لماذا بقلم وداد معروف
وحدها تدخل المركز, تجلس دائما بجوار النافذة في المقعد الأمامي, عندما وقعت عينا زميلي زياد عليها عرفت أنه لن يتركها, فهذا الوجه المريح وتلك البشرة الناعمة التي تزيدها النظارة الطبية الأنيقة جمالا, هي الصفات التي يحبها زياد في الفتيات, دائما يقول لي: يا رائف جمال الدنيا كله تجمعه المرأة وحدها,
وهذه الفتاة قد جمعته, فلن تخرج من هذه الدورة كما دخلتها, فهو مولع بالبيضاوات ذوات البشرة الوردية الناعمة, واثق أيضا في جاذبيته وسحره الأخاذ, حينما يقف ليعطي المحاضرة, أرىٰ عيون الطالبات يتفرسن فيه, وبعد أن تنتهي يحيطون به هذه تسأله عن نطق هذه الكلمة وتلك تتحجج بعدم تبينها لبعض الكلمات الإنجليزية أثناء نطقه لها في المحاضرة؛ فتطلب منه الإعادة, تلبس في إصبعها خاتما للخطوبة, جميل أنها مخطوبة, فهذا الأمر سيجعلها بمنأىٰ عن الانجذاب إليه, مؤكد لها مع خطيبها حكاية حلوة.
الدورة مدتها شهر, وفي العادة خلال الأسبوع الأول نكون قد عرفنا أسماء وتفاصيل كثيرة عن المشتركين في دورة اللغة الانجليزية, غالبهم يتقدم لها لإتقان اللغة تحدثا ونطقا وكتابة؛ بعدما أصبحت شرطا مهما من شروط التقدم للوظائف, وهناك فئة - وهدير من تلك الفئة - التي تقدمت للمشاركة في الدورة كونها من مسوغات حصولها علىٰ درجة الماجستير, أخبرتني بعد محاضرة الــ Grammar التي أعطيها لهم؛ أن خطيبها أستاذ جامعي وأنه شجعها علىٰ التقدم للدراسات العليا, وهو الذي اختار لها هذا المركز لثقته في كوادره كي تدرس فيه اللغة.
لاحظت أن زميلي "زياد" قد بدأ يهتم بها, ويكثر من الحديث عنها, لم أنزعج إلا عندما وجدتها بدأت تقف معه طويلا بعد المحاضرات, أيضا في فترة الراحة بين المحاضرات, تجلس معه وتخرج من حقيبتها بعض الشطائر؛ التي أتت بها خصيصا , ليتشاركا في أكلها مع كوبين من الشاي يطلبهما من العاملة, يظلان يتحدثان ويضحكان, حتىٰ ينتهي وقت الراحة ويدخل كل الطلاب إلىٰ القاعة, وهما لا يدريان عما حولهما شيئا.
اغتظت منهما وصممت أن أفعل شيئا لأوقف هذه المهزلة, لا أعرف هل غيظي منها لتورطها في مثل تلك العلاقة وهي مخطوبة أم غيرة من زياد الذي لا تفلت منه الجميلات, ويبدلهن كما يبدل ملابسه؟
طرحت هذا السؤال علىٰ نفسي, فوجدت أنه مزيج من هذا وذاك, أنا أيضا شاب وملامحي مقبولة ولي شارب اعتنيت به كثيرا, فلماذا لا أحظىٰ بمثل ما يحظىٰ به من اهتمام؟
رصدت له في عشرة شهور فقط سبع قصص حب مع فتيات كلهن حسناوات, ما زلت أتعجب كيف دون أن يطرف له جفن يقلبهن؛ واحدة تلو الأخرىٰ, ثم يبدأ في قصة جديدة, ربما هذا أيضا ما حفزني علىٰ هذا التصرف
بعد انتهاء المحاضرات طلبت منها أن تنتظرني علىٰ مدخل العمارة لا تغادر لأني أريد أن أكلمها في أمر يخصها, وافقت وهي مندهشة, لم أغب عليها, نزلت لها مسرعا وقلت لها: من الآخر يا هدير لا تضيعي فرصتك في الزواج من الأستاذ الجامعي من أجل صديقي زياد, قد لا تعرفين أنه هكذا مع كل الجميلات؛ ولست أنت فقط, هذه نصيحتي, ليتك تقدرينها.
سمعت مني وشكرتني, لم تستطع أن تجادل, فعلاقتهما كانت سببا لكثير من التهامس بين المجموعة الدارسة, ونظرا لأنها مدة قصيرة وستنتهي ويمضي كل إلىٰ حاله, لم يشغل أحد نفسه بلفت انتباهها أو نصحها.
عند انتهاء الدورة لم أجد خاتم الخطوبة في إصبعها, عرفت من زياد أنها فسخت الخطبة, فقد كان لا يخفي عني أي شيء من علاقاته الغرامية.
ونحن نعد شهادات إتمام الدورة لمن اجتازوها بنجاح, جاءت شهادتها أمامي, وأنا أوقعها قلت: هدير أيتها العبيطة! وضحكتُ.
- قال لي زياد: ألن تكف عن الغيرة مني وكانت ضحكته أعلىٰ من ضحكتي.
- فقلت له وقد شعرت بوشاية هدير بي: غيرة! لماذا الغيرة منك؟
- طيب أنت يا رائف, قالت لي هدير:, صاحبك أبو شارب مثل شوارب الحدادين يحذرني منك.
- الحقيقة أنه ما غاظتني الوشاية بقدر غيظي من سخريتها من شاربي الذي ما تركته إلا لأكون في جاذبية رشدي أباظة.
- ثم سألته : أخبرني يا زياد لماذا تعشق النساء الأندال؟!
التعليقات مغلقة.