العملية تمت بنجاح … رزق البرمبالى
لم يكد “نصحي” يخرج من السجن بعد قضاء تسع سنوات عقوبة الإتجار في المواد المخدره، حتى باغتته زوجتة وشريكتة “نرجس” بمفاجأة جعلته يقف منتفضاً كمن لدغه عقرب، وتصبب العرق من جبينه،
وقال: أعيدي علىَّ ماقلتِ، قال ذلك رافعاً حاجبيه للأعلى بينما فمه مفتوح عن أخره، كأنه لايصدق ماسمعت أذناه،
نظرت إليه وهي تتشدق بلبانه وقالت:
_ هل السجن جعل منك إنسان واهن القلب ضعيف الهمة، قلت لك نترك كار المخدرات ونعمل في الخطف!
أتسمي قتل الأرواح البريئة خطف،أم لعدم وجود أولاد لدينا؟! نحن لانقتلهم، بل نخطفهم فقط!
ضحك ضحكه باهتة وساخره ثم قال:
بل نقتلهم سلامات ياشيخ نصحي، والثلاثة الذين قتلتهم مخدراتك، والرابع الذي سرق أباه من أجل سمومك ومات بعدها بالسكتة القلبية، والخمس طلاب…..
قاطعها قائلاً : لا أريد أن أعود للسجن.
_ إنه أسهل عمل، حاجة كده مثل شكة الدبوس،
ومن أخبرك بهذا؟! نوال، نوال زوجة المعلم سنجة!
_ والمعلم “سنجة” كمان ساب الكار؟!
عقبالك، سابو العشة الصفيح وإشتروا عمارة في حتة حلوة، بيقولوا عليها المهندسين، وهو يسحب الحجر رقم عشرين عبر غابة الجوزة وينفث دخانها الأزرق، إلتمعت عيناه وهو يتخيل عمارته المطلة على النيل وسيارته السوداء الفارهة وزوجتة الجديده الغضة البضة، يمد يده يهرش قفاه ويبتسم، تتعجب نرجس قائلة: هما العشرين حجر لطشوا مخك يا راجل ولا إيه؟! نوال، حَكَتّ لك عن طبيعة الشُغلانة؟
بالتفاصيل، عربية ربع نقل بصندوق مغطي فيها اثنين غير السائق، وتوكتوك بسائق وواحدة منقبة، وعربية ملاكي فيها راجل وواحدة لابسة نقاب أو سايبة شعرها وأحياناً بتلبس خمار، كانت نوال تحكي بينما نصحي يسحب أنفاس الحشيش من الجوزة وينظر إليها ويتراءى لناظريه زوجتة الجديدة الطويلة البيضاء تحزم وسطها بايشارب ثم ترقص له فتفطر شفتاه السوداوين الضخمتين عن ابتسامة عريضة، وكم الآجر في الشهر؟
مفيش أجر، بالرأس… الراس بعشرين ألف، وكان متكئاً فجلس، عقد جبينه وناولها الجوزة وقد بدأ عليه عدم الإرتياح عن الأجر، وكأنها فهمت مايدور في خُلده سحبت نفساً عميقا فخرج الدخان الأزرق من فتحتي الآنف كحية تتلوي، وقالت ضاحكة: العشرين ألف لنا نحن فقط، أنا وأنت،
في الصباح أخذهم “سنجة” وذهب بهم إلى المعلم الكبير في مزرعة كبيرة وممتدة في عمق الصحراء، يحيط بها سور مرتفع وشاهق ينتهي بأسلاك شائكة ملتوية على بعضها، خلفه أشجار ضخمة وسامقة ذات كثافة عالية، وهناك على البعد لمح عبر أشجار و شجيرات الفواكه والزيتون فيلاتان ومبني ضخم متعدد الطوابق،
وبعد أن إتفقا على كل شئ قال المعلم الكبير لسنجة في حِده : قل له عقوبة الخطأ أو الخيانة أو إفشاء السر،
أخبرتهما بكل شئ ياكبير،ثم أردف: القتل في الحال، أخبرهما أيضاً أن من يعمل معنا، ستكون الرقابة عليه أربع وعشرين ساعة، ستحصي عليه أنفاسه حتى وهو فى غرفة نومة، ثم إستطرد إذهب به إلى مكتب المهندس “وديع”
ليعطيه خريطة عمل اليوم،
كان نصحى وزوجتة يشعران بدوار شديد وبدهشة عجيبة فلم يكن يَدُر بخلدهما أنهما سيعملان في شركة عملاقة منظمة إلى هذا الحد،
كان المهندس وديع أصلع جامد الوجه أسمر دقيق التقاطيع، يجلس خلف مكتب كبير خلفه علقت صورة على الحائط كبيرة الحجم بها أدق التفاصيل للقرى والكفور والنجوع لمحافظات مصر السبعة وعشرين
شرح لهما شرحاً كاملاً عن جدول عمل الأسبوع القادم وأسماء القري والشوارع بالتفصيل، وحذرهم من الذهاب لأماكن آخرى غير المحدده لهم، لوجود آخرين يعملون فيها،
كانوا ينظرون إليه وهو يشير بعصاه الرفيعة المدببة على الحائط المثبت عليه شاشة بيضاء كبيره مبين عليها الأماكن حية بما فيها من كل شئ، وكأنهم ينظرون إلى رائد فضاء، يتملكهم إنبهار شديد، وأخذتهم دوامة من التفكير والخوف في آن واحد،
قال نصحى في نفسه “كار المخدرات يلزمه هذا المهندس وهذه الخرائط وهذا التنظيم”
إرتدت نرجس النقاب وفي القرية المحدده، استقلوا توتوك وأخذوا جولة أولاً، ثم سلم لهم ناضورجي توكتوك وأخبرهم أن الطريق آمن، كان الطريق الزراعى خالٍ من الناس الا من فتاه في السابعة من العمر كانت في طريقها لإيصال طعام الفطور لوالديها في الحقل، وقف التوكتوك وسألتها المنقبة عن عنوان وقربت منها منديل مبلل، سرعان ماشعرت بدوار، جذبتها اليها وشق السائق طريقه كالبرق، في اليوم التالى جلست في عيادة طبيب نساء مشهور بعلمه وبالزحام الشديد في غرفة الإنتظار أمام عيادته، أختين إحداهن تحمل طفل رضيع وبجوارها أختها التى ذهبت لشراء بعض الحاجيات من السوق إلى أن يأتي على أختها الدور، اقتربت منها المنقبة وتجاذبت معها أطراف الحديث، نادت الموظفة عليها للدخول، بادرتها المنقبة قائلة: اتركيه معى وادخلى
_جزاك الله خيرا
وأخذتها وفرت كالثعلب إلى السيارة ذات الارقام المزيفة التى كانت بإنتظارها بالأسفل قيادة زوجها الذي يرتدي قناعاً ليغير من ملامحه تماماً،
خطف بحِيل وأساليب عجيبة ومتجدده على الدوام وفي الأماكن المحددة حسب الخطط المرسومه من قبل المهندس وديع،
تكرر تَغيُب نصحي عن منزلة ليلاً، وتكرر تفنيده لأسباب واهية أمام زوجتة، في البداية كانت تصدقه، فلم تعهد عليه كذباً من قبل، إلى أن لاحظت قلة رغبته فيها ليلاً تدريجياً إلى أن إنعدمت تماماً ، بدا يساورها الشك فيه، فبدأت في تتبعه، وجاءتها الحقيقة كخنجر مسموم طعن قلبها،
“نصحي متزوج وله طفلين توأم عمرهما ثلاث سنوات،
كلفت إحدي صديقتها وزميلتها في نفس المهنة بخطف الولدين وتسليمهما في المزرعة،
كانت نرجس تقف في حديقة عامة في عيد شم النسيم، تتخير أحد ضحاياها يكون شارداً عن أهله المنهمكين في تناول الفسيخ بالبصل والليمون.. إلخ، حينما رن هاتفها وأتتها الرسالة التالية
“العملية تمت بنجاح، الولدين الآن في المبني الطبي ويتعامل معهم الأطباء كُلِ يأخذ الجزء الخاص به،
رزق البرمبالي
التعليقات مغلقة.