” إنت حمار” فانتازيا بقلم محمد كمال سالم
” إنت حمار” فانتازيا بقلم محمد كمال سالم
فور أن وطأت أقدام حماري رمال الشاطئ مترامي الأطراف، وعلى بُعدِ أمتار قليلة، إلا واخترق بدني أنا والحمار صرخات مدوية (إثبت مكانك)، استغرقت لحظة حتى أتبين مصدر هذا الصوت الذي جمدَ الدمَ في عروقي، فقد كانت الشمس، قد غرقت في البحر خلفي منذ لحظات.
شدَ أجزاء بندقيته، رفعها في وجهي وحوله سرية من الجنود:
إرفع يديك عاليًا ياهذا، واهبط في بطئ عن دابتك.
نفذتُ ما قاله وهو مازال يتوعد: إياك أن تلمس شيئًا.
ثم أمرني زاجرًا: أرقد على ركبتيك، دار بخلدي، ماذا يمكن أن يفعله بي هؤلاء الجنود، وسيطر الرعب علي كل حواسي، ثم راح كبيرهم يستجوبني:
حوثي أنت إرهابي، كيف تسللت إلي هنا؟
_ أنا مصري يا أخي ابن عرقك ودينك.
- مصري!! كيف يعني؟! (بتستعبط) أنت حوثي وحمارك هذا مُلغَم كما نرى.
_ هذا زادي والله، بلاص مش ورثته عن جدي السابع عشر.
ازداد جنون الرجل، راح يعلو صراخه:
مصري وجئت لي بحمار من البحر؟! أتحسبني مجنون؟
_ صدقني يا أخي مصري، ولا تطيل استجوابي ويطول الحوار، فتفسد ليّ القصة، سيسألوني أين ذهبت بالسرد، وما كل هذا الديالوج؟ - لا أفهم ماذا تقول، فقط أجب عن سؤالي، تريد أن تقول أنك عبَرت البحر على هذا الحمار، ثم أين هي أوراقك؟
_ ليس معي أي أوراق.
*فكيف خرجت من السلطات المصرية؟
_ بكلِ بساطة، سألوني عند الشاطئ الآخر: أين تذهب يارجل، قلت لهم إلي الأراضي الحجازية، انتويت أن ازور بيت الله، فقالوا لي إذهب، عندنا منك الكثير.
خلع خوزته وألقاها على الأرض، وقبض علي مفرق جلبابي، وأخذ يهزني بشدة: أقسم أنك لن ترى الشمس مرة أخرى، ثم قال لجنوده: أبلغوا القيادة بشأنه، قيدوه والقوه جانبًا واستدعوا خبير المفرقعات يفحص هذا الحمار.
ومع أول ضوء، جاءت سيارة سوداء مسرعةً، وقفت وأثارت حولها الرمال، وخرج منها رجال كوماندز في حللهم السوداء، أحاط بعضهم بي، وذهب بعضهم صوب الحمار، ما لبثوا أن عادوا مزكومة أنوفهم، تحتبس أعينهم بالدموع.
وقفوا يتشاورون غير بعيد، وأحدهم يتحاور مع آخر عبر اللاسلكي، ثم توجه نحوي، نكزني بفم سلاحه، وقال: تحرك، الأمير يريد أن يراك بنفسه، أركبوني السيارة وأنا اودع حماري بعيني، والسيارة تغادر مسرعة، نظرت للجنود من نافذتها، قلت لهم:
لاتنسوا أن تطعموه.
لا أدري كم قطعنا من مسافة في هذه الصحراء الشاسعة، وتلك السيارة العظيمة، تكاد تحلق في السماء من سرعتها، إلى أن وصلنا لهذا القصر المنيف الذي لم أر له مثيل في الدنيا.
وقف أميرهم يسألني، ورجاله الأشداء يحيطونه، وأحدهم يمسك بي من قيدي بقوة، وبعد استجواب طويل، أقسمت على الأمير :
ماقلته لك جلالتك، جمعت ما ادخرته من مال في سنوات عمري، ماكان منهم في شركات السياحة، إلا أن نصحوني، اشتر بهذا المال حمارًا، واذهب به لبلاد الحجاز، ففعلت.
فما كان من الإمير ألا أن ضرب كف بكف وضحك، ثم أخبر رجاله: هذا رجل طيب، وليّ من أولياء الله، أحسنوا وفادته، وليصحبه أحد لقضاء المناسك، فإن انتهى، فأتوني به.
كانت أسعد وأنعم أيام حياتي، وشكرت في نفسي صنيع هذا الأمير الطيب، وأنهيت مناسكي، ثم أخذوني إليه:
ماذا في نِفسك يارجل قبل أن تركب الطائرة لبلادك؟
_ لن أترك رفيقي هناك يا مولاي، سأعود به كما أتينا معا، فقط، لو تكرم مولاي بوجبة (مَندي) لحماري أعود له بها.
غاب الأمير في نوبة ضحك طويلة، وكذلك حرسه.
- وهل يأكل حمارك المَندي يا رجل؟
_ لا أعرف يا مولاي، أظنه سيفرح بها، فقد أخبرني في طريقنا إلي أراضيكم، أنه يسمع عن هذا المَندي، منذ أن كان جحشًا صغيرًا. - أعطوه من المَندي ما يكفيهما معًا، واصحبوه إلي حيث حماره، وأحسنوا وداعه.
أحببت هذا الأمير الذي أحسن وفادتي وحماري.
لكن يبدو أن الجنود علي الحدود، لم يغفروا لي ليلة أن أقضّدت مضجعهم.
دفعوني دفعة قوية صوب حماري، حتى أني اصطدمت ببدنه اليابس، لا بأس كنت سأعانقه على أية حال، لكن كبيرهم إياه، شدَ عليّ أجذاء سلاحه من جديد ناهرًا إياي:
تَعرِفُ لورأيتك هنا مرةً أخرى، سأفرغ في صدرك ذخيرتي تلك، ثم أردف، على آخر الزمن نحرُس حمير أيضًا.
طَعمتُ أنا وحماري من المَندي حتى شبعنا، كان سعيدًا، شكرنا الله، وقمنا نتوكل على الله من حيث أتينا.
وعند الشاطئ، زرجن الحمار، كلما وجهته صوب البحر، يتجه يمنة، أوجهه للبحر، يتجه يسرةً، ولما حاولت مجددًا، قفز قفزة عنيفة، ألقاني علي أثرها على الأرض، ثم حدق فيّ غاضبًا، ثم قال: أتريدني أن أخوض بكَ البحر، أنت حمار؟!
التعليقات مغلقة.