في جهاد الصحابة.. بقلم مجدي سـالم الحلقة 456 .. ” خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي..”سيف الله”-22
في جهاد الصحابة.. بقلم مجدي سـالم الحلقة 456 .. ” خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي..”سيف الله”-22
مازلنا مع “قصة الإسلام”.. وجهاد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق.. والفوضى في فارس.. نكمل..
كان الوالي الذي قُتِل يُسمَّى (فخَّاذ)؛ فلما علم ابنه بالأمر وكان اسمه (رستم).. وقد كان في خراسان وهي منطقة بعيدة عن المدائن.. انطلق بجيشه نحو المدائن وأحدث انقلابًا عظيمًا؛ حيث قتل آذرمدخت وحرسها وكل جيشها.. ولما لم يكن من حقِّه أن يتولَّى الحكم؛ لأنه ليس من العائلة المالكة فقد ساعد على تولِّي بوران بنت كسرى الحكم.. وكانت امرأةً ذات حكمة.. ويرجعون إليها في الأمور الصعبة.. فتولَّت الحكم وقالت لرستم: أنت على رأس الجيش من الآن..
وكانت المخابرات الإسلامية تنقل هذه الأخبار بدقة إلى المثنى بن حارثة.. فقد علم بمقتل الأكاسرة واحدًا بعد الآخر.. وعلم أيضًا بتولّي بوران بنت كسرى الحكم.. وأنها ولَّت رستم -القائد الفارسي المعروف جيدًا- قيادة الجيش الفارسي.. وقد علم المثنى أن قوة المسلمين الموجودة معه لن تستطيع أن تقف أمام قوة الفرس.. وجيوشهم الجرارة بعد أن تولَّى رستم قيادة الجيش.. كانت حدود دولة فارس في تلك الآونة تمتد حتى الصين.. وكانت المدائن العاصمة.. وكانت الصين تدفع الجزية للفرس اتقاءً لشرهم..
المثنَى يطلب المدد من الصديق قبل وفاته:
قرر المثنى بن حارثة أن يترك العراق ويذهب هو بنفسه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليُطلِعه على الموقف؛ حتى يمدَّه ببعض المدد.. ويعرض عليه أيضًا أن يستعين بمن قد ارتدوا ورجعوا إلى الإسلام.. وكانوا -إلى هذا الوقت- لم يشاركوا مع الجيوش الإسلامية بأمر أبي بكر رضي الله عنه.. وبالفعل ترك المثنى جيشه بعد أن عيَّن عليه بشير بن الخصاصية.. وكان أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.. وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه يريد أن يأخذه معه إلى الشام.. ولكنَّ المثنَّى رضي الله عنه أَصَرَّ على أن يُبْقِيَ له خالد رضي الله عنه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. وكان هذا الرجل ممن بقوا معه..
وانظر المثل العظيم الذي ضربه أبو بكر الصديق للتاريخ.. فقد اتجه المثنى بن حارثة رضي الله عنه إلى المدينة المنورة لمقابلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. وعندما وصل المثنى رضي الله عنه إلى المدينة وجد أبا بكر رضي الله عنه في مرض موته.. وكان في غيبوبة تامة.. ومكث المثنى فترة حتى صحا أبو بكر صحوة قابله فيها.. وعرض عليه موقف جيشه وما يريده.. فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: عَلَيَّ بعمر. ثم قال له: اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به.. إني لأرجو أن أموت من يومي هذا (أي: إني أتوقع الموت في هذا اليوم.. وكان يوم 21 من جمادى الآخرة سنة 13هـ في صباح هذا اليوم).. فإن أنا مِتُّ فلا تُمسِينَّ حتى تندب الناس مع المثنى.. وإن تأخرت إلى الليل فلا تُصبِحَنَّ حتى تندب الناس مع المثنى.. ولا تَشغلنَّكم مصيبة -وإن عَظُمَتْ- عن أمر دينكم ووصية ربكم.. وقد رأيتَني مُتَوفَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صنعتُ ولم يُصَبِ الخلق بمثله.. وبالله لو أنِّي أَنِي (أي أتباطأ) عن أمر الله وأمر رسوله.. لخذلنا ولعاقبنا فاضطرمت المدينة نارًا.. وإن فتح الله على أمراء الشام فاردد أصحاب خالد بن الوليد إلى العراق.. فهم أهله وولاة أمره وحدّه.. وأهل الضراوة بهم والجرأة عليهم..
فكانت هذه هي وصية أبي بكر رضي الله عنه في اللحظات الأخيرة قبل موته.. ونلاحظ فيها حرصه الشديد على استمرارية الجهاد في سبيل الله.. مهما عظمت المصائب وكثرت الخطوب.. ونلحظ أيضًا في الوصية الأخيرة شيئًا مهمًّا في قول الصديق رضي الله عنه: “وإن فتح الله على أمراء الشام.. فاردد أصحاب خالد إلى العراق”. فلم يقل: فاردد خالدًا إلى العراق؛ لأنه يعلم أن الأمور السياسية تحتاج إلى توافق بين القائد العام والجند الذين تحت إمرته.. وكان أبو بكر رضي الله عنه يعلم عدم وجود هذا التوافق بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما.. وسنأتي على ذكر هذا الجانب من ترجمة خالد بن الوليد..
وكانت هذه نهاية هذه الفترة من تاريخ الأمة.. حيث تُوُفِّيَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه في هذه الليلة..
نكمل ما كان في شأن المثنى بن الحارثة.. بعد أن تولَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إمارة المسلمين بعد موت أبي بكر رضي الله عنه -وقد مات بين المغرب والعشاء- ذهب فدفنه بعد العشاء بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم نادى في منتصف الليل: “الصلاةُ جامعة”. فَجَمَعَ أهلَ المدينة وندب الناس للخروج مع “المثنى”.. ومن العجيب أن أحدًا لم يستجب لنداء عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. وكان هذا شيئًا عجيبًا وغريبًا على أهل المدينة ألا يستجيبوا لنداء الجهاد في سبيل الله.. ولم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه متوقعًا لهذا الأمر على الإطلاق.. فانتظر حتى صلاة الفجر وأَمَّ الناس في صلاة الفجر.. وبايعه الناس على الإمارة.. وأصبح هو أمير المؤمنين بعد هذه المبايعة من الناس.. فندب الناس للقيام بفتح فارس.. ولم يستجب أحدٌ أيضًا.. وظل يدعو الناس بعد كل صلاة مدة ثلاثة أيَّام.. ولم يستجب لندائه أحد!!
وكان هذا شيئًا غريبًا وعجيبًا.. ألقاكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.