هذه قصتى .. تاجر الأحلام
هانى موسى
تطايرت جوارح ” مراد ” فرحاً … أخبروه بأنه رُزق طفلاً نبضات قلبه الأن تُسابق عجلات مركبته فى طريق عودتهما من الأسكندرية إلى القاهرة .. نظراته الحالمة بالمستقبل كانت أسبق إلى حلمه الذى طالما راوده حتى تملك كل تفاصيل حياته…صار بأشواقه عبر زجاج سيارته إلى أفاق المستقبل يتسع الطريق لنشوته وتنطوى الأميال لوجْد قلبه فكم طال انتظاره ليومٍ يرى فيه من يتساند على أكتافه ويخفف آلامه ويصون عائلته ويحمل اسمه من بعده
….فاقت فرحتها فرحته وتعانقت نظراتهما ببسمات ترتسم على الشفاه إلى ذلك الأمل العابر فوق حدود الزمان وأغلال المسافات فكم من لوعةٍ وعناء حين كانت تخلو بذاتها تخاطب عجزها المكلوم وقدرها فى أرضها الجدباء ودموعها التى بللت وسادتها كل مساء وهى تجوب بأحزانها أرجاء منزلها تضع فى كل موضع دعاء ونداء للمنان …نظراتها كل صباح من شرفات المنزل لجمال البرايا العابرون بحقائبهم إلى مدارسهم تودعهم قلوب الأمهات …تمنت تمشيط شعر صغيرة لها وهى تحاكيها كل مساء و مداعبة أطفالها و بسماتهم التى تنام على أهدابها فهل أن الأوان لتجرى الحياة بأوردتها الذاهبة نحو الذبول لتنسيها السنين العجاف؟
… وكأن اللوثة أصابتهما حين الوصول ضاعت المعالم وتشابهت الأماكن.. أسرعا يحملان فرحة طال غيابها
…وفجأةً تبدلت وجوه ضاحكة مستبشرة بوجوه عليها غبرة .. دهشتهما بائسة مستوحشة صامتة إلا بأسئلةً يتلوها القلب الخافق المهزوم لنفسه ….
مراد : من الطفل المعاق الدميم هذا ؟!!
…..أهذا أملنا؟!!….أهذا زرعنا ؟!!
وهى واهنة : نعم هذا ما أعطاك الله
وقف الطبيب الذى جاء حديثاً إلى تلك المشفى بينهم حائر الأفكار متسائلاً:
..هذه الأم النفثاء مستسلمة قانعة بلا ضجر ولا لوم على الأقدار ؟!!
وجهها تهلل باسماً حين أمسكت بتلابيب جنيهاته !!ماذا تفعل بالمال الآن لتسعد به كل هذه السعادة ؟!!
…وهذا الرجل ومن ترافقه فرحهما صار أحزان !!
…أذاك عبث ؟! أم مسرح تبدلت فيه الأدوار ؟! فلا يعرف من بالفرح يشدو ولا من الهم أشقاه!!
…حمل مراد غضبه بين ذراعيه وصار عابس الوجه لا يكمل النظرة للوليد حتى تعود مقلتاه محملة بأحزانها ودموعها كأنما يودع جثمان وزوجته عيونها كأنها تأتى بنهر الأحزان
الطبيب : لما تتركين فلذة كبدكِ هكذا ؟!
و هى شاخصة الأبصار للمال ..يا سيدى أنا أرض تجود بزرعها حين توفى الأثمان.. وأخذت تعد المال بلهفة
الطبيب : توفى الأثمان ؟!! أهكذا يُباع ككل الأشياء؟!!
هى : نعم ..للزراع ثمارهم يوم الحصاد.. تقلّب على أرضىّ زُرَاع و عروات صيف ومشتاة وأرضىّ لا تشكو بوار
….وقف الطبيب فى شرفة للمشفى تسير خواطره مُتعبة مع العابرون خلف أدخنة وعوادم السيارات
لكنه ارتعدت فرائسه تغيرت خارطة ملامحه حين رأى مراد يحمل باقة ورود وبسمة يهديها لزوجته من نافذة سيارتهما الفخيمة عندها ايقن الطبيب أنه من الخزى أن يُلقى ما تبقى من أحزانه وميثاق قسمه فى صندوق القمامة الذى يأتى منه صوت البكاء الملائكى الذى تحيطه دموع وآهات العابرون هناك فأسرع نحو الباب قاصداً النزول
التعليقات مغلقة.