قصة قصيرة “وفاء والقنطرة ” … بسن قلم حسين الجندي
قصة قصيرة وفاء والقنطرة
بسن قلم حسين الجندي
في صبيحة كل يوم تخرج المعلمة وفاء ممسكة حقيبتها بيد وتحتضن الأخرى يد ابنها الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره…
ومعهما زميلتها إلهام …
الوِجْهة هي مدرسة ابتدائية في إحدى القرى…
وسط الحقول الخضراء حيث الندى الذي يصيب أطراف الثياب فيمتزج بتراب أديم الأرض فيتحول إلى طين لازب!
لا يوجد فلاح ولا فلاحة إلا ويكنُّ حبا كبيرا للأستاذة وفاء لما لها من مُحَيَّا وضيء وروح مرحة وتواضع جم وابتسامة صافية أحيانا تتحول إلى ضحكات خفيفات محتشمات…
لا تترك أحدا تقريبا إلا وصبَّحتْ عليه وسألته عن حاله وأولاده…
لم يتبق على الوصول إلى المدرسة سوى عبور المصرف إلى البر الآخر من خلال قنطرة بدائية عتيقة عبارة عن ماسورة صرف بالية…
قُطْرُها صغير يكاد يكفي القدم، ملساء ناعمة،
لا أدري كيف يمكن العبور فوقها؟!
الأستاذة وفاء بحذائها ذي الكعب العالي ماهرة في العبور على القنطرة وكأنها جسر فسيح تعبر من فوقه العربات!
تحتضن طفلها وتعبر به بسلاسةِ السائرين على الحبال في السيرك!
وهكذا كل يوم…
مرض الابن ذات يوم فلم يذهب مع والدته إلى المدرسة…
غدت الأستاذة وفاء مع زميلتها إلهام كالعادة إلى العمل وجاء دور عبور القنطرة وعبرت إلهام، وتأهبت وفاء للعبور…
وبسلاستها المعتادة عبرت نصف القنطرة…
وفجأة!!!
اختل توازنها وعبثا حاولت أن تستعيده!
وسرعان ما هوت إلى المصرف بمياهه العكرة النتنة!!!
ويا للسوء لقد كانت المياة تملأ المصرف بالقدر الذي يكفي لإغراق من يسقط فيه!!!
صرخت زميلتها طالبة النجدة من أي أحد…
وفاء تهبط وتصعد وفي كل مرة تحاول أن تمسك بأي شيء…
أي شيء…
ولو عودا من قش!!!
الموقف صعب للغاية!
الزميلة تصرخ…
ووفاء ما زالت تمسك بتلابيب الحياة…
انشقت الأرض الزراعية عن فلاح فَتِيٍّ يجري نحوهما ومعه عصا غليظة كالتي تُقاس بها الأراضي قديما…
أنزلها للأستاذة وفاء فأمسكت بها ولم تفلتها فحياتها مرتبطة بها…
أخذ الفلاح يجذب العصا ومع كل جذبة تصعد وفاء حتى صعدت كُليَّةً على البر…
عادت وفاء إلى منزلها منهارة تلبس ملابس إحدى الفلاحات…
هدأت قليلا….
حكت قصتها مع القنطرة…
وكيف عادت إلى الحياة بفضل هذا الفلاح الأصيل…
ارتعب طفلها وتخيل الموقف في ذهنه…
وقرَّر…
مرَّ أسبوع وعادت وفاء لعملها…
عبرت مرة أخرى على القنطرة ولكن هذه المرة بدون حذاء وأيضا بدون طفلها فقد أقسم ألا يذهب لهذه المدرسة مرة أخرى!!!
وبرغم مرور أربعين عاما على الحادثة إلا أن ابن وفاء تولَّدت لديه عقدة من جميع القناطر!
مرة وحيدة سافر لإحدى القرى لحضور حفل زفاف أحد أقاربه وكان حتما عليه عبور قنطرة عبارة عن جذع نخلة…
الكل في البر الآخر يشجعونه وهو يقدم رِجْلا ويؤخر أخرى!
ظل هكذا قرابة الساعة!
وفي الأخير…
عبرها على أربع!!!
نعم…
عبرها زاحفا على بطنه وهو يمسك جذع النخلة بيديه ورجليه!!!
ومن يومها أقسم ألا يعود لتلك القرية لا في فرح ولا في ترح!
التعليقات مغلقة.