الحب والسياسة بين عناد جيرمين وإصرار لطيفة
بقلم الدكتورة/ شيرين الملوانى
عقلية الجنس البشرى واحدة تحمل نفس معطيات وهبات الخالق ، فالموهبة خارج نطاق التصنيف “الجندري” بين رجل وامرأة، طالما تجلّت فى فصاحة القلم وطلاقة اللسان والقدرة على الإقناع وإيصال المراد . وتحفل البشرية بنماذج نسائية فريدة تعد علامات بارزة فى تاريخ الأدب والسياسة والفكر، وفي هذا الصدد نجد أنه كما لا تختلف الموهبة بين الجنسين ، لا تتغير كذلك من مكان لآخر؛ إذ نجد أهم نماذج مبدعات الفكر المعاصر، ،أولهم المفكرة المصرية الماركسية د/لطيفة الزيات(1923-1996) ، والثانية -التي سبقتها- الفرنسية البرجوازية (جيرمين نيكر ) -مدام دى ستايل-(1766-1817). في الحالتين لم تطغَ عليهن بيئتهن أو تعوقهن ملابسات حياتهن عن طلب الحرية للشعوب وعن رفض إحتلال الفكر قبل الأرض وعن رفع الغبن الواقع على المرأة.مسيرتهما ، تدل على كون البيئة الإجتماعية والانتماء لطبقة معينة فى المجتمع ليست بعائق للكفاح من أجل فكرة النضال ضد الإحتلال والديكتاتورية .تعد الدكتورة لطيفة الزيات من رائدات الكتابة فى مصر،وصاحبة الفضل الأكبر فى ظهور نموذج الكاتبة والناقدة والمناضلة ذات الأصول البسيطة (من محافظة دمياط ) حيث كان يعمل والدها فى المجالس البلدية ،تلقت تعليمها فى مدارس حكومية للعامة والتحقت بكلية الآداب حيث تعلقت بالفكر الماركسى وشاركت فى الحراك الطلابى وتم إنتخابها كسكرتير عام للجنة الوطنية للطلبة عام 1946، التى قادت الكفاح الشعبى ضد الاحتلال البريطانى. لم تثنيها تجارب زواجها وارتباطها العاطفى عن مبادئها فارتبطت بثلاثة رجال فى حياتها لهم توجهات مختلفة وهم : عبد الحميد الكاتب الملتزم مرتاد المسجد،ثم جمعتها الإشتراكية بزوجها أحمد شكرى سالم وفرقتهما الإشتراكية نفسها بالطلاق بعد حبسه سبع سنوات وخروجها ،وأخيرا كان نصيبها مع الدكتور رشاد رشدى يمينى المنشأ والفكر.نذرت حياتها للحصول على حقوق المرأة وفتح باب مشاركتها السياسية والاجتماعية .تقلّدت منصب رئيسة لجنة الدفاع عن الثقافة القومية والتى من خلالها عارضت اتفاقية كامب ديفيد واُعتقلت أواخر عصر السادات ووثقت تجربتها بكتابها(حملة تفتيش …أوراق شخصية)لشرح نضالها منذ الاحتلال وحتى تجربه اعتقالها . وفي سياق النشأة والنضال، لا تختلف لطيفة الزيات عن جيرمين نيكر الأديبة والناقدة البرجوازية ابنة المصرفى السويسرى الذى صار وزيرا للمالية فى عهد لويس السادس عشر, فتلك الأديبة البروتستانتينية التى تنتمى للطبقة الراقية والتى يرجع لها الفضل فى إزدهار الأدب الرومانسى فى فرنسا عام 1810، لم تكتفى بعالمها الإبداعى فقط بل استغلت حسها الوطنى واطلقت سؤالها الشهير مع قيام الثورة الفرنسية (ما دور الثقافة فى تكوين شعب ما وهويته القومية؟) ،تزعمت صالونها الثقافى مستضيفة فيه كبار رجال الأدب والسياسة لمشاركة الأفكار والتخطيط لصلاح المجتمع فكانت أول مفوّهة سياسية باريسية منذ مدام Mme de Deffand–(كرست قلمها لنقد الثورة الفرنسية رغم كونها من مؤيديها فى بدايتها قبل أن يتخذ قادتها منحى الديكتاتورية فحوربت وتعرضت للاضطهاد النابليونى وكان مصيرها النفى وصنفت كواحدة من العقبات أمام بونابرت حتى إن معاصروها أطلقوا جملتهم الشهيرة (هناك ثلاثة قوى تكافح نابليون :إنجلترا وروسيا ومدام دى ستايل).ارتحلت لألمانيا وأصدرت كتابها (عن ألمانيا) الذى صادره نابليون ووجه بحرقه ثم طبع بعد مماتها.
كانت الماركسية دافعًا للطيفة الزيات ، ولم تعيق البرجوازية مدام/دى ستايل عن السير فى خط النضال والسياسة ،لم تؤثِّر بيئتهن وتوجهاتهن وقناعاتهن على تحقيق ومناشدة هدف واحد إلا وهو حرية الأوطان وحق الشعب فى التعبير والعيش فى عدالة، لم تغض الطرف مدام دى ستايل عن ظلم نابليون محتمية برفاهية حياتها ومنصب أزواجها ووالدها ولم يقهر السجن د/لطيفة أو نجحت المطاردات فى إثناءهاعن كفاحها ضد الإنجليز وحتى معارضة كامب ديفيد.
اجتمعتا أيضا على الكتابة فى الحب والمشاعرووجهتا قلمهما لخدمة نضالهما الوطنى والمناداة بحقوق المرأة ،فبرائعتها (الباب المفتوح )التى صنفت من أهم مائة رواية فى القرن العشرين وظهورالعنصرالنسائى فيها كمحور للأحداث مقرونا بالنضال من أجل الوطن وحقوق الأنثى نجحت الزيات فى إيصال وبروزة فكرها ونجحت مدام دى ستايل بروائعها المتأرجحة بين الرواية البحتة وتلك المطعمة بالشعر الرومانسى(كمنحى جديد فى الأدب) أن تصب أغلبيتها فى خانة الدفاع عن حقوق الشعب والمرأة بالأخص على الرغم من أن أغلب ممراسلاتها وكتاباتها الأدبية قد تم اخفاؤها عمدا وجاهدت ابنتها لجمعهم والحفاظ علي قلمها بعد رحيلها…من أشهر مقولات العظيمتين فى الحب ،قالت د/ لطيفة الزيات: ( ثم إن الحب لا يستجدى فهو إما موجود أو غير موجود )…وسبقتها دى ستايل بجملتها الشهيرة:( الحب هو تاريخ المرأة وليس إلا حادثا عابرا فى حياة الرجل (
التعليقات مغلقة.