موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

فيما يشبه الاحتفاء بنخلة في الصحراء الكبرى بقلم د. قاسم المحبشي

177

فيما يشبه الاحتفاء بنخلة في الصحراء الكبرى بقلم د. قاسم المحبشي

الشعر هو ثورة الشعور في لحظة الإلهام الشعري التي تأتي بغتة اشبه بقدح زناد الروح في ذات الشاعر، والإنسان بما هو كائن يحس ويشعر ويدرك وينفعل بالعالم حوله فهو كائن شعري بقدرته على محاكاة الطبيعية ومحاولة تمثلها وجدانيا بالرقص والرسم والموسيقى والإيقاع والوزن والقافية. لكن الشعر ليس مجرد محاكاة للطبيعة كما عرفه أرسطو الذي انتقد فكرة الوحي والإلهام الأفلاطونية إذ اعتبر أرسطو أن أن الشعر نشأ عن سببين كلاهما طبيعي، هما المحاكاة واللذة التي تولدها المحاكاة في ذات الإنسان وهي غريزة في الإنسان تظهر فيه منذ الطفولة، و الإنسان يختلف عن سائر الحيوان في كونه أكثرها استعداداللمحاكاة والاستمتاع بها”وهناك من عرف الشعر بانه الكلام المقفى والموزون وعرفه البرقاوي بميتا اللغة والوجود ” ففي الوقت الذي يعانق الشاعر ذاته ويعيش الغيبة مستيقظاً متناثراً على ضفاف الكينونة مزهواً يمارس أعلى درجات الحرية والحضور، إنه يحضر بوصفه فينيقاً يُبعث عبر رحم اللغة، فيظهر في المخاض الشعري مرة أخرى نرجساً يعانق ذاته في بحيرة اللغة. فالشاعر هو الميتا” وعلى الرغم من كل نظريات تعريف الشعر منذ أفلاطون وحتى أولغا أوروثكو (الأرجنتين 1920-1999) الذي كتب قائلا: ” إن الشاعر يرى ما هو شعري حتى في أكثر الأشياء عادية واليومية المعتادة” وهكذا هو الشعر مثل الحب يصعب تعريفة أنه حالة شعور مكثفة من الجذب الروحي للكائن الحاس المرهف الحواس يندمج فيها العقل الفعال والوجدان والانفعال والحدس والإحساس والتأمل والحيرة والدهشة والكشف والفرح والحزن والغضب والرغبة في التجاوز والانزعاج.

النشاط الشعري هو ثوري بطبيعته، تمرين روحي ووسيلة لتحرير الدواخل. الشعر يكشف عن هذا العالم، ويخلق عالماً آخر. انه خبز المتميزين.. غذاء ملعون. يعزل ويوحد. دعوة للترحال، عودة للأرض الأولى. إلهام، تنفس، تمرين عضلي. دعاء للفراغ، حوار مع الغياب، يغذيه الضجر والحنق واليأس. انه صلاة، تجلي، حضور. تطهر، استدعاء، سحر. تعظيم، تعويض، تكثيف لللاوعي. تعبير تاريخي عن أعراق، أمم، طبقات. يرفض التاريخ وفي أحضانه تُحل كل الصراعات الموضوعية، ومعه يكتسب الإنسان وعياً بأنه أكثر من مجرد كائن عابر. هو تجربة، شعور، عاطفة، حدس، تفكير غير موجه. ابن الحظ وثمرة التخطيط. الشعر هو فن الكلام بشكل راق، لغة بدائية. طاعة قواعدٍ واختراع أخرى. تقليد للقدماء، استنساخ للواقع، استنساخ نسخة مُستنسَخة عن الفكرة. جنون، توهج، علامات. عودة إلى الطفولة، ممارسة حب، حنين إلى الجنة، إلى الجحيم، إلى البرزخ. لعب، عمل، نشاط صوفي، اعتراف، تجربة فطرية، رؤية، موسيقى، رمز، تناظُر، والقصيدة هي حلزون تصدح فيه موسيقى العالم، وحيث الأوزان والقوافي ليست سوى استجابات أو أصداء لتناسق العالم. الشعر هو تعليم أخلاقي، نموذج، كشف، رقص، نقاش، حوار داخلي. صوت الشعب، لغة المنتخَبين، كلمات الوحيد. صفاء وتلوث، مقدس وملعون، شعبي ونخبوي، جماعي وشخصي، عاري ومستور، منطوق، مرسوم، مكتوب. يمثل كل الوجوه، ولكن ثمة من يؤكد بأنه لا يمثل أي وجه فالقصيدة هي قناع يخفي الفراغ، دليل جميل على العظمة غير الضرورية لكل عمل إنساني. فالمحاكاة وحدها لا تكفي والإيقاع والوزن والقوافي وحدها لا تكفي بل ثمة سر مخفي في داخل الذات الشاعرة انها التجربة الشعرية التي لا يحظى بها كل الناس. بعضهم فقط هم ما تأتيهم تلك اللحظة الخاطفة من الانزياح الإبداعي وهي حالة أو لحظة تفرض نفسها على الشاعر دون استئذان ودون مراعاة للزمان أو المكان. تصيبه في ساعات الصباح الباكر، وفي لحظات ما قبل الإغفاء، وفي المرحاض وفي أثناء السفر وعند رؤية الجمال بكل أشكاله. تأتي كالبرق أو كالومضة وقد تضيع لأبسط المنغصات. لا يمكن للشاعر استحضار هذه اللحظة وهي لا تخضع لرغبته وإرادته وإنما هي عصية متمردة تأتي متى تشاء وتفر متى تشاء وبسرعة إن لم يدخلها الشاعر ويعيشها بكل جوارحه وحواسه قاطعاً كل صلة له بالعالم المحيط به. سأسميها “الحالة الشعرية” أو “المخاض”. أجمل الشعر هو نتاج هذه اللحظة المتمردة التي تستحوذ على الشاعر وتسيطر عليه قاطعة كل صلة له بالعادي والروتيني. في هذه الحالة يكون الشاعر منقطعاً عن ذاته وعن العالم المحيط به، يكون غير عادي أو مجنون فتغيب اللغة العادية وتحضر لغة هي وليدة الحالة الشعرية تزول بزوالها وقد ينساها الشاعر إن لم يدونها. ينساها ولا يستطيع استحضارها ثانية، حتى في حالات شعرية مثيلة. تماماً كمياه النهر التي تمر ولا تعود؛ الحالة الشعرية” هي التي تتحكم بالشاعر فتشله وتسيطر عليه وهو لا يستطيع استحضارها متى شاء، أو التحكم بها أو تكريسها. لذلك فالشاعر الشاعر قد يكتب في اليوم أكثر من قصيدة وقد تمر الأيام والأشهر دون أن يستطيع كتابة كلمة واحدة. لأنه محكوم لشيطانه أو وحيه أو لحظته الشعرية.كما عبر الناقد الجزائري حسين فاعور الساعدي. وهكذا يظل الشعر مثل غيره من أشكال الفنون الإبداعية والفكرية مرهون بالقدرات الذاتية للأشخاص القادرين على مناوشته بوصفه حالة معقدة من وعي العالم والذات كما عبر الفيلسوف أحمد نسيم برقاوي ” فهو يرسم باللغة أعماق اللاشعور الذي صار شعوراً شعرياً والشعور الذي يرهق كاهل النفس إذا لم يخرج من النفس لغة. والنفس هنا هي الذات بكل تكويناتها. ويتأسس الوعي الجمالي بانزياح للغة عن الأشياء عبر صياغة علاقة جديدة بالأشياء لا وجود لها في الواقع لكنها بنت الواقع”

تداعت هذا الخواطر إلى مخيلتي وأنا اقرأ ” ديوان نخلة في الصحراء” الذي أهداه لي الصديق العزيز عباد الوطحي، بعثه لي من عدن الحبيبة وكنت قد تابعت فاعلية حفل توقيعه في اتحاد الأدباء والكتاب بعدن قبل أشهر عبر الفضاء فقط. أمس وصلني الديوان الجميل مرسل مع الأخ العزيز العميد عبدالإله صالح علوي الذي قدم إلى القاهرة لغرض طبي. في الحقيقة لقد ادهش الشاعر عباد بذلك السيل المنهمر من القصائد الجميلة. وهو المهندس والإداري التربوي المخضرم. وهذا ما كنت اعرفه عنه لم اكن اعرف انه شاعرا موهوبا. وأتذكر بانني التقيته مرة واحدة في عدن قبل سنوات في أمسية نقاش فكرية ثقافية راقية رجل في الأربعينيات من عمره أعجبت بطريقة تفكيره العقلاني المستنير ولم يقل لي حينها بانه يقرض الشعر ولكن الشعر والشعور بالجمال لا عمر له. وربما كان أسم الديون نخلة في الصحراء دال على السر والمعنى في حياة صاحبه. النخلة قادرة على العطاء حتى في الصحراء المحاطة بالرمال والشمس والرياح والعواصف. الديون يضمن اكثر من ستين نص شعري على النمط التقليد والحديث وليس هذا ما يهمني هنا بقدر أهمية الشاعرية التي وجدتها في القصائد المتنوعة الأغراض بين الحماسة والغزل والحكمة والبوح والحزن والفرح والأمل ففي قصيدة الغيمة المسافرة التي نال بها شهادة تقديرية من منتدى هاملت للأدب العربي المعاص وكأنما كان يتمثل حالة النخلة في الصحراء حينما أنشد قائلا:

يا غيمَةً مرَّتْ مُسـافِــرَةً
إنِّي جديبُ الرُّوحِ مُصفَـرُّ

رُوحي على العهدِ الذي قطعَتْ
لـم يـثـْنِـهــا عَـذْلٌ ولا زَجْــرُ

بيني وبينَ الشعرِ هلهَلَةٌ
لـولاكِ لـمْ يـمـتَـد لـي بحـرُ

يا نجمتي والليلُ يكتبني
والمرتجى والبَوحُ والشِّعرُ

لو لمْ تماري رُوحَ قافيتي
ما لاحَ لي عـجـْزٌ ولا صـدرُ

يا قُبْلَةً ذابَتْ على شَفَتي
ما ذاقَ قَـبـْلاً مِـثْلَهـا ثـغـرُ

يا مُنيَتي والهَجْرُ يفتُكُ بي
ضاقَ المدى واستنفِدُ الصَبْرُ

يا طعنَةً والنَّصْلُ في جسدي
هلْ قامَ لي بعـدِ الـردى عـذرُ..؟

هل مِن قتيلٍ طابَ مقتلُهُ
مثلي إذاً يـزْهـو بـهِ الفـَخْـرُ

وفي قصيدة أهداها الشاعر للشاعرة الفلسطينية هدى مصلح النواجحة عبر عباد الوطحي عن مشاعره العربية القومية بكلمات بالغة الدالة والمعنى

جِئتِ مِنْ الشَّامِ مِنْ أرضٍ مباركةٍ
ومن فلسطينِ يسري حُبُّها بِدمي

وهُدْهُدُ الحقِّ يدعوني إلى مَدَد ٍ
شَطْرَ العِراقِ بقلْبِ العاشِقِ النَّهِمِ

هَذا العراقُ كنسْرٍ رفَّ خافِقهُ
بالرَّافدينِ شموخُ الرأسِ والعَلمِ

ليطلقَ الحقُّ من بغدادِ منعَطَفاً
ومن رُبى الشَّامِ أرضِ الجُودِ والشِّيَمِ

ليكتبَ اللهُ أمراً عَلَّهُ قَدَرٌ
ليغسِلَ الأرضَ من آفاتِها الرِّمَمِ

ما زلْتُ أستجلـي الأنبـاءَ عــن بَـلَـدٍ
تخطَّفَتْـهُ أيــادِي الجَهْـــلِ والسَّقَـــمِ

قدْ كُنْتُ واعدْتُ شَمْسًا تستفيقَ غدًا
فـألبسـوهـــا حِجــابًا حَـــالِكَ الظُّلَــمِ

وطالما أسبـلَـتْ عينـي على وطـــنٍ
واليـومَ أبكيـهِ مِن رأسـي إلى قَدَمـي

تصَحَّرَتْ في بلادِ الـرَّمْـلِ مِحْبـَرَتـي
تخثَّـرَ الحَـرفُ فــي زُمَّـارَةِ القَلَــمِ

تَكتــظُّ بَيْـنَ الحَنـايـا ألْـفُ مُـحْـزنَــةٍ
تُمــزِّعُ القلبَ مِنْ حُزنِي ومِـنْ ألَمِــي

يحـشـرَجُ الشِّـعْرَ حَرفُ البوحِ مُرتَعشًا
وكُنْـتُ أشـدُوهُ قبلَ اليومِ مِـلْءَ فمــي

بالمـالِ تَستبـدِلُ الأشيـاءُ وجهَتَـهــا
في الـدِّينِ والحــقِّ والقانُـونِ والحرَمِ

هـو الـبـذاءَةُ فـي أجفـى فـجاجَـتِهـا
لـولاهُ لـمْ يخضَـعِ العِـمـلاقُ للقَــــــزَمِ

هو السّرابُ الذي سـادَتْ حضـارَتُـهُ
على الـعُـيـونِ مـراياتٍ مـن العــــــدمِ

هـو الـظَّلامُ الـذي قـدْ كانَ مُختـبـئًـا
في كَهـفِــهِ مِـن زمانٍ ضارِبِ القِـــدَمِ

هـو الـرِّيـاحُ التـي هَبَّـتْ مُـبَـعـثِــرَةً
نُــورَ الحيــاةِ بمــوتٍ غيـرِ منـتـظـــمِ

وحينما تتقد مشاعره الرومانسية تفيض الكلمات بالصورة الباذخة الجمال والاندهاش إذ كتب في قصيدة

وحَينَ محَبَّةٍ*

ومِنْ خـَديـكِ أجمَـعُ مُـفـرداتي
ومِن سُـمْـرَ الشِّفـاةِ الـمُسكـراتِ

ومِنْ عَينَيكِ أقْتَبـسُ المـعـانـي
وأنثـرُ فـي سَمَــاكِ كـويـكـبـاتـي

ومِنْ رُوحِ الجَمالِ فَرَدْتُ رِيشـاً
لأطلِـقَ فـي هـواكِ سـنُـونُواتـي

فأسْكبُ فيكِ حَرفَ البَوحِ خَمْراً
وأهـوى فـيكِ أنـفـاسَ الــحـيـاةِ

ولي قـلْـبٌ يُـمـدُّ إليـكِ حِـسّـاً
كمـدِّ الـماءِ فــي لُـبِّ الـنَّـبـاتِ

وأحيا في الدَّقِيقَـةِ ألْفَ عُمرٍ
إذا مَـــرَّ الخـيـالُ بـذكـريـاتـي

وأفـتحُ للـهـوى أبـوابَ رُوحـي
فيـهـوي ألْـفُ نَـجْـمٍ في نـواتـي

وهذا الكَونُ مُـنْـفَلِـتٌ ولـكــنْ
خُطى قدَميكِ مُنتصَفُ الجَـهـاتِ

لأنَّـكِ فَـلْــذَةُ اليـاقـوِتِ حـقّــاً
وجوهرةٌ تمـاهَـتْ في حصـاتـي

فحَينَ تَلُـفُّـتٍ أغمـضْـتُ عيني
وحَـيـنَ مـَحـِبَّــةٍ أَحـبَّـبْـتُ ذاتـي

وفي الديوان قصائد تستحق القراءة والنقد والتقيم. شكرا صديق العزيز الشاعر المبدع عُباد الوطحي وتمنياتي لك بالمزيد من العطاء والازدهار. وشكرا جزيلا للأخ العميد عبدالاله صالح علوي الذي وصل الديوان بكامل أناقته.
ديوان جميل وجدير قدم له الدكتور عيدروس نصر النقيب تقديمًا يليق بالشكل والمضمون

التعليقات مغلقة.