في الإستشكال الفلسفي للمستقبل “من نحن؟ وماذا سنكون؟ وكيف نعيش”
في الإستشكال الفلسفي للمستقبل “من نحن؟ وماذا سنكون؟ وكيف نعيش”
بقلم الدكتور قاسم المحبشي
منذ أن وصلتني دعوة ومحاور المؤتمر الحادي والثلاثون للجمعية الفلسفية المصرية المزعم تنظيمه في ( ٥-٧) ديسمبر ٢٠٢٠م بجامعة القاهرة تحت عنوان بالغ الدلالة والتعبير ( فلسفة المستقبل)، وأنا أفكر فيماذا يمكنني الكتابة؟ هل في فلسفة المستقبل أم في مستقبل الفلسفة؟ وعن أي مستقبل يمكن الحديث اليوم لاسيما بعد أزمة فيروس كورونا كوفيد-١٩. التي جعلت العالم كله يترنح؟ إذ لم يشهد تاريخ الإنسان العام حالة مماثلة لحالتنا الراهنة. بدأ الأمر وكأن التاريخ يترنح والأرض تميد بأهلها، والقيم تهتز والحضارة تضطرب، والفوضى الشاملة تجتاح كل شيء، وبإزاء هذا المشهد القيامي المجنون تحيرت افضل العقول، وفقد العقل الإنساني بصيرته وقدرته النيرة في رؤية الأحداث وما ورائها، ومن ثم تفسيرها وتحليلها والكشف عن ثيماتها العميقة المتخفية في سبيل فهمها وعقلنتها وإدراك معناها. وسط هذا السديم الحالك من الاضطراب العظيم والعمى الشامل، آخذ العلماء والمفكرون والمؤرخون يبحثون عن تفسير معقول لما يعتمل في لواقع ويدور في عالم جن جنونه وأصاب الناس جميعاً بالدهشة والذهول. فهذا المؤرخ الإنجليزي المشهور ” جفري باراكلاف” من جامعة اكسفورد يكتب تحت تأثير الإحساس العميق بالأزمة: ” إننا مهاجمون بإحساس من عدم الثقة بسبب شعورنا بأننا نقف على عتبة عصر جديد لا تزودنا فيه تجاربنا السابقة بدليل أمين لسلوك دروبه، وان أحد نتائج هذا الموقف الجديد هو أن التاريخ ذاته يفقد، إن لم يكن قد فقد سلطته التقليدية ولم يعد بمقدوره تزويدنا بخبرات سابقة في مواجهة المشكلات الجديدة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً منذ آدم حتى اليوم ويمكن لنا تتبع حيرة الفكر المعاصر إزاء ما شهده العالم ولا يزال يشهده من اضطراب شامل في ذلك السيل المتدفق من المحاولات التنظيرية التي ترغب في توصيف ونمذجة وعقلنه المشهد التاريخي الراهن في أطر مفهومية مجردة وكلية، إذ أخذ الفلاسفة والمفكرون منذ عدة أشهر يتسابقون ويتنافسون لصياغة وإبداع ونحت المفهومة المعبرة أو الصورة الفكرية التي يمكن لها أن تعبر عن العالم المعاش، وتمنح الحقبة الجديدة اسمها ومعناها فضلا عن استشراف مستقبلها. وأعتقد أن مناقشة سؤال المستقبل الآن تختلف عما كان قبل الفيروس وهذا ربما يحتاج إلى جهود مضاعفة للتأمل والرؤية في الحاضر المضطرب والمستقبل الذي لم تتضح معالمه بعد. وهل تستطيع بومة ميرفا أن تطلق جناحيها للريح قبل أن يكتمل النهار؟ ومن الذي كان يخطر بباله أن المساجد والكنائس والمعابد والمدارس والجامعات سوف تغلق أبوابها في عز النهار وفي معظم البلدان؟ ومن الذي كان يتخيل أن أمريكا بكل قوتها وجبروتها ترتعد فرائصها من فيروس كورونا؟ ومن الذي كان يتخيل أن ينتشر وباء فيروسي من أقصى شرق الكرة الأرضية إلى أقصى غربها في بضعة أيام؟ ألسنا بإزاء ظاهرة عالمية جديدة وصادمة للعقل والروح معًا؟
من المؤكد أن الماضي لم يعد يسعفنا بتدبير الحاضر واستشراف المسقبل فكل الطرق التقليدية في التفكير والعلاقات والأفعال والمناهج والاساليب والمفاهيم صارت الآن في مهب الريح بلا فائدة ولا جدوى بعد تغير كل شيء في عالمنا. أنها الثورة الرابعة كما وصفها المفكر الأيطالي الجنسية لوتشيانو فلوريدي أستاذ فلسفة وأخلاقيات المعلومات في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة ورئيس مجلة الفلسفة والتكنولوجيا. أستهل مقدمته لكتاب الثورة الرابعة؛ كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني. الذي قال في مستهل الكتاب ما يلي: ” نحن بحاجة الى فلسفة جديدة للمعلوماتية.. فلسفة تمكننا من فهم واستيعاب التحولات العميقة والواسعة النطاق التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفهم طبيعة المعلوماتية ذاتها.. نحن في حاجة الى الفلسفة لنترقب ونوجه الأثر الأخلاقي لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات علينا وعلى بيئتنا. نحن بحاجة الى الفلسفة لبناء الإطار الفكري المناسب الذي يمكن أن يساعدنا على إدراك الدلالات والمعاني العقلية لمأزقنا الجديد، وباختصار، نحن في حاجة الى فلسفة المعلومات بوصفها فلسفة تخص عصرنا، من أجل عصرنا” ومع كل تحول جذري في شروط الاجتماع الإنساني تعاول ربيبة الدهشة وأم العلوم طرح السؤال من نحن؟ وماذا سنكون؟ وكيف نعيش؟ وأنا قررت الكتابة في لعلاقة الجدلية بين فلسفة التقدم واستشراف المستقبل.
التعليقات مغلقة.