” الهرم المقلوب ”

محمود حمدون

أبدع قدماء المصريين في تصميم الأهرامات على مرّ تاريخهم الطويل والذي تُّوج بالأهرامات الثلاثة في الجيزة والهرم الأكبر للملك ” خوفو ” العظيم , على وجه الخصوص ..
بغض النظر عن الغاية من نشأة البناء الهرمي بالشكل الهندسي الذي رأيناه وبقي صامدًا لآلاف السنين, بعيدًا عن الشطط في التفسيرات النظرية حول بناء الهرم عمومًا والأكبر خاصة , لكن يبقى أن المصريين قديمًا حينما شيّدوا الشكل الهرمي جعلوا قاعدته لأسفل وأكبر في المساحة وارتفعوا برأسه حتى تقترب من السحاب , هكذا أخذنا منهم وعلى أيديهم ومن برديّاتهم وأحجارهم أن الرأس لأعلى والقاعدة لأسفل وأن الجسم لا غني له عنهما معًا …
ثم جرت على حضارتهم ما يجري من سنة في الكون على الحضارات جميعها غابرها وحاضرها , فكان لابد من أفول واضمحلال حتى أصبحت مصر كقصعة يتكالب عليها اللئام ولا يستطيع بنوها الدفاع عنها , بل انكارًا ونكاية في تاريخ أجدادهم وجدناهم يبنون أهرامات جديدة لكن قاعدته المتسعة لأعلى ,
بينما تنكب رؤوسها لأسفل , عجيبة جديدة فوجدنا الهرم المقلوب من بناء وأحجار وحديد تسليح كقصر ثقافة بشمال الصعيد , يعلّمنا أن مجدنا الآن لم يعد كما كان , تغيّرت الرؤى بل غامت , ثم زاد الأمر سوءً بأهرامات بشرية تجوب بلاد العالم كرؤوس أموال , ولأن سمة أهرامات اليوم هي الارتفاع بالقاعدة لأعلى عليّين , غمس الهامة في الثرى أو مواراتها خجلًا حتى أصبحت هي العورة بينما الأخيرة تجلجل في الفضاء..
هكذا أصبحت أهرامات مصر اليوم و يُفترض أنها مصدر قوتنا وفخارنا, هي نقطة ضعفنا , لم نعرف كيف نواري سوأتنا كما فعل قاتل ” هابيل” بل تركنا العورة والرأس يتحرّش بهما من يرتدي قشرة الحضارة والروح بدوية جاهلية ..
الخلاصة , ما تأذّي عامل مصري بالخارج ” هو ثروة بشرية ” إلاّ بهوان لحقه هنا من بني جلدته ..