوقات الحرب من خلال محاولة التسبب في التمرد أو العصيان أو الخيانة أو رفض أداء الخدمة العسكرية بين الجنود في الجيش والقوات البحرية بالولايات المتحدة أو تعمد عرقلة التجنيد والتطوع لخدمة الولايات المتحدة وعقوبتها غرامة أقصاها 10 آلاف دولار والسجن لمدة 20 سنة وقد تم سن هذا القانون تحت إلحاح من الرئيس ويلسون لتخوفه من إنتشار الإنشقاق أثناء الحرب ظناً من أن ذلك يشكل تهديد حقيقي لأى إنتصار أميريكي واعقب ذلك في العام التالي 1918م إصدار قانون التحريض وذلك لمعاقبة معارضي التجنيد .

واثناء الفترة الثانية للرئيس ويلسون أيضا حدث تكثيف لعملية الغارات التي شنتها وزارة العدل الأميريكية ودائرة الهجرة والمكاتب الفيدرالية التنفيذية من عام 1919م حتى عام 1921م على نشطاء من أقصى اليسار مشتبه بهم وعلي المتطرفين الأجانب بهدف طردهم خارج البلاد وكانت هذه الغارات مثيرة للجدل وسميت بإسم اليكساندر ميتشل بالمر النائب العام للولايات المتحدة أثناء فترة حكم وودرو ويلسون وقد تزامنت هذه الغارات أو تلك الحملة مع فترة الخوف الأحمر الأولى بين عام 1919م وعام 1920م والمقصود بهذا المصطلح فترة الخوف واسع الإنتشار من قبل المجتمع أو الدولة حول إحتمال نهوض الشيوعية أو الأناركية أو اليسارية المتطرفة ويستخدم هذا المصطلح غالبا للإشارة إلى فترتين في تاريخ الولايات المتحدة بهذا الإسم كانت الأولي منهما حالة الخوف الأحمر الأول التي وقعت مباشرةً بعد الحرب العالمية الأولى حول تهديد محتمل من الحركة العمالية الأميريكية والثورة الفوضوية والراديكالية السياسية أما بالنسبة للخوف الأحمر الثاني فقد وقع مباشرةً بعد الحرب العالمية الثانية وكان مشغولًا بمفهوم الشيوعيين الوطنيين أو الأجانب الذين يتسللون أو يفسدون المجتمع الأميريكي أو الحكومة الفيدرالية وعلاوة علي ذلك فقد أيد ويلسون التعديل التاسع عشر للدستور الذي أعطى حق التصويت للنساء في كل الولايات المتحدة وتم التصديق عليه في عام 1920م وكان حتي هذا التاريخ مسموحا للنساء بالتصويت في بعض الولايات وليس الكل وعلي الرغم من معارضة الجنوبيين جمع ويلسون في حكومته الديموقراطيين الجنوبيين الذين طبقوا الفصل العنصري في وزارة المالية والبحرية والمكاتب الإتحادية الأخرى ومنح رؤساء الإدارات مزيدا من الحكم الذاتي في إداراتهم وقد منح ويلسون جائزة نوبل للسلام عام 1919م لرعايته عصبة الأمم كما ذكرنا في صدر هذا المقال وليكون ثاني ثلاثة رؤساء أميريكيين يتلقون الجائزة وهم في الحكم بعد تيودور روزفلت وقبل باراك أوباما بينما تلقى جيمي كارتر الجائزة بعد إنتهاء فترة رئاسته وكلمة أخيرة عن الرئيس وودرو ويلسون فهو يعتبر شخصيةً رئيسية في تأسيس الليبرالية الأميريكية الحديثة ومؤثرا قويا على الرؤساء المستقبليين مثل فرانكلين روزفلت وليندون جونسون وقد إستمرت العديد من إنجازات ويلسون بما في ذلك الإحتياطي الفيدرالي واللجنة الفيدرالية للتجارة وضريبة الدخل المتدرجة وقوانين العمل في التأثير على الولايات المتحدة بعد وفاته بفترة طويلة كما ألقت سياسته الخارجية المثالية والتي أصبحت تعرف بإسم الويلسونية كما ذكرنا في صدر هذا المقال أيضا بظلالها على السياسة الخارجية الأميريكية كما أثرت منظمة عصبة الأمم التي كان لويلسون فضل كبير في تأسيسها على تطور منظمة الأمم المتحدة فيما بعد عند تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية في عام 1945م وعلاوة علي ذلك فقد كان ويلسون يوصف بأنه جورجيا مخلصا أي من أنصار الإقتصادي هنري جورج والذى طبق جميع آرائه الأخلاقية في سياساته المحلية والدولية ولذا فقد قام بتعيين العديد من التقدميين الجورجيين الراديكاليين في مناصب بارزة في إدارته .

وعن الحياة الشخصية للرئيس ويلسون فقد شعر بالحب تجاه الفنانة المبدعة إلين لويس أكسون وتزوج الثنائي في الكنيسة في عام 1885م وأنجبا ثلاث بنات وإستمر زواجهما حتى وفاة إلين في عام 1914م وفي شهر ديسمبر عام 1915م تزوج ويلسون من إديث بولينج جالت وفي شهر أكتوبر عام 1919م أصيب بجلطة دماغية حادة وعزل نفسه في البيت الأبيض ولم يشفَ تمامًا في الأشهر السبعة عشر المتبقية من فترة حكمه بسبب هذه الجلطة وتضاءلت سلطته ونفوذه وضاعت عليه فرصة الترشح لمدة رئاسية ثالثة كان من المتوقع أن يفوز بها حيث لم يكن التعديل الدستورى الذى حدد أن تكون الفترات الرئاسية لأى رئيس فترتين فقط كل منهما 4 سنوات قد تم إقراره حينذاك ولم يتمكن الحزب الديموقراطي من الفوز بالإنتخابات أيضا وتم إنتخاب مرشح الحزب الجمهورى وارن هاردن الذى تفوق علي مرشح الحزب الديموقراطي جيمس كوكس ومرشح الحزب الإشتراكي يوجين ديبس ليصبح الرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدة والذى توفي في عام 1923م قبل إنتهاء فترته الرئاسية الأولي ليخلفه نائبه كالفين كولدج ليصبح الرئيس الثلاثين للولايات المتحدة وقد قيل إنه عندما تعرض الرئيس وودرو ويلسون للإصابة بالجلطة وأصبح عاجزا أن زوجته إديث أخفت خطورة مرضه وقامت بإصدار الأحكام بالنيابة عنه وكانت وفاة ويلسون بعد 3 سنوات تقريبا من تركه منصبه في يوم 3 فبراير عام 1924م عن عمر يناهز 67 عاما ودفن بكاتدرائية واشنطن الوطنية وكان من أهم أقواله :- — الذكريات مفتاح المستقبل لا مفتاح الماضي — الإخلاص لا قيمة له ما لم يوجد في أعماقه التضحية بالذات — إذا أردت أن تخلق لنفسك أعداءً فحاول أن تغير شيئا ولا تقاتل خصما يحاول الإنتحار — أذن القائد يجب أن تطوق بأصوات الناس والرجل الذى يسبح ضد التيار يعرف أن القوة في ذلك — أنا لا أستخدم جميع الأفكار التي أملكها إنما كل التي أستطيع إستعارتها — كرامة الأمة أغلى من رخائها بل وأغلى من حياة الأمة نفسها

التعليقات مغلقة.