في جهاد الصحابة بقلم مجدي سـالم الحلقة 504 ” عكرمة بن عمرو بن هشام المخزومي ” مبايعة على الموت” 5
في جهاد الصحابة.. بقلم / مجدي سـالم
الحلقة/ 504 .. ” عكرمة بن عمرو بن هشام المخزومي.. ” مبايعة على الموت”-5
ثامنا.. في استشهاد عكرمة في اليرموك..
رتب خالد بن الوليد الجيش.. قبل نشوب موقعة اليرموك.. وقد قدمنا تفصيلها في ترجمة بن الوليد.. وجعل عكرمة بن أبي جهل و القعقاع بن عمرو على مجنبتي القلب.. وطلب منهما أن ينشبا القتال.. فبدرا يرتجزان ودعوا إلى البراز.. وتنازل عكرمة وأحد الأبطال من الروم فصرعه.. ومع آخر فجندله.. ومثل ذلك فعل القعقاع بن عمرو وتنازل الأبطال وتجاولوا وكانت الحرب سجالا.. ظهرت فيها البطولات الإسلامية.. والتضحيات الفردية..
وشكل عكرمة كتيبة المبايعة على الإستشهاد.. راح عكرمة يقول بأعلى صوته في المعركة: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة.. أوَ أفر منكم اليوم.؟ ثم نادى أيها الناس! أيها المسلمون!! من يبايع على الموت.؟ فبايعه عمه الحارث.. وضرار بن الأزور.. في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم.. فقاتلوا أمام فسطاط خالد حتى جرحوا جميعا وقتل منهم خلق كثير منهم ضرار بن الأزور.. وتقدم الفدائي تلو الفدائي من وحدة الموت العكرمية نحو مئات الآلاف من جيش الإمبراطورية الرومانية.. وتقدم عكرمة بن أبي جهل بنفسه إلى قلب الجيش الروماني ليكسر الحصار عن جيش المسلمين.. واستطاع فعلًا إحداث ثغرة في جيش العدو بعد أن انقض على صفوفهم انقضاض طالب الموت.. فأمر قائد الروم أن تصوب كل السهام نحو هذا الفدائي.. فسقط فرس عكرمة من كثرة السهام التي انغرست فيه.. فوثب قائد كتيبة الموت الإسلامية الفدائي البطل عكرمة بن أبي جهل من على ظهر فرسه وتقدم وحده نحو عشرات الآلاف من الروم يقاتلهم بسيفه.. عندها صوب الروم سهامهم إلى قلبه.. فلمّا رأى المسلمون ذلك المنظر الإنساني البطولي.. اختلطت المشاعر في صدورهم.. فاندفع فدائيو كتيبة الموت العكرمية نحو قائدهم لكي يموتوا في سبيل اللَّه كما بايعوه.. فلم يصدق الروم أعينهم وهم يرون أولئك المجاهدين الأربعمائة يتقدمون للموت المحقق بأرجلهم.. فألقى اللَّه في قلوب الذين كفروا الرعب.. فرجع الروم القهقرة.. ولاذوا بالفرار وصيحات اللَّه أكبر تطاردهم من أفواه فدائيي عكرمة.. فاستطاعت تلك الوحدة الاستشهادية كسر الحصار عن جيش المسلمين..
وجاء الظفر بالشهادة.. كان عكرمة بطلا في حربه ولقائه.. شجاعا مقداما لا يهاب الموت.. بل كان حريصا على الشهادة تواقا إليها.. وقد حصل له ما أراد وتحققت أمنيته في اليرموك.. حيث جرح جراحا شديدة سقط على إثرها صريعا.. وبه رمق.. واقرأ كيف سطر هؤلاء قصة الخلود.. طلب عكرمة جرعة من الماء.. فلما قدم إليه الماء ليشرب.. أحس بأن له صاحبا بجواره يطلب الماء.. فرفض أن يشرب حتى يرتوي الذي يليه.. وهكذا حتى مات الثلاثة دون أن يشرب واحد منهم.. وكان لهذه البطولة الفذة التي أبداها عكرمة وضرباؤه أثر في تلك الهزيمة التي حلت بالروم.. وفي تحقيق النصر العظيم للإسلام والعزة للمسلمين.. وشنفت آذانه بعض ما قيل في حقه..
قيل: إنه لا يعرف له ذنب بعد ما أسلم.. قال الشافعي: كان عكرمة محمود البلاء في الإسلام.. وروي أن خالد بن الوليد أمر بعد نهاية المعركة.. أن يحمل إليه عكرمة بن أبي جهل وابنه عمرو بن عكرمة.. فوضع رأس عكرمة على فخذه.. ورأس عمرو على ساقه وجعل يمسح عن وجوههما.. ويقطر الماء في حلوقهما ويقول: كلا زعم ابن الحنتمة أنا لا نستشهد..
..
تاسعا.. خاتمة..
يقول د. راغب السرجاني.. كيف وهب عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه حياته للجهاد في سبيل الله عز وجل.. سواءٌ في حروب الردة أو في فتوح الشام.. حتى قُتِلَ شهيدًا رضي الله عنه في اليرموك.. ولننظر كيف بدَّل الله عز وجل حياته كاملة بحسن استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم له.. وبتأمينه إياه.. وبغفرانه له كل التاريخ الأسود الذي كان له مع المسلمين.. لقد وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكرمة وما عليه رداء فرحًا به.. وانبسطت أساريره وهو يرى عكرمة بن أبي جهل يعود إليه.. مع أنه لم يسلم بعدُ.. لكن هذه هي طبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تكلُّف.. وكما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي سفيان رضي الله عنه.. ومع عمرو بن العاص.. ومع عكرمة رضي الله عنه فعل مع كثيرٍ غيرهما.. وكان موقفه مع صفوان بن أمية رضي الله عنه أيضا من أروع مواقف التاريخ قاطبة..
.. أراكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.