البيت بقلم :وداد معروف.
عندما عرضت على أولادي فكرةَ بيعِه لم يعترضوا، بل وافقوني سريعا . أسرع ابني بتعليق اللافتةِ على جداره.
هو بيت مميز في الحي الذي يقع فيه، له واجهه كبيرة على ناصية مهمة ، في شارع يضج بالحياة، منذ أن دخلته وأنا عروس أجدد وأجمّل فيه حتى صار فيلا أنيقة، يرتاح من يقيم فيها .
لم يستمر الإعلان وقتا طويلا ، تقدم لشرائه الكثيرون، وقع اختيارنا على أعلاهم سعرا ، وجاءت اللحظة الفارقة . طلب المشتري إخلاءه، حملنا كلَّ ذكرياتنا منه وتركناه خاويا . أغلقت بابه وكأنني أغلق باب الجيران خلفي .
عجبت من نفسي، ما هذا البرود وما تلك المشاعر الجليدية التي ملأتني تجاه هذا البيت الذي عشت فيه أكثر سنوات عمري؟
هل بقي من عمري ثلاثة وعشرون عاما مثل التي قضيتها فيه؟
ركبت السيارة مع ابني عائديْن إلي مدينتنا التي اخترنا الإقامة فيها، وأنا شاردة . من آن لآخر يحاول ابني بعثرة أفكاري فيقول: ماذا سنفعل بثمن المنزل ؟
أهز رأسي وأقول : لا أدري والله يا تامر.
يفتح مسجل السيارة ويدندن معها وأعود لشرودي، ما عرفتُ نفسي باردة المشاعر هكذا . أنا التي أحب أشيائي وأتعلق بمقتنياتي، فيوم أن ضاع مني هاتفي القديم الذي لم أعد أستعمله ، كتبت له نعيا نشرته على حسابي في الفيسبوك .
لماذا لم تذرف عيني دمعة وأنا أراه خاليا من كل ما يخصني وأولادي. لم أمكث طويلا في الأعماق، صعدت إلي السطح بكثير من الإجابات، دخلته أول يوم كمحتلة . هكذا رآني أهل زوجي، هذه الصغيرة تسكن بيتا كبيرا تمرح فيه وحدها؟!
مات ابني في غرفة نومه الكبيرة، أسقطت جنيني في غرفة النوم الثانية، على سطحه الفسيح بكيت كثيرا، حزنا على ابني، ودعوت أكثر أن اُرزق بعوض عنه.
استجاب ربي وأعطاني توأمًا، لم يستمر هنائي بهما أكثر من ستة أشهر، وتزوج زوجي سكرتيرته نصف الحسناء . صعدت من شقتي إلى الطابق الأعلى، محت شريكتي ذكرياتي الجميلة في شقتي القديمة .
عدت للسطح أناجي ربي أن يُذهب عني لهيبَ الغيرة، فارقتني السعادة ولم تعد ثانية حتى بعد أن خرجَتْ ـ هي ـ لبيت جديد وظللت في هذا البيت وحدي.
مات زوجي وغادرني وغادرها . نطق ابني فانتفضت فزعة وسألته: ماذا قلت؟
قال: مالَكِ فزعتِ .. أقول لك غدا سنعود لنستلم باقي الثمن ونوقع العقد وسنصحب معنا أختي مروة،
وكأنني أريد أن أتخلص من حملٍ ثقيل قلت: أخبر المشتري أن يأتي إلينا ومعه عقده ونقوده . لن أعود هناك ثانية .
التعليقات مغلقة.