الإرهاب مقال للكاتب عبدالله عبدالإله باسلامه اليمن ذمار
الإرهاب مقال للكاتب عبدالله عبدالإله باسلامه اليمن ذمار
يروى أن ملك الروم أرسل رسالة عاجلة إلى معاوية بن أبي سفيان – قبل معركة صفين – يعرض عليه فيها استعداده لدعم قواته ومساندته بجيش جرار، ومال، و رجال أولهم عند ملك الروم وآخرهم عند معاوية، وذلك دعما له في حربه ضد خليفة المسلمين (الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه) لكن معاوية رفض العرض كما تقول المصادر .
لكن ماذا لو أن معاوية قبل العرض؟ ورحب بالدعم الرومي؟
ترى تحت اي مبرر شرعي، أو مسوغ قانوني كان سيبرر معاوية قبول دعم الروم، وتحالفه معهم ضد أبناء جلدته، و إخوانه في الدين والعقيدة ؟!
هل كان معاوية سيقول : أن تحالفه يأتي في إطار المصالح المشتركة ؟
أم أنه تحالف استراتيجي وتعاون يخدم المنطقة، وضرورة جيوسياسية ذات أبعاد دفاعية واقتصادية تخدم الإسلام، وتحقق الأمن والرفاة للشعبين الشامي والرومي!!
أم كان سيبرر تحالفه مع الروم أنه باب من أبواب التقية، ويقول عنها أنها خطوة إستباقية ومبادرة احترازية مخافة أن يستغل الروم ضعفنا بسبب صراعنا الداخلي فينقضوا علينا بغتة، وخير لنا أن يكون الروم معنا من أن يظل يتربص بنا الدوائر ،ويتحين الفرص للأنقضاض علينا.
ولنفترض – جدلا – أن معاوية قد اقتنع بحجة ما يبرر بها تحالفه مع الروم
فماذا ستكون ردة فعل جيشه ؟! قادة الجيش والضباط والجنود والافراد الذين سبق وأن كانوا مرابطين على الحدود أمام الحصون وتحت القلاع الرومية، وضربوا أروع الأمثلة في البطولات، والانتصارات سعيا لنشر الإسلام …
هل كانوا سيقبلون أن يقفوا صفا واحدا وفي معسكر واحد مع أعدائهم في الدين و العقيدة ضد إخوانهم في الدين والعقيدة، والأرض، والتاريخ على ذمة خلاف نشأ بسبب فتنة ؟!
من الواضح أن حتمية الجواب ستكون استحالة ذلك، وأن جيش معاوية كان لينهار وينقسم على نفسه وينقلب على معاوية وينظم منحازا إلى جيش الخليفة بلا تردد لأن الصراع الدائر بين معاوية والخليفة تحول من قتال (ظني) حول مسألة خلافية – فتنة دم عثمان – إلى جهاد (قطعي) شرعي يستند إلى نصوص قطعية من القرآن الكريم بقتال الروم، وتحريم وتجريم التحالف معهم، اوالثقة بهم، أو التودد إليهم…. فكيف بموالاتهم، والتخندق معهم، والارتهان لهم، وأن يكون كل ذلك ضد إخوانهم في الدين والعقيدة والأرض والتاريخ والمصير !!!
لذلك كان رفض معاوية لعرض الروم منطقي، بل كان القبول بذلك الحلف هو عداء للإسلام والمسلمين، وقضاء على ما جاء به النبي صل الله عليه وآله وسلم .
اليوم وبعد 14 قرنا ما الذي تغير ؟!!
آيات القرآن الكريم هي ذاتها كما نزلت تحرم، وتجرم التحالف، والتودد، والموالاة لليهود والنصارى من دون المسلمين !
ومنذ 14قرنا إلى اليوم والروم هم الروم !،
واليهود هم اليهود ! ، وأعداء الدين وأعداء المسلمين هم كما كانوا من قبل بل صاروا أكثر قوة و وقاحة، وأشد عداوة، وبغضا ومجاهرة وعداوة للإسلام والمسلمين؟
فما الذي تغير ؟!
الذي تغير أن خلافات المسلمين الداخلية ( السياسية،والإجتماعية، والإقتصادية، والمذهبية.. ) تحولت إلى مشاريع قتل مشروعة، وجهاد ديني مقدس، يمتلك مقومات وقواعد، وأحكام، وفتاوى مشرعنة، معززة بتأويلات منحرفة غلبت على حجج النصوص الصريحة القطعية.
فيما تحول الدفاع عن النفس،وجهاد الروم، وكف أذىاليهود، والمشركين عن الإسلام ،وحتى الدفاع عن حقوق المسلمين في الحياة، أو في ممارسة شعائرهم، أو حفظ أملاكهم وحدودهم، وثرواتهم، وكرامتهم ،وكل ما يتعلق بمقومات بقائهم…. تحول كل ذلك وغيره إلى جهاد ظني، مليئ بالشبهات، ومفتقر للأحكام، والشروط الكميةوالكيفية اللازمة، وأصبح ثوب (الولاء والبراء) ممزق بثقوب التقية، والضرورات تبيح المحضورات، وجلب المصلحة مقدم على المفسدة ، وتحقيق السلام العالمي ، وتكييف المسائل القطعية، وحصر العداء في مسائل محددة، وحكر قرار الحرب على الزعيم، أو الرئيس، أو الملك حتى ولو ثبت كذبه،وخيانته،وعمالته .
وهكذا انفرط عقد علاقتنا السليم وتسممت رابطة الدين والإيمان التي تربطنا نحن المسلمين ببعض ، كما انهار معمار البناء المحكم الذي كان يجب علينا العمل به، والاحتكام إليه، والاستناد عليه في علاقتنا مع الآخرين من أهل الشرائع ، أو مع أهل الكفر الذين يناصبون الإسلام والمسلمين العداء .. ونتيجة لذاك الانهيار وهذا الانفراط من الطبيعي أن وجدنا أنفسنا اليوم أضعف الأمم، وأن ينال ديننا العظيم القويم ابشع التهم مثل تهمة (الإرهاب)، وما هذه التهمة إلا مقدمة لسلسلة من التهم ستطوق المسلمين وتجعل المسلم يشعر بأنه أكثر الناس غربة في دينه، ووحشية في سلوكه .
التعليقات مغلقة.