في جهاد الصحابة.. الحلقة 421 .. ” في غزوة بني النضير”..” حلقة خاصة” بقلم مجدي سـالم
في جهاد الصحابة.. الحلقة 421 .. ” في غزوة بني النضير”..” حلقة خاصة”
بقلم مجدي سـالم
لم ترتبط هذه الغزوة بإسم أحد من الصحابة.. وقد نزلت فيها سورة كاملة في القرآن هي سورة الحشر.. وأحببنا أن نقدمها نقلا عن الأستاذ/ علي شفيق الشيمي.. من كتاب الرحيق المختوم..
تأتي أهمية غزوة بني النضير ، لأنه جاء ذكر أحداثها في كتاب الله، القرآن الكريم، في “سورة الحشر” كاملةَ، فوصف طرد اليهود، وفضح مسلك المنافقين، وبين أحكام الفيء، وأثنى على المهاجرين والأنصار، وكانت في ربيع الأول عام (4 هجرية)، الموافق أغسطس 625 م.. قال تعالي: “لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ”..
كان اليهود يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعاً من الحيل لإيقاع الإيذاء بالمسلمين، دون أن يقوموا للقتال، مع ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق، ولكنهم بعد واقعة أحد تجرأوا، فكشفوا العداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سراً، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين، فصبر النبي حتى ازدادوا جرأة، وجسارة بعد واقعة الرّجِيع، وبئر معونة، حتى قاموا بمؤامرة تهدُف إلى القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم؛ وبيان ذلك: أنه صلى الله علي وسلم خرج إليهم في نفر من أصحابه، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أُمية الضّمرِيّ، وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة – فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك، فجلس إلى جانب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبوبكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه..
وخلا بعضهم إلى بعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كُتب عليهم، فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيُكم يأخذ هذه الرحى، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا، فقال لهم سلام بن مشكًم: لا تفعلوا، فوالله ليُخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه، ولكنهم عزموا على تنفيذ خطتهم، وبالفعل نزل جبريل من عند رب العالمين علي رسوله صلى الله عليه وسلم يعِلمه بما هموا به، فنهض مسرعاً، وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا: نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهُم بما همت به اليهود..
وما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن بعث محمد بن مسلمة إلي بني النضير، يقول لهم: “اخرجوا من المدينة، ولا تُجاوروني بها، وقد أجلتكم عشراً، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه”، لم يجد اليهود مناصاً من الخروج، فأقاموا أياماً يتجهزون للرحيل، ويبدو أن رئيس المنافقين، عبد الله بن أُبي- بعث إليهم أن اثبتوا وتمنعوا، ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم “لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ”(الحشر11 )، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، وهناك عادت لليهود ثقتهم، واستقر رأيهم علي المناوأة، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب، فيما قاله رأس المنافقين، فبعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك..
ولا شك أن الموقف كان حرجاً بالنسبة للمسلمين، فإن اشتباكهم بخصومهم في هذه الفترة المحرجة من تاريخهُم لم يكن مأمون العواقب، وقد رأوا تكالب العرب عليهم، وفتكهم الشنيع ببعوثهم، ثم إن يهود بني النضير كانوا على درجة من القوة تجعل استسلامهم بعيد الاحتمال، وتجعل فرض القتال معهم محفوفاً بالمكاره، إلا أن الحالة التي وجدت بعد مأساة بئر معونة وما قبلها، زادت حساسية المسلمين بجرائم الاغتيال والغدر التي أخذوا يتعرضون لها جماعات وأفراد، وضاعفت نقمتهم على مقترفيها، ومن ثم قرروا أن يقاتلوا بني النضير- بعد همهم اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم- مهما تكن النتائج..
فلما بلغ رسول الله جواب حُيي بن أخطب، كبر ثم كبر أصحابه، ثم نهض لمناجزة القوم، فاستعمل على المدينة عبدالله ابن أم مكتوم، وسار إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهى إليهم فرض عليهم الحصار، والتجأ بنو النضير إلي حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبال والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك، فأمر بقطعها وتحريقها، وفي ذلك قال تعالي: “مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ” (الحشر5)، اعتزلهم قريظة، وخانهم عبد الله بن أُبي وحلفاؤهم من غطفان، فلم يحاول أحد أن يسوق لهم خيراً، أو يدفع عنهم شراً، ولهذا شبه سبحانه وتعالي قصتهم، وجعل مثلُهم: “كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ” (الحشر16)..
ولم يطل الحصار- فقد دام ست ليالي فقط، وقيل: خمس عشرة ليلة – قذف الله في قلوبهم الرعب، فاندحروا وتهيأوا للاستسلام ولإلقاء السلاح، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن نخرج عن المدينة فأنزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح..
فنزلوا علي ذلك، وخربوا بيوتهم بأيديهم، ليحملوا الأبواب والشبابيك، بل حتى حمل بعضهم الأوتاد وجذوع السقف، ثم حملوا النساء والصبيان، وتحُمِلوا علي ستمائة بعير، فتّرحلوا أكثرهم وأكابرهم كحُيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق إلي خيبر، وذهبت طائفة منهم إلي الشام، وأسلم منهم رجلان فقط: يامين بن عمرو وأبوسعد بن وهب فأحرزا أموالهما..
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح بني النضير، واستولى على أرضهم وديارهم وأموالهم فكانت خالصة لرسول الله، يضعها حيث يشاء.
التعليقات مغلقة.