هذه قصتي …براءتي بقلم فاطمة مندي
نرتدي أحياناً صمتنا من شدة حيائنا
وتتراكم الأعباء النفسية بين ثنايا قلوبنا البريئة، واتسأل هل ما زال الخجل سيحملني مزيد من الاعباء النفسية؟!!!
ام أنني قد تخطيت هذه المرحلة من حياتي؟!!!
لم يكن نقلي سهلاً لإحدى المدارس الابتدائية القريبة من منزلي.
بعد ترفيتي في وظيفتي منذ عدة سنوات، .
كنت في قمة سعادتي لآنها كانت مدرستي وأنا صغيرة، لقد فوجئت انني سوف اعين في نفس المدرسة التي كنت فيها بالامس تلميذة.
ذهبت مبكراً الي المدرسة، صعدت الي الفصول، دخلت فصلي
وقفت مشدوهة، انظر الي مقعدي في اسى وحزن وفرح.
نزلت الي فناء المدرسة، وأمام طابور الصباح أخذت الميكروفون لألقاء كلمتي في طابور الصباح، تذكرت كل شيء دفعة واحدة، تراقصت الصور أمام عينيي كشريط لا نهاية له، تتراخى يداي.
اغمض عيني الشاخصتين اليهم، اطوح برأسي بعيداً عن مرماهم.
كان يترقص قبالتي ذلك المقعد وتلك المرحلة من عمري عندما كنت في الصف الرابع من المرحلة الابتدائية،
وقفت قبالتي الذكريات تنبهني وتذكرني، عندما جاء ابي الي المدرسة يسإل
عن اخي في نفس المدرسة، وكان يكبرني، وفوجئت به يستأذن معلمتي في السؤ ال عن مدي استجابتي للتعليم.
أخبرته معلمتي بضعف المستوى التعليمي،
سألها عن الحل؟
قالت: تأتي عندي مجموعات تقوية في منزلي.
كان اعتقادي حين ذلك ان ضعف المستوى شيئ حسناً، فجلست تلفني السعادة والزهو بما نعتتني به.
كانت معلمتي في الفصل تشرح لنا قشور الدروس والعناوين، ثم تجلس علي مقعدها لعمل التريكوه،
ذهبت الي منزل المعلمة وجدت التلاميذ يتحلقونها، جلست بجوارهم وكل يوم، حاولت كثيراً فهم أي شيئ أو فهم ماذا تعني كلمة علي الاثنين فيها الاربعة، او علي اي رقم، خيالي المفرط وحيائي المفرط منعني من السؤال؟
وقد اتسائل ماذا يعني هذا المصطلح الذي لم تفسره المعلمة لي قط، كانت التلاميذ تردد خلفها ما تتفوه به، وانا اجلس مدهوشة ولكن دون أعتراض.
اما باقي المواد فكانت ذاكرتي قوية جدا لدرجة انني كنت احفظ كتاب المدرسة عن ظهر قلب، لانني كنت دائمة القرآة.
كان من الطبيعي للمعلمة متابعة هؤلاءالتلاميذ في الامتحانات، وتكون النتيجة ناجح ومنقول.
وتتخطى ذاكرتي الي السنة السادسة، في هذا الفصل ايضاً،
اصبح لكل مادة مدرس، وكان مدرس العلوم لا نراه سوى يوم كل عدة ايام،
كان مسيحي الديانة، انيق الهندام، يرتدي كل يوم حلة جديدة، ورابطة عنق انيقة، ودائماً كان في فمه نداغة يتشدق بها،
كان يكتب لنا درس درس ونحن بدورنا ننقل ما يكتبه علي السبورة، خمسة اوستة دروس متتالية، دون علمنا بما نكتب، يعلم الكراسات ثم يمضي منصرفاً.
كالعادة جاء ابي ليطمئن علي، كانت معلمة الحساب قد تسلمت الحصة، كانت من المهاجرين، من النازحين من بور سعيد، قالت ايضا لأبي نفس الكلمات انها ضعيفة، واعتقدت حينها ان هذه كلمة المرور للدروس، كنت اذهب اليها بعد الخروج من المدرسة، كانت تتحدث كأنها تتحدث عن طلاسم، وكان شقيقها يشرح لنا بعض المواد ايضاً طلاسم، سئمت الذهاب بعد عدة أيام، قررت عدم الذهاب لأنني لا افقه شيئ مما تقوله، وكأنها تتحدث بلغة لا اعرفها، كل يوم تسألني: لماذا لم تأت؟!!
كنت اتعلل بل واتزرع كل يوم بحجة جديدة.
قالت لي ذات يوم عادي لا تأت ولكن احضري المصاريف .
وتتساءل طفولتي البريئة أية مصاريف؟!!!
وأنا لم احضر سوى بضعة أيام ومعظمها يشد النوم جفوني رغماً عني الي نهاية الدرس؟!!!!، وباتت المعلمة كل يوم تسألني وانا لا أعرف السبب لماذا لم اطلب هذه المصاريف من ابي؟!!!
الي ان جاءت وسحبتي من داخل المقعد وهي تنشب اصابع يدها بشعري وتخرجني خارج الفصل وتنهال علي وجهي ضرباً، كل يوم بنفس المنوال،
من فرط حيائي لم يكن عندي الشجاعة لإخبار أحد. لكن شعوري بالقهر وعدم الحيلة امام جبروت تلك المعلمة جعل بداخلي نوع من البلاهة اللحظية اثناء عقابها لي المتتالي كل يوم، لم يبارحني شكلها، ظلت ملامحها عالقة في ذهني سنوات كثيرة، لشدة الآلم النفسي والشرخ التي تركته بداخلي ينزف قهراً ومرارة وعدم ثقة،
كانت عينيها دعجاوين سوداوين، أنفها كبير افطس كأنوف الأفارقة، شعرها طويل فاحم، بشرتها مائلة الى سمرة، لكن أكثر ما نقش بذاكرتي هي تلك النظرة القاسية، نعم نظرتها لي المليئة بالسخرية والقسوة، واستهانتها بي وأهدارها لكرامتي امام التلاميذ .
ذات يوم شاهد مدير المدرسة المنظر اثناء مروره علي الفصول كي يطمئن ان كل شيئ تمام سألها: ماذا فعلت؟!!
قالت لم تؤدي واجباتها ولم تحضر الكتاب. فرحت قلت في نفسي قد جاء ليخلصني من براثنها الحمد لله،
ولكن انها تكذب فكيف لمثلها ان تكذب لقد ألمني كذبها اكثر من المي النفسي حينها ،
إن شدة أبي علينا وصرامة أمي هما السبب في أن أبتلع اي موقف سيئ مر بي دون البوح لهم او لاي شخص،
لقد رسبت في هذه السنة.
وانتقلت الي مدرسة اخرى، يطلقون. عليها مدرسة خدمات بمصروفات،
شتان بين هذه وتلك، لقد احرزت تفوقا ملحوظاً، لقد انكشف امامي طلاسم كل شيئ جهلته، وعلمت ماذا تعني كلمة علي الاثنين او علي اي رقم وعرفت انها تسمى عملية القسمة.
عاد لي صفائي الذهني وهدوئي كطفلة،
واحسست بالاتزان النفسي، لقد تبدل الوضع كلياً، وشعرت اخيرا بأدميتيً انني لي كيان ونفس تنال مبتغاها، اقبلت علي العلم بنهم الجائع الذي لم يتذوق الطعام منذ عدة ايام، احرزت تفوقاً ملحوظاً، في جميع مراحلي حتي اتيت الي هنا معلمة لذات المدرسة،
وكانت هذه هي خطبتي للمدرسة والمدرسين في أول يوم لي معهم، في طابور الصباح وأمام الجميع، وعلي الملأ كي اعلم المدرسين كيفية التعامل مع البراءة؟!!!!
التعليقات مغلقة.