في جهاد الصحابة.. بقلم/ مجدي ســالم
الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المائة.. أبو هريرة.. ( أبو الرواة ) – 4
سادسا.. نكمل.. في روايته للحديث النبوي..
- وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله أنَّ أبا هريرة أحفظ من روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.. حيث روى عنه نحو ثمانمائة رجلٍ أو أكثر من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم.. وهو من أكثر الصحابة روايةً للحديث .. فقد روى خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا.. وقيل: في الأصل؛ خمسة آلاف حديثٍ وثلاثمائة وأربعة وستُّون..
- أكثر الأحاديث الصحيحة الثابتة عن أبي هريرة رضي الله عنه لم يتفرد بروايتها وحده.. بل رواها غيره من الصحابة الكرام معه أو بالترادف معه.. وعدد الأحاديث الثابتة الصحيحة والحسنة التي تفرد بروايتها أبو هريرة رضي الله عنه هي نحو مائة وعشرة حديث فقط.. ومعظمها في الترغيب والترهيب والأخلاق والقصفي رحاب الصحابة ص..
- ومع رواية أبي هريرة للحديث يثير أعداء الإسلام والسُّنّة المباركة شُبَهًا حول رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- للحديث الشريف.. فيقولون كيف استطاع أبو هريرة رواية هذا الكمّ الهائل من الأحاديث النبويّة وهو لم يصحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سوى ثلاثة أعوام ونصف على أبعد تقدير.؟ ويستشهدون – وهم الذين يحاولون أن ينسفوا السُّنّة وكتب الحديث- بأحاديث في بطون كتب الأحاديث ليطعنوا برواية أبي هريرة للحديث الشريف..
وأهمّ شبهة تُثار حول أبي هريرة هي أنّه روى أحاديث نبوية كثيرة.. بينما مدّة مصاحبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصيرة.. والحقّ أنّ أولئك القوم لم يقرأوا في سيرة أبي هريرة -رضي الله عنه- كيف كان أبو هريرة يحفظ الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولماذا كان يؤدّيها بأمانة.. والجواب: - إنّ أبا هريرة -رضي الله عنه- كان حريصًا على نشر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد روى الإمام البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة أنّه قال: “واللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ في كِتَابِ اللَّهِ.. ما حَدَّثْتُكُمْ شيئًا أبَدًا:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} .. من سورة البقرة.. ومن هذا الباب كان أبو هريرة يُكثر من رواية الأحاديث خوف أن يكون قد كتمَ علمًا.. - وأمّا لماذا كان أبو هريرة أكثر الصحابة رواية لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالجواب يأتي من أنّ أبا هريرة كان يُلازم النبي -صلى الله عليه وسلم- في كلّ أحواله بينما كان الصحابة الآخرون يعملون في الأسواق والتجارة وينشغلون بأمور حياتهم اليوميّة.. وقد روى عنه الإمام البخاري أنّه قال: “إنَّ إخْوَانَنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بالأسْوَاقِ.. وإنَّ إخْوَانَنَا مِنَ الأنْصَارِ كانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ في أمْوَالِهِمْ.. وإنَّ أبَا هُرَيْرَةَ كانَ يَلْزَمُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بشِبَعِ بَطْنِهِ.. ويَحْضُرُ ما لا يَحْضُرُونَ.. ويَحْفَظُ ما لا يَحْفَظُونَ”.. وبذلك يكون قد رُدّ على إحدى الشُّبَه المُثارة حول سيّد الحفّاظ أبي هريرة رضي الله عنه..
- وفي رواية أخرى.. إن أبطال الحروب من الصحابة كثيرون.. والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون.. ولكن كان هناك قلة من الكتاب.. ولم يكونوا متفرغين لتدوين كل ما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعندما أسلم أبو هريرة لم يملك أرضا يزرعها أو تجارة يتبعها .. وانما كان يملك موهبة تكمن في ذاكرته .. فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة.. فعزم على تعويض مافاته بان يأخذ على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله الى الأجيال القادمة فهو يقول: (انكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقولون أن المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث.. ألا ان أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق.. وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم.. واني كنت امرءا مسكينا.. أكثر مجالسة رسول الله .. فأحضر اذا غابوا.. وأحفظ اذا نسوا..
وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثنا يوما فقال: “من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني”.. فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته إلي.. فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه.. وأيم الله لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا .. هي.. ” ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب .. أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون “.. كما تقدم.. - وأخرج مسدّد في مسنده من طريق يحيى بن عبيد اللَّه عن أبيه عن أبي هريرة قال: بلغ عمر حديثي.. فقال لي: كنت معنا يوم كنّا في بيت فلان؟ قلت: نعم.. إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال يومئذ: «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » قال: اذهب الآن فحدّث.. .. أراكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.