العازف بقلم عبد الصاحب إبراهيم اميرى
قصة قصيرة .. العازف
بقلم عبد الصاحب إبراهيم اميرى
منذ ابصر الدنيا ورائحة القطن في مشامه تسرح، الندافة مهنة آبائه وأسرته
اشتهروا بها لقبا ( بيت النداف).
يقوم النداف بعمل الفرش والوسائد القطنية والصوفية, وكذلك في عمل الأغطية وخياطتها,
تكاد ان تكون فرشة النوم من اهم الأشياء التي تؤثث بها غرفة العروس من سجاد او بساط إضافة إلى دولاب الملابس، وسرير لشخصين
أحترف الحاج حسين( الرجل الصبوح) هذه المهنة احترافا كبيرا،٠وتفنن بها حتى أشتهر بين الأهالي ب (العازف)
عندما يسأل عن سر اسمه المتداول، يجيب مبتسما
-بابا العزف ما عرفه شنو،
يرفع عصا الحلاج عاليا
-اني عازف بس على القطن
تمكن الحاج حسين ان يكسب ود أهالي مدينته لإخلاصه وحبه لمهنته التي تربى عليها، ولم يفكر بمهنة أخرى وهي مهنة مربحة قياسا بالمهن الأخرى ، فهي حاجة الزواج الأولى ، فالعريس اول ما يفكر فيه هي فرشة العرس يلجأ (للعازف) لحسن أخلاقه ودقة عمله واذا ما اعتذر لازدحام الطلبات يذهب إلى غيره
تمكن الحاج حسين ان ينعش بيته وزوجته وبنته الوحيدة المصابة بالفلج اقتصاديا لحسن ايراده ؛ كما حج بيت الله الحرام مع أسرته، ولم يترك ابنته دون رعاية وعلاج، عرضها على أكثر من طبيب ونفق عليها كل ما كان يدخره في صندوق الحاجه،
صندوق الحاجة عند العازف ايراده الذي يبقى بعد قطع المصاريف منه يضعه في الصندوق و يلجأ اليه عند الحاجة، فعرف بهذا الإسم في بيته،
باتت عائلته هي الملاذ الوحيد له، لم يترك ابنته المصابة من دون تعليم ادخلها للمدرسة وتفوقت ، ياخذها كل صباح للمدرسة البعيدة نسبيا من منزلة على كرسيها المتحرك وياتي بها ظهرا،
الإنعاش الاقتصادي كان للبعض دمارا، دخلت سلعا للسوق طردت الأخرى ومن بينها مهنة الندافة،
فظهرت فرش نوم الجاهزة التي تعتمد على الاسفنج المضغوط
أوشكت هذه المهنة على الاندثار ، فذهب العامل بها يفكر بمهنة أخرى، إلا أن صاحبنا العازف عمره لم يسمح له بذلك، بقى يعيش البطالة المقنعة حتى قضى تماما على صندوق الحاجة و بات فاضيا ، كي يسد رمق أسرته
اتخذ قراره القاسي، يستجدي العمل في الأزقة عسى أن يجد أحدا يريد ترميم لحافة او فرش نومه
، *
ليلة امس ليلة كانت قاسية على الحاج حسين، لم يجد في بيته شيئا للأكل، وفي قعر صندوقه وجد درهما لا صقا، من أيام اقتلعه بصعوبة، وأتى برغيفين من الخبز، كانت لهم طعام العشاء، اقتربت زوجته نحوه وهمست باذنه ،
-فاطمة متاذية هوايه لازم ناخذهه لبغداد للطبيب
هذه الجملة معناها أنهم بحاجة إلى مبلغ يسع الذهاب والإياب ، شراء الدواء ودفع أجور الطبيب المختص، لم يتمكن من النوم وأشار الى زوجته
-الله يوصل، خلي نصبح
مر أمامه شريط أيام أيام الخير، وكيف كان يمد المحتاجين في مدينته بفرشة العرس مجانا ، دون أن يفكر لحظة بمثل هذا اليوم الصعب والقاسي
-ليتني مت ولو ار مثل هذا اليوم
نهض مبكرا وخرج بعد أن صلى وهمس لله سبحانه تعالى
-لا تخليني أخجل ويه عائلتي،
قضى ساعة في المسجد يتلو القرآن الكريم ويتوسل برب العالمين ان يسد حاجته ، دون أن يمد يده لبنى البشر،
صوت زوجته لم يتركه بأمان، يدوي في أذنه
- فاطمة متاذية هوايه
ارتفع صوته دون أراده
-ناخذهه، لا تخافين، قابل الله مايشوفنه
ركب دراجته الهوائية، وهو يردد بصوت مسموع
-العازف وياكم، لحاف، دوشك، مخده، نندف
العازف وانتوا تعرفونه
مضى الوقت بقساوته ولم يجد أحدا يدعوه للعمل ، بل تلقى بعض الكنايات
-بوية حجي تريد ترجعنه للوره،
بعد منو يندف
كانت هذه الكلمات بالنسبة له رصاصات الموت، الا انه لم يسكت وضل ينادي حتى اقترب الغروب
وصوت زوجته تتبع آثاره
-وين صرت حجي
فاق من غيبوته وجد نفسه على سرير المشفى مصابا بكسورات في راسة وساقه اليمني،
أراد النهوض فلم يتمكن ، اقترب نحوه رجل انيق الملبس في الخمسين من عمره،
-عمي الحجي الحمد لله على سلامتك، كنت هوايه خايف عليك، انت بهل العمر مال بايسكل(دراجه)
-أنت
-اي عمي اني سحكتك ، ما أدري أشلون طلعت كدامي، المهم فضت بسلامات.
لا تدير كل مصاريفك علي
-روح عمي مع السلامة، قضاء وقدر
احتار الرجل الخمسيني من رد فعل العازف، وبدا يتفحصه جيدا
-كلامك مو غريب علي، انت سامع بالعازف
- انت خليل بن جبار
ما أن يكتشف الرجل الخمسيني ان العازف تعرف عليه يقع على يدية مقبلا
-انا أتيت لرد جميل ما فعلته لي يوما،
النهاية
التعليقات مغلقة.