نعمة المطر
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن من النعم التي ينعم بها الله عز وجل ، على عباده ما أنعم به علينا في هذه الأيام من نعمة المطر، فإنزال المطر نعمة من أعظم وأجل نعم الله عز وجل، كيف لا وقد أشاد الله بها في كتابه وذكرها في سياق الامتنان على عباده ؟
ومما يدل على عظم قدر هذه النعمة أن الله عز وجل سماها بالغيث، وجعلها مظهرا من مظاهر رحمته، ومما يدل على عظم نعمة المطر الأوصاف التي ذكر الله في كتابه، فأحيانا يصف الله المطر بالبركة، وأحيانا يصفه بالطهر، وأحيانا بأنه سبب للحياة، ونحو هذا من الصفات التي لا تليق إلا بهذه النعمة العظيمة .
وإن في نزول الأمطار وتصريفها بين البلاد وإنزالها بقدر معلوم لعبرة لأولي الأبصار، وعظةً للعصاة والفجار ، والمتأمل لكتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يجد أن الله تبارك وتعالى ، قد اختص بعلمه بإنزال الغيث، لا يشاركه فيه أحد، والمتدبر للقرآن الكريم ، يجد أن المطر رحمة ونعمة من الله عز وجل .
ويجب أن نعلم علم اليقين أن هذا المطر الكثير لم ينزل بحولنا ولا قوتنا، ولا بآلاتنا ومخترعاتنا، وإنما الذي أنزله هو الله الواحد القهار القوي العزيز، ولو أنه سبحانه أمسك المطر ولم يأذن له بالنزول، لم يستطيع البشر جميعاً بما أوتوا من قوة .
وما وصلوا إليه من براعة في الاختراع والتصنيع، أن ينزلوه من السماء، لأن أمر المطر وشأنه إلى الله عزَّ وجلَّ ، فإذا كان الماء قد يعجزهم إخراجه من باطن الأرض إذا غار فيها، فكيف يقدرون عليه وهو في السماء العالية الرفيعة
وإن هذا المطر قد يجعله الله سبحانه وتعالى ، رحمة للعباد وغوثاً لهم، وقد يجعله عذاباً ونقمة، لما أراد الله إهلاك قوم نوح أرسل عليهم الماء الغزير الشديد من فوقهم ومن تحت أرجلهم حتى علا رؤوس الجبال، فأغرقهم به ونجى نوحاً والذين آمنوا معه برحمة منه عز وجل .
والله عز وجل يرزق من يشاء من عباده مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها الذي أجلت له، والمطر من الرزق، والله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء، وأكثر ما يبتلي بالضراء عباده المؤمنين، فالمرء يبتلى على قدر دينه، وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وما ذاك إلا ليرفع بهذا الابتلاء درجاتهم، أو يكفر من خطاياهم، ويعودوا من معصيتهم، ويفيقوا من غفلتهم .
وأما الكفار فإن الله سبحانه وتعالى يملي لهم في هذه الحياة الدنيا، ويغدق عليهم بالنعم الظاهرة، من الأموال والأولاد والأمطار والحبوب والثمار، استدراجاً وإمهالاً، وحتى يستمروا في طغيانهم وكفرهم، ثم يأخذهم الله على حين غرة وغفلة ، وإننا بحاجة لشكر الله عز وجل في كل وقت وفي كل حين، وعلى كل نعمة ينعم بها الله جل جلاله .
وخاصة في هذه الأيام، فمن واجب الله علينا أن نشكره، فقد سقى البلاد والعباد، وأنزل هذا الماء الذي جعله سبب حياتنا، فمنه نشرب، ومنه نسقي حرثنا وأشجارنا، منه وبسببه ينمو الزرع ويدر الضرع بإذن الله تعالى.
ويجب على المسلم أن يعتقد ويؤمن بأن المطر من خلق الله تعالى رحمة بنا، لا تخلقه الطبيعة ولا الأحوال الجوية ولا التقلبات الهوائية، فروى البخاري ومسلم ” أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فى صلاة الصبح بالحديبية على إِثْر سماء كانت من الليلة (أي: بعد سقوط مطر)، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟
قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛ فأمَّا من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مُطِرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب ” .
والإخلاص لله سبحانه وتعالى ، في عبادته واستغفاره والإنابة إليه وكسب المال من حله وإنفاقه في محله والبعد على المعاصي، سبب عظيم من أسباب نزول الأمطار وكثرتها وشمولها ، وإذا استسقى الصالحون المتقون ربهم استجاب الله لهم وأنزل المطر من السماء وسقى البلاد والعباد، وقصصهم في ذلك مشهورة معلومة، وعلى رأس الصالحين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد ربط الله تعالى هذه نعمة المطر بنوعية أعمالنا؛ فقد ربطها بالإيمان؛ ولكن الإيمان دون العمل لا يكفي، لأن الإيمان الكامل ليس مجرد تصديق وقناعة؛ بل لابد من ترجمته إلى التقوى والطاعة، فهو ما وقر في القلب وصدقه العمل، ولذلك جاءت نعمة الغيث مرتبطة بالإيمان والتقوى معا
وقد حدَّث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صحابته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، قال: “بينما رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة، اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمساحته
فقال له: يا عبد الله ، ما اسمك؟ قال: فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها قال أمَّا إذا قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه” .
ووالمسلم من خلال هذا المطر ودورته من البحر وإلى البحر يرى قدرة الله تعالى، فتزداد في قلبه شحنة إيمانه، ويتمسك في عمله بمقتضيات دينه، من ذا الذي يستطيع أن يأتي بهذه الرحمة حين يبس الزرع وجف الضرع؟ من ذا الذي يستطيع أن يسلط الشمس على البحار حتى يرتفع ما فيها من البخار؟ من ذا الذي يستطيع أن يجعل هذا الماء السائل يطير في الهواء؟ من ذا الذي يستطيع أن يرسل الرياح فتثيره سحابا معصرا؟
والله سبحانه وتعالى كما جعل الماء نعمة كبرى فقد يحوله إلى نقمة عظمى، وقد يجعل هلاك أناس بما فيه حياة آخرين، والماء نعمة حين ينزل بقدر، ولكن الله إذا غضب قد ينزله بدرجة تفسد ولا تصلح، والقرآن الكريم يحدثنا عن هلاك قوم نوح بالطوفان، وهلاك قوم سبأ في اليمن بانهيار سد مأرب عليهم .
بل كثيرا ما تطلع علينا وسائل الإعلام بفيضانات أودت بحياة الكثير، وخلفت خسائر فادحة في الأرواح والأموال، وتركت الآلاف بدون مأوى ، ولهذا كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يستقبل الريح بالدعاء خوفا من أن يكون ريح عذاب وهلاك .
وروى الإمام مسلم أن السيده عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى السحاب ” تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سُرِّيَ عنه، فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال: لعله يا عائشةُ كما قال قوم عاد فلما رأوه عارضاً مستقبل ” أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا ” .
التعليقات مغلقة.