سلسلة وظائف ومهن تراثية…صانع السبح
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
خرزة مثقوبة تتلوها أخرى مماثلة ويدان تجمعان حبات منها بخيط رفيع يمر بالثقوب في شكل قلادة تعرف بإسم السبحة وهي كلمة مشتقة من كلمة التسبيح وهو قول سبحان الله وهي إحدى مهن التراث الإسلامي والتي يمارسها صانع السبح في العديد من الورش التي تتواجد بحي خان الخليلي التاريخي والذى يعد من أقدم أحياء القاهرة والتي يكثر تداولها وبيعها في المناسبات الدينية لا سيما مع أيام الحج والعمرة وشهر رمضان المعظم كما يقول صناع السبح كما يقولون أيضا إن صناعة السبح تجعلهم قريبين من الله حيث تذكر الناس بذكر الله ومن ثم يحصلون على حسنات وهم يحصلون علي الثواب والبركة أيضا وعلى رزق منها يتزايد بصفة خاصة في المواسم المذكورة ولقد إعتاد المصريون أن تطوف ايديهم بين 33 أو 99 خرزة وكأنه حج إلى ذكر الله حيث يرددون وهم يحركون حبات سبحهم أذكارا منها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ومنها أيضا أستغفر الله العظيم وأتوب إليه وهو أمر يتكرر في المعتقد المسيحي أيضا بسبحة مشابهة من 33 حبة أيضا دلالة على عمر السيد المسيح عيسي بن مريم عليه السلام حين صعد إلى السماء ويرددون عبرها ذكرا باللغة القبطية القديمة وهو كيرياليسون ويعني ذلك باللغة العربية يارب إرحم . وتعود هذه الصنعة إلى مئات السنين وتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل علي الرغم من وجود معوقات ثلاثة يراها صناع السبح في مصر في الوقت الحالي والتي أثرت سلبيا علي هذه المهنة وجعلتها تتراجع تراجعا كبيرا ويقل عدد العاملين بها وهي إرتفاع أسعار المواد الخام المستوردة التي تصنع منها السبح خاصة بعد تعويم الجنيه وزيادة سعر الدولار وإنتشار السبح المستوردة لاسيما من الصين إلي جانب ظهور مايسمي بالتسبيح الإلكتروني حيث يقوم المستخدم بالضغط على زر كما لو كان يسبح كما دخلت السباق مؤخرا تطبيقات حديثة تسمح بالتسبيح على الهواتف المحمولة المزودة بنظام الأندرويد حيث يقوم المستخدم بتحريك إصبعه على الشاشة كما لو أنه كان يسبح بالإضافة إلى أدعية وأذكار إسلامية وإلي جانب ذلك يعاني صناع السبح من مشكلة بيئية تتعلق بروائح المواد المستخدمة في صناعتها والتي تؤثر على الرئة وقد تسبب السرطان على المدى البعيد نتيجة لتطاير بواقي منها على العاملين في هذا المجال ولا يعرف تحديدا تاريخ ظهور هذه الصناعة في مصر والأغلب أنها إنتقلت إلي مصر من بلاد الشام حيث أنها بدأت تنتشر في العصر الأموي وأصبحت السبحة مظهر من مظاهر التدين والوجاهة ومن ثم كان لإسمها تواجد في مصر في العهد الفاطمي مابين عام 972م وحتي عام 1171م والعهد العثماني مابين عام 1517م وحتي عام 1867م وذلك وفقا لروايات غير رسمية .
وتعد مصر الدولة الثانية علي مستوى العالم في تصنيع السبح بعد تركيا وإن كانت الصين قد دخلت حاليا منافسا لهما ويتم إستيراد الكثير من المواد الخام اللازمة لصناعتها من تركيا والصين بخلاف أندونيسيا وحديثا من ألمانيا وأهم هذه الخامات خشب شجر العود وهو نوع من الأشجار ينبت بكثرة في بلاد جنوب شرق قارة آسيا أو بإستخدام خشب شجرة الكوك وهي شجرة تنبت بكثرة في تركيا وشمالي العراق وسوريا أو بإستخدام اليسر وهو من الشعاب المرجانية الموجودة بالبحر الأحمر وتصنع السبح أيضا من بعض الأحجار الكريمة مثل الكهرمان والياقوت والعقيق واللازورد والأمشست واللؤلؤ والكهرب وعين النمر أو من بعض المعادن مثل الفضة والذهب كما قد يتم تصنيعها من العاج المنقوش والمحفور وأيضا قد تصنع من المواد البلاستيكية الرخيصة وأحيانا من الحبال كتلك التي يحيكها بعض الرهبان والراهبات وحديثا يتم تصنيع السبح من مادتي الفاتوران والباكالايت وهما مادتان تستوردان من ألمانيا وإن كانت تركيا قد بدات في إنتاج مادة الفاتوران وجدير بالذكر أن مادة الباكالايت مصنعة من مواد بترولية ولا تتأثر بالحرارة وتأتى إلى مصر في ثلاثة ألوان هي الأحمر والأخضر والأصفر المشبح وتستخدم ألمانيا هذه الخامة كأجزاء من أعمدة الإنارة لعدم تأثرها بالحرارة هذا وتأتي الخامات جميعها على هيئة قوالب ثم يتم تقطيعها وتشكيلها . وتنتشر في الأسواق المصرية السبح التي يتم إنتاجها في مصر لاسيما في ورش حي خان الخليلي وذلك إلي جانب السبح الصيني التي يتم تصنيعها ميكانيكيا وليس بطريقة يدوية وأيضا السبح التركي وتمر صناعة السبحة بعدد 7 مراحل أولها تقطيع المادة الخام عبر ماكينة تقطيع كهربائية حيث يتم فصل الخامة التي ستتم صناعة السبحة منها حسب الحجم المطلوب لها ثم مرحلة التخريط أو التجليخ وهي عبارة عن إعادة تشكيل المادة المقطوعة سواء إلى مكعبات أو إلي قطع صغيرة وإعطائها الشكل الجمالي المطلوب والمرحلة الثالثة هي التخريم أو الثقب بآلة كهربائية وبعدها رابعا التطعيم وهي مرحلة إلحاق بعض المواد للتزيين مثل اللون الذهبي أو الفضي أحيانا تليها الصنفرة لجعل السبحة ملساء يعقبها التلميع إلى أن تأتي المرحلة السابعة والأخيرة وهي اللضم أو التجميع وتقفيل السبحة والخيوط المستخدمة في تجميع السبحة على شكل قلادة تكون عادة من خيوط النايلون أو الحرير وسمكها يتحدد بحسب حجم الخرزة والسبح المكونة من عدد 33 خرزة وتسمى الثلث يكون هناك فاصل بين كل 11 خرزة منها ويسمى تفسيرا والسبح التي تتكون من عدد 99 خرزة وتسمى الألفية يكون هناك فاصل بين كل 33 خرزة منها ويسمى عروسة وفي كلا النوعين السابقين يتم إضافة مئذنة في أعلي السبحة ومحبس وعن أشكال الخرز بعد خرطها نجد أن الأشكال الأكثر إستخداما هي الشكل التفاحي والبراميلي والدائري والأسطواني .
وفي المعتقد الإسلامي يثاب المسلم كلما ذكر الله 33 مرة مرددا سبحان الله وحمده 33 مرة مرددا الحمد لله ووحده 33 مرة مرددا لا إله إلا الله ثم يختم المائة مرددا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويستطيع صانع السبح أن يصنع من 10 إلى 20 سبحة يوميا إذا كانت عادية أما ما تحتاج إلى تطعيمات فيستمر العمل في الواحدة 3 أيام متواصلة ويتوقف سعر السبحة علي مادة صنعها وحجم خرزاتها وعلي التطعيمات المضافة إليها حيث يبلغ سعر السبح العادية المصنوعة من الكوك بضعة جنيهات قليلة بينما يصل سعر السبحة المصنوعة من أحد الأحجار الكريمة مثل الكهرمان عدة آلاف من الجنيهات وكانت هناك آراء متشددة ترى في السبحة بدعة لأنها لا ترتبط بشعائر الإسلام وتدعو إلى التسبيح بالأنامل إلا أن دار الإفتاء المصرية قد أصدرت فتوى عام 2004م تفيد بأن السبحة أمر مشروع أقره نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وعلي آله وسلم ولم ينكره أحد بعده وإن كان يفضل التسبيح باليد والعد بعقل الأصابع طلبا لشهادة الجوارح يوم القيامة وقد إشتهرت أغنية عن السبحة إسمها سبحة رمضان وهي من غناء الثلاثى المرح وتأليف حسين طنطاوى وألحان الموسيقار الراحل على إسماعيل وتقول كلماتها سبحة رمضان لولى ومرجان بتلاتة وتلاتين حباية الله الله الله الله الله الله تلاتة وتلاتين منهم تلاتين أيام رمضان نور وهداية وتلاتة العيد ونقول ونعيد ذكر الرحمن آية بآية أيام رمضان رحمة وغفران ورضا الرحمن وحده كفاية .
التعليقات مغلقة.