كلمة السر المترجم
بقلم شيرين الملوانى
أصبح العالم قرية صغيرة ، اتسعت دائرة التواصل بين الشعوب ، انصهرت الأفكار والسياسات وأصبح من اليسير تجاوز حدود كل بلد ؛ وفي ذلك الإطار من العولمة، برز دور الترجمة ؛ كعامل أساسى لنقل الإبداع وخلق روح واحدة بين كل شعوب وثقافات العالم المختلفة . فأينما تواجد المترجم ، لابد وأن يضع بصمته الخاصة ؛ أذ يعكف علي تشكيل النص من أجل إيصال المعنى والمضمون ، مجملاً برؤية الكاتب بل وفي أغلب الأحيان عليه أن يضيف الكثير من روحه وفنه وابداعه الذاتي، متحررة من النقل الحرفي للكلمات ؛ فالمترجم قائد للنص وقدرته تأتى بفكره قبل خطه للأحرف أو النطق بها ،ولعل بصمة المترجمين واضحة سواء الأجانب أو المصريين منهم على الكثير من الأعمال الأدبية وخاصة فى العصر الحديث فمنهم البارز ( دنيس جونسون) الذى يدين له الإبداع الأدبي المصرى بالكثير؛ إذ ترجم ( أصداء السيرة الذاتية )،(رحلة إبن فطومة) لنجيب محفوظ ،كما كان له الفضل فى ترجمة رواية (قنديل أم هاشم ) ليحيى حقى ،ومجموعة (تلة الغجر) للراحل سعيد الكفراوى. ولا يقل عنه فى عظمة الإنتاج المترجم المصرى – فاروق عبد الوهاب – الذى أبدع فى ترجمة (الزينى بركات ) للغيطانى ، كما شرفنا بترجمة إبداعات الروائي إبراهيم عبد المجيد (البلدة الأخرى) و( لا أحد ينام فى الأسكندرية) ، وأخيراً (الحب فى المنفى) للروائي بهاء طاهر.
بيد أن كانت لكتابات أديب نوبل نجيب محفوظ النصيب الأكبر من الترجمة خاصة بعد فوزه بالجائزة ، فترجمت أغلب أعماله لعدة لغات ، كالثلاثية التى ترجمت للصينية والسويدية والهولندية ، ونجح المترجم الفرنسى -Philippe Vigreux – فى ترجمة السكرية وأولاد حارتنا لكن تلك الأخيرة تعد المثال الحى على تعدد قدرات المترجم ؛ فنجح المترجم الإنجليزى “فيليب ستيوارت” فى ترجمتها بإنجليزية دقيقة باسم ( أولاد الجبلاوى )ولم يكتفِ بنقل النص أو تجميله بلغته الجديدة بل كان له بصمة كبيرة ؛ إعترف بها محفوظ نفسه ، فقد توصل ستيوارت أن رواية أولاد حارتنا مستوحاة من روح مسرحية (الرجوع الى متوشالح) لبرناردشو والتى صدرت فى عام 1934 فالأخيرة رواية عن معاناة الإنسان وسعيه المتواصل للحصول على العدل والمساواة، وهو ما أطلقه محفوظ من الحارة المصرية ، فبالعودة الى متوشالح نجد أن بدايتها كانت بآدم وحواء فى الجنة ثم تتوالى أحداثها بعد طردهما منه وفى خمسة فصول يستعرض برناردشو حلم الإنسان بإطالة عمره ليصبح مثل متوشالح جد النبى نوح وتنتهى المسرحية عام 2160 عندما ينجح العلم فى هذا وهو ماتشابه مع سرد أولاد حارتنا بفكر ورؤية محفوظ للعلم،ولقد أعجب محفوظ بتحليل المترجم فى مقال يحمل الفكرة حتى أنه وجه له شكر مكتوب بصيغة العرفان لنجاحه فى إيجاد حل أو نقطة تلاقى بين من اتهموا الرواية بالإلحاد ومن صنفوها بالعمل الصوفى ، نقل كل من محفوظ وبرنارد شو فكرة تقليدية عن الخالق وخلقه دون التعرض للذات الألهية ، وهنا نطلع على المترجم المفكر من نموذج ستيوارت الذى لم يكتفِ بالنقل للغة أخرى بل وظّف فكره وثقافته ونحن بحاجة لهذا النموذج كعامل خادم للعولمة .
إذا كنت تمتهن الترجمة ، إذن فأنت تمتهن مهنة سامية ،وإذا كنت مترجمااًلنصوص أدبية طويلة (روايات أو كتب سير ذاتية ….،إذن فأنت (رسول) وستحاسب على إيصال رسالتك ،ولابد أن تنأى بنفسك عن الكثير من الأسئلة والإتهامات كمسألة أمانة النص وقابلية الترجمة من عدمها ولابد أن تملك ميزان عقلى بين كفتى التركيز على النص الأصل و ثقافته والتركيز على النص الهدف و ثقافته لذا هناك مقولة فرنسية شهيرة ولها مدلول كبير : la traduction ne se contente pas d’être un mariage mais elle doit être un mariage…….. d’amour “ (أى أنه لايعتد فقط بالزواج بين الترجمة والمترجم بل يجب أن يكون زواجاً عن حب وعاطفة) .
كُن مترجما أميناً إن امتلكت اللغة ، ناقل لنصوص فارقة بلغات عديدة بدون حرفية روتينية مملة ، أعمل العقل وأسكُب من روحك على الحروف وارتقِ بفكرك النقدى والتحليلى وضع بصمتك…وكُن كلمة السر.
التعليقات مغلقة.