أسرار بقلم عبدالله عبد الإله باسلامه
أسرار
بقلم عبدالله عبد الإله باسلامه
على غير عادته يعود إلى البيت بعد ساعتين فقط من مغادرته وهو الذي لا يعود إلا اخر اليوم ..يقفز السلالم قفزا يدير المفتاح في ثقب الباب ، يدلف نحو الداخل ويغلق الباب خلفه بقوة ويظل مستندا عليه كأن أحدا يلحقه، أويوشك أن يقتحم الباب ..!
صوت صفق الباب يدفع زوجته لتهب من جلسة استرخائها وتجري تستطلع بخوف ، ما أن تراه حتى تهرع إليه تتفقده :
- مالك يا حسين ؟ هل حدث بك شيء .
هز رأسه بالنفي وهو يتفرسها من الاعلى إلى الأسفل بعينين جاحضتين ، وبؤبؤين يدوران في محجريهما بغرابة أعادت إلى ذاكرتها ليلة فرارها معه من القرية، يومها كان عليها أن تختار بينه وبين الشيخ جعفر الذي أراد أن يستحوذ عليها بالقوة فما كان منها إلا أن تختاره وتغادر معه القرية في تلك الليلة .
ارعبها صمته وجموده،استبد بها الخوف هتفت مذعورة :
- مالك يا حسين ..لقيت الشيخ جعفر ؟!
ظل يتفرس فيها بصمت، يشهد صراعا شب داخله ..
تكاد تبلغ الاربعين من العمر ،يعرفها حق المعرفة فهي ابنة عمه تربيا في بيت واحد منذ الصغر ، انتظرته حتى تخرج من الجامعة ثم توظف، رفضت شبان القرية لأجله واختارته على شيخ القرية ،عقد زواجه عليها بحضور أفراد الأسرة فقط، بعد أن بلغ الشجار بينهم وبين الشيخ جعفر حد القتل،وانتقلا للعيش في المدينة، لم يبدر منها أي تذمر ..صابرة عاشقة..رزقهما الله بصالح ذو الست سنوات، فتحول البيت إلى جنة … هز الرجل رأسه كأنه يطرد خاطرا خبيثا يحلق فوق رأسه..تحول خوف المرأة إلى عصبية صرخت في وجهه وامسكت بتلابيبه تهزه :
- حسين ..مالك مالك ..هل حصل شي في القرية؟! .
على وقع صوتها اندفع صالح يستطلع الخبر ..وقف لوهلة يتأمل المنظر الغريب، خيل إليه أن أمه تتعارك مع أباه ..جرى الولد يمسك بساقي أمه بخوف ،نظرات الصبي حركت شيء في الرجل فنطق بنبرة جافة :
- لا تخف ياصالح.
بعثت كلمات الرجل شيء من الطمأنينة إلى قلب الام ..احتوت ابنها بين ذراعيها فيما تخلص الأب من يدها، وانطلق نحو غرفة النوم وهي خلفه .. أخذ يتطلع إلى سقف وجدران الغرفة، يفتش في الزوايا، وخلف الستائر، وفوق وتحت الدولاب والسرير ، ويتحسس الجدران والاقباس .. وحين لم يجد شيء غادرها ليبحث في زوايا وجدران الصالة، والمطبخ، والحمام وانتهى به البحث إلى الغرفة من جديد ..فتح النافذة تحسس الإطار الخارجي ..لمح سلك متدلي ..ابتسم بوحشية كأنه ضفر بفريسته ..قفز جالسا على حافة النافذة، خرج أكثر من نصف جسده عبر إطار النافذة ..كاد أن يسقط صرخت المرأة المرعوبة وجرت تمسكه وتجذبه بقوة نحو الداخل ..
- حسين مالك ..حسين لا تجنني .
وجدت في عينيه نظرة خيبة وحيرة وهو يتأمل في يده سلك التلفزيون القديم ..جلس على حافة السرير وضع رأسه بين يديه..نظر إليها شعر برعبها وبرعب طفله الذي شرع في البكاء ..مد يده وجذب إليه ابنه ضمه، سألته برجاء واستعطاف :
- ما الذي حدث يا حسين ..ما الذي تبحث عنه .
اقتربت منه مسحت على شعره ،نظر إليها كأنه يستنجد بها بعد أن اعياه البحث والتفكير .
- ثمة من يراقبنا يا امرأة !
ضربت المرأة على صدرها بخوف ؟
- يراقبنا !!
ردة فعلها اشعرته بالارتياح كأنه وجد من يشاركه خوفه وهمه ..
- نعم هناك من يراقبني ويعرف تحركاتي ، وتحركاتك ..ماذا اكلنا، وماذا شربنا، ومتى ننام ،ومتى نستيقظ حتى قال أنك ارتديت اليوم قميصك الاصفر !
هتفت المرأة مذعورة وهي تشد ردائها حولها ..
- ياستار يا الله ..
أخذت تتلفت كأنما انتقلت إليها عدوى اضطرابه ..نهضت مسرعة تغلق النوافذ وتسدل الستائر، عادت إلي جواره وهي تتطلع نحو السقف و الجدران بقلق :
- كيف عرفت أن هناك من يراقبنا ؟! من قال لك ؟!
رد الرجل باشمئزاز ..
- علي
- من علي هذا ؟
- صاحب صهريج الماء .
هتف الولد ..عمي علي
التفت الأب نحوه كأنه اكتشف فيه شيء يراه لأول مرة :
- ومن أين تعرفه ؟
ردت الام ..وهي تلم شعرها وتلف الطرحة مغطية رأسها وعنقها :
- كلما يجي يعبي الخزان يلاعب الولد شويه ويشتري له شوكولاته .
ادخل الولد يده في جيبه وأخرج شوكولاته كبيرة يستعرضها بسرور
- اشتراها لي اليوم في الصباح .
لاح للأب ضوء في عمق نفق مظلم ، شده نحوه وسأله بارتياب :
- قل لي يا صالح هل كان يسألك عمك علي عن حاجات في البيت ؟!
رد صالح بسرعة وهو يزيل غلاف الشوكولاتة :
- قال عمي علي هذه اسرار بيني وبينه وبس !
عبدالله عبدالإله باسلامه
اليمن /ذمار / ٢٠٢١م
التعليقات مغلقة.