قصة قصيرة “ارتخاء ” بسن قلم حسين الجندي
في أعماق قرية ما زالت منعزلة عن معظم مظاهر الحضارة…
لم يشعر بالراحة منذ شهور…
لكنه لم يهتم!
أليس هذا ما سعى إليه حثيثا منذ تخرجه من كلية أصول الدين؟!
بلى…
فموعد زفافه بعد غد…
لم يتبق سوى شراء جرَّايات الستائر…
أعطاها لأخيه ركَّبَها بالخطأ!
أخذ يصرخ :
كل شيء على رأسي!
أين السجاد؟!
وأين كروت الدعوة؟!
ألم يحضرها أحد؟!
هل اتفق أحدكم مع الكهربائي والطباخ والجزار؟
والفراشة والكراسي هل أجَّرْتُموها؟!
لم يجد إجابة واحدة تشفي غليله!
علا صريخه…
في لحظة ضعف لعن الزواج ومن يرغب فيه…
لم يجد يدا حانية عليه سوى يد جاره وائل …
وكانت آخر يد يتوقعها!
بل إنه لم يُرِدْها وصاحبها مطلقا!
وبالتحديد في هذا التوقيت!
دخل الليل ومراسم الحنة على وشك…
استعد ليأخذ حمامه…
نزل الماء على جسده ليلهب أماكن متفرقة فيه!
فما زالت جروحه مستعصية على الالتئام!
وكلما آلمته تذكر وائل…
لم ينس تلك الليلة المشئومة على الإطلاق!
فما أفظع أن تجد السكين بين يدي مسكين!
ارتدى ملابسه بحرص شديد!
جلس في (الكوشة)…
امتلأ الإناء الزجاجي (بالنُقْطَة)…
مرت الليلة بسلام…
وقبل أن ينفضَّ السامر بلحظات وجد سلطانَ شيطانَ القرية وقاهر عرسانها أمام ناظريه!
لم يُعِرْه اهتماما…
لم يستمع لنصيحة أحد!
فقط لفت انتباه سلطان إلى المصحف الصغير في جيب جلبابه العلوي!
رمقه سلطان بنظرة تحدٍ… تركه واقفا والشرر يتطاير من عينه!
أخذ يحملق في جميع أركان غرفة العزوبية…
فهذه آخر ليلة له فيها …
قبل أن يغط في النوم سمع تحت سريره صوتا…
- ربااااه!
أهو أنت؟!
وبتلقائية شديدة أخذ يتحسس مواضع جروحه!
لكن رآه هذه المرة ينظر إليه بعين شفيقة راجية!
ربَّت على كتفيه بحنانٍ حَذِر!
لم يكن هائجا الليلة بل لم يره بهذا الهدوء من قبل!
مسح لعابه وحاول إخراجه فلم يفلح…
تيقن أنه لن يفارقه الليلة أبدا!
أذعن للأمر الواقع…
سمح له بالنوم بجواره…
أغلق عينيه…
حاول النوم فأمامه في الغد ليلة ليلاء!
بين الفَيْنَة والفَيْنَة يفتح عينا ويغلق الأخرى!
ولكن تعب اليوم غلبه… فصرعه النوم وغشاه…
أما رفيقه فلم يغمض له جفن!
فظل يحدق فيه ولعابه منه يسيل!
ثم ارتج وانتفض!
وتشنج فكاه على وضعية واحدة…
وعبثا حاولوا افتكاك يد العريس من بين أسنانه فظل يصرخ ويصرخ!
وفي الأخير خرجت يده وعليها نحت أسنان منتظم غائر دامٍ!
مرت الليلة كالدهر!
لم ينس تلك اللحظات…
دخل على عروسه…
تذكَّرَ وائل وأحداث الليلة الفائتة…
فنام بجوارها كأختها!
تعددت الليالي والحال كما هو!
ذهب والده من ورائه إلى سلطان قاهر العرسان…
أعطاه حجابا وأخذ ثمنه ضعفين!
شيَّعه سلطان بنظرات شامتة وقرأ ساخرا في مخليته المريضة:
العريس اعتصم بالقرآن ولم يعمل حسابا لسلطان وأعوانه من الجان!
على مضض أخذه من والده…
أجهش بالبكاء على رجولته الوئيدة!
أخذ قراره…
اصطحبها إلى أحد السواحل…
حيث الهواء النقي المُشَبَّع باليود…
والبحر بسحره وزرقة مياهه…
والطعام الغني بالفسفور…
والمناظر والأشخاص المغايرة…
نسي جاره…
لم يعد يراه داخل عقله…
جرى إليها فرحا…
احتضنها في شوق…
استرد رجولته…
بدأ شهر العسل…
عادا…
استقبله والده فرحا فلقد وجد الدماء تكاد تقفز من عروقه والحيوية تملأ كيانه…
هتف بدون وعي:
صدق سلطان صدق سلط……..
قاطعه بكل حزم:
لا بل صدق الله وصدق القرآن…
ثم أخرج من جيبه الحجاب الممزق!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات مغلقة.