وقفه مع نبى الله شعيب عليه السلام (الجزء الثانى )
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
وكانت دعوة نبى الله شعيب ، كما كانت دعوة ورسالة الأنبياء والرسل قبله وبعده، فقد جاء إلى قومه مدين الذين ظهرت فيهم مظاهر الشرك والضلالات فدعاهم إلى توحيد الله تعالى وعبادته وحده سبحانه، كما نهاهم عن ما كانوا عليه من المنكرات كتطفيف الموازين، والإفساد في الأرض، والترصد بكلّ من آمن بدعوة الله، كما ذكّرهم بنعم الله عليهم وكيف كانوا قليلاً فكثرهم الله، كما دعاهم إلى الاتعاظ بما حل بالأقوام المفسدين من قبلهم.
وقابل قوم شعيب عليه السلام دعوة نبيهم بالإعراض والتكذيب، واتهموه بالسفه والضعف، كما هدّدوه بالرجم والقتل و إخراجه من ديارهم أو أن يعود في ملتهم مرة أخرى ، وعلى الرغم من تكذيب قومه له عليه السلام إلا أنهّ بقي ثابتاً على دعوته، مستمراً في نصيحتهم، حتى أتى أمر الله تعالى فتوعدهم عليه السلام بعذاب قريب في مدة ثلاثة أيام، وبعد انقضاء هذه المدة أصابت قوم مدين الصحية فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
وقيل هو شعيب بن ميكيل بن يَشجر بن مدين من ذرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وقيل هو ابن بنت نبي الله لوط، وقيل غير ذلك، وإن أمه بنت لوط، وهو من الأنبياء الأربعة العرب لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عند ذكر الأنبياء والرسل:” أربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر” رواه ابن حبان
ونبى الله شعيب عليه السلام أراد أن يحذر قومه قال يا قوم لا يحملنَكم ما تفعلونه في وشقاقكم لي أن ينزل عليكم عذاب من الله عز وجل ألا تذكرون قوم نوح والطوفان ألم تسمعوا بما فعل الله عز وجل بقوم هود أو قوم صالح وليست قرى لوط عنكم ببعيدة لا زمانا ولا مكانا ( ويا قوم لا يجرمنَكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعِيد ) أنظروا لخوفه على قومه يقول يا قوم تذكروا قوم نوح كيف أهلكهم الطوفان تذكروا قوم هود كيف أهلكهم الريح تذكروا قوم صالح كيف دمرتهم الصاعقة .
وقوم لوط التي أغرقها الله عز وجل وجعل عالِيها سافِلها ليست بعيدة عنكم إحذروا عنادكم للانبياء أن يصيبكم مثل ما أصابهم فردوا على شعيب ذلك الخطيب المفوه ذلك اللسان المبين أنظروا ماذا قالوا له إستهزاء ( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول ) كلامك لا نفهمه إنه الاستهزاء إنه العناد إنه الكبر من لا يفهم كلام ذلك الرجل الفصيح البليغ شعيب عليه الصلاة والسلام إلا قوم معاندون مكابرون يفهمون لكن كانوا يُعاندون ثم قالوا له يا شعيب إنا لا نراك فينا ضعيفا أنت رجل ضعيف .
وما كان من نبى الله شعيب عليه السلام إلا أن يثبت على الحق، ويدافع عن نفسه وعن المؤمنين معه، فاتجه شعيب إلى الله تعالى بالدعاء لله تعالى أن يفصل بينه وبين القوم الظالمين، فاستجاب الله دعاءه، فآزره بالنصر وابتلى الكافرين بالحرّ الشديد، ولم يكن يروي ظمأهم لا ظلال ولا ماء، ففروا من قدر الله إلى قدر الله، هاربين من ديارهم .
وكان شعيب عليه الصلاة والسلام رجلا ضعيف البنية ضعيف الجسد ضعيف النظر وليس من قوم أقوياء وليس من قوم يملكون القوة والمنعة لهذا قالوا له ( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك ) نعم عندك قوم ولولا معزة قومك علينا لرجمناك يا شعيب لم يكونوا بتلك القوة ولكن معزة قومه على باقي الناس جعلتهم يقفون عن تعذيبهم له قالوا لولا قومك يا شعيب لحفرنا حفرة ووضعناك فيها ولضربناك فيها بالحجارة .
فأنت لست بغال علينا ولست بعزيز علينا ولست قويا فينا أنت رجل ضعيف لكن من أجل قومك وقبيلتك ذلك أن الله بعد لوط عليه السلام لأنه لم يكن من قومه ما أرسلنا نبيا وبعثنا نبيا إلا وجعله في منعة من قومه مثل شعيب عليه السلام ، وقالوا ( ولولا رهطك لرجمناك وما أنت عَلينا بعزيز ) فرد عليهم شُعيب عليهم السلام قال ( يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ) أرهطي وقبيلتي وجماعتي وأهلي أعز عليكم من رب العالمين .
( قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله وَاتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ) فرد بكل عزة وثقة قال يا قوم أقول لكم رب العالمين تقولون رهطي أقول لكم الله تقول قبيلتي وقومي ( أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ) لكنه العناد لكنه الكبر من قوم شُعيب هذا العناد والكبر كيف أوصلهم وكيف أعمى قوم شعيب عن الحقيقة التي جاء بها شُعيب عليه السلام .
وإشتد البلاء على نبي الله شُعيب عليه السلام واستكبر قومه وأرادوا إخراجه هو والذين آمنوا معه من قريته أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا كما قالوا فرد عليهم شعيب عليه السلام قال أو لو كنا كارهين لما إزداد البلاء رفع شعيب يديه إلى السماء وقال على الله توكلنا ثم دعا الله عز وجل وقال ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )
وجاء اليوم الذي سينزل الله عز وجل عليه العذاب على قوم شعيب لقد إستكبروا لقد تجبروا لقد عاندوا لقد جاحدوا أمر الله عز وجل لقد كذبوا نبيهم الان جاء يومهم ( ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا ) ونجا الله عز وجل أولا شُعيب وأهل الايمان أخرجهم من هذه القرية فأصاب القرية حَرٌّ شديد لم يستطع أحد منهم أن يتحمل هذا الحر فوجدوا ظلة ظلة غيمة تُظلل مكان فخرج أهل القرية رجالهم ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ليستظلوا بهذ الظلة .
فنزلوا تحت هذه الغيمة فإذا بالغيمة تنزل شررا يحرق الناس ( فكذبوه ) وهذا جزاء تكذيب الانبياء ( فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عَذاب يوم عظيم ) ولو تخيلتم النار كيف تنزل والصواعق تضربهم ضربا وتحرقهم حرقا فذهبوا إلى بيوتهم إلى سُكناهم وإذا الارض ترجف من تحتهم ( فأخذتهم الرجفة ) وتزلزلت الارض من تحتهم فهذا عذاب الله عز وجل إذا نزل أي بيوت مابقيت أي مبان ماصمدت الارض ترجف والبيوت تتهدم على رؤوس أهلها ثم أخذتهم الصيحة .
(ولما جاء أمرنا نجَينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة ) فهى صيحة قطعت قلوبهم كلهم فلم تُبقي منهم فردا وأخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم كلهم وهم في ديارهم الذي إختبأ في بيته والذي هرب من رجفة الارض ومن صاعقة الظلة ومن شرارها أخذته الصيحة ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمِين ) ولا ترى في القرية قوم مدين لا ترى إلا الجثث الهامدة لا تسمع فيهم صوتا لا ترى فيهم حركة ( كأن لم يغنوا فيها ) .
أين أسواقهم أين حركاتهم أين أصواتهم أين الناس أين ذهبوا ماذا حصل لهم ( كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ) وكما فعل الله عز وجل بقوم ثمود فعل الرب عز وجل بقوم مدين فلم يُبْقِي منهم أحدا وبعد أن هلكوا جميعا دُمِّرت الارض بمن فيها أين الاسواق أين البيوت أين الناس أين الاطفال الذين يلعبون أين القرى الظاهرة أين إستكبارهم في الارض ( كأن لم يغنوا فيها ألا بعدًا لمدين كما بعدت ثمود) وبعد أن دُمرت الارض رجع نبي الله شعيب عليه السلام إلى قومه ليراهم جثثا هامدة .
رجع ليرى الارض كلها قد دُمرت ليرى الجثث ملقاة على الارض يمنة ويسرة فإذا بشعيب يمر على الناس وعلى الديار وعلى الخراب ويكلم الجثث وهي ميتة ( فتولى عنهم وقال يا قوم ) يكلم أمواتا يُسَمعهمْ الرب عز وجل وهم أموات يسمعون كلام نبيهم وهو يحدثهم وهو يقول لهم ( قال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فكيف آسى ) لما أحزن على قوم بلغتهم وأديت الامانة وذكرتهم سنوات وكانوا يستهزؤون .
وكانوا يهددون وكانوا يستكبرون ظنوا أن أموالهم ستمنعهم ظنوا أن قوتهم ستمنعهم من عذاب الله عز وجل لن أحزن عليكم ( فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسَالة ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين ) دمر قوم مَديَنْ جزاء على كفرهم بنبيهم ونجا الله شعيب والذين آمنوا .
وقد عاش سيدنا شعيب عليه الصلاة والسلام مدة من الزمن بعد هلاك قومه بعد أن أدى الأمانة وبلّغ ما أمره الله بتبليغه، وجاهد في الله حق جهاده، ومات عليه الصلاة والسلام في الأردن ودفن فيها وقبره هناك في وادٍ يسمى بوادي شعيب، وهو مقام معروف ومشهور هناك، ويقال إنه مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم. والله أعلم.
التعليقات مغلقة.