حديث بين السماء والأرض
نقله حاتم السيد مصيلحي
وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) [ سورة هود، الآية : ٤٤] مشهد يصوره القرآن الكريم من حادث الطوفان الذي كان بمثابة حملة تطهيرية شنها الله تعالى على الظالمين الكافرين، الذين تكبروا في الأرض، فبدلوا نعم الله بالكفر والجحود والسخرية من أنبيائه ورسله، والحديث في هذه الآية موجه من الله تعالى إلى الأرض والسماء مستخدما فيها صيغة النداء للعاقل كونه من الله لبعض خلقه، وقد يستخدم لغير العاقل جوازا.
وحينما قرأت هذه الآية راودتني فكرة إجراء حديث بين السماء والأرض المتحدثين الرسميين باسم المخلوقات الكونية لبيان مدى حنقهم وغضبهم على ابن آدم، الذي ارتكب المعاصي والموبقات غير هياب من عذاب الله، ومن ثم كان الحديث التالي :
فبينما الكون ساكن والناس في مضاجعهم، والطيور في أعشاشها والوحوش في كهوفها وأوكارها، بدت السماء في أبهى زينتها وقد اكتست بالنجوم والأجرام، وقد ظهر البدر كاملا سابحا بين النجوم، وكأنه الراعي الذي يتعسس؛ ليتفقد أحوال الرعية.
وظهرت الأرض وقد اكتست بالخضرة اليانعة، والزهور المتعددة المتباينة الألوان والأشكال، وأخذ يطوف بها الطيور طواف السابحين في ملكوت الله.
فإذا بالسماء قائلة : أيتها الأرض، كيف حال ابن آدم معك؟
فقالت الأرض : ابن آدم هذا متقلب الأهواء، فمنهم من يسير على ظهري في كبرياء ويدب دبيب الأقوياء أمثال فرعون وهامان، فأقول : ربي مرني أنشق وأبتلع هؤلاء؟
فإذا به سبحانه يقول : لو خلقته ياأرض لرحمته.
ومنهم من يسير على ظهري كسير الملاك أمثال جبريل وميكال، ينشر الأمن والأمان، ويتبع نهج الأنبياء، فهؤلاء هم عباد الرحمن، حياتهم حياة الأنبياء، وجزاؤهم جزاء الشهداء، وتحيتهم فيها سلام، جعلني ربي في خدمة هؤلاء.
وإذا بالأرض تقول للسماء : وكيف حال ابن آدم معك أيتها السماء؟!
فتقول السماء في سخرية، مال ابن آدم بي وهو ينظر إلي في إجلال متدبرا بديع الرحمن، وقد قسمت إلى سبع طباق في كل طابق مني أحد الأنبياء، وقد مر بهم النبي المختار حينما دعاه رب العباد، حيث رأى مالم تره عين وما خطر على بال إنسان، وقد أرى ابن آدم يرتكب المعاصي والآثام، فيستثير غضبي، فأخرج مابداخلي من برق ورعد ودخان حتى يرتدع أو يخاف.. فإذا بالأرض مقاطعة لحديث السماء قائلة : لست وحدك أيتها السماء تغضبين من بني الإنسان، بل أنا أيضا وبقية الأخوان، فحينما أغضب ويبلغ الغضب مداه، أخرج ما بداخلي من أبخرة ودخان فأهلك بهما الحرث والنسل، وقد أهتز غضبا وحنقا عليه حينما يرتكب على ظهري مايغضب رب العباد…
وفجأة انتبهت السماء على صوت المؤذن حينما رفع الأذان يملأ الأجواء، وانتبهت الأرض حينما سمعت حفيف الأقدام استجابة للنداء.
التعليقات مغلقة.