ماء السرد الأرضية والشكل في السرد بقلم عبير عزاوي

ماء السرد الأرضية والشكل في السرد بقلم عبير عزاوي

مقالة في ماهية السرد للمبدعة عبير عزاوي

تشكل المثيرات المعرفية التي تتخذ من اللغة أداة لها أهمية كبيرة قد تتعدى المثيرات النفسية و الحسية التي يمكن تتخذ أشكالا أكثر بروزاً في الفنون البصرية لأن الفنون التي تعتمد على اللغة تعد فنوناً عقلية بالدرجة الأولى وتعتمد على ركيزتين أساسيتين هما الموهبة و الزاد المعرفي ، يندرج في بند الموهبة المقدرة اللغوية والتي يمتلكها الكاتب كفطرة وسليقة تتعزز بالدرس والمثابرة على تلقي علوم اللغة ، ويندرج تحت الزاد المعرفي الصقل العملي بكثرة القراءة العامة والخاصة في فنون السرد وتقنيات القص وآليات الكتابة السردية.
ولئن كانت الموهبة ميزة تخنلف بين شخص وآخر خص الله بها أشخاصا محددين من الناس فإن الصقل العملي يتبع قابلية الفرد نفسه وقدرته على تطوير أدواته وامتلاك رؤيته الخاصة و أسلوبه المميز .
وتعد الكتابة السردية فناً صعب المراس لمن يفتقرون للموهبة لكنه بالمقابل فن قابل للتعلم مثله مثل أي مهارات يستطيع أي إنسان امتلاكها إذا صمم وثابر وتعلم وأبدى إستعداداً لتطوير آليات تفكيره وتعبيره و واظب على القراءة والتعمق في مسارب المعرفة الانسانية كافة وفي الفن السردي خاصة وكم من الكتاب الذين بدأوا بدايات متواضعة لكنهم في نهاية مسيرتهم الإبداعية تركوا أعمالا خالدة تؤثر ويدوم أثرها . حتى وإن كانت ربما تفتقر لما نسميه ماء السرد أو نداوة الحكي ، لكنها تشكل بصمة في الأدب.
وأقصد بماء السرد مصطلحاً شبيها بما اصطلح على تسميته ماء الشعر أي الرونق الذي يشيع في العمل يمنحه طلاوة وحسناً وانسياباً يبتعد به عن جفاف المباشرة وقسوة الطرح وتقعر اللغة أو قصورها عن تادية المعنى .
فشتان بين سرد لين سلس يترقرق بالقراءة ويتماوج ليقدم متعة وإبهاراً و طرباً باللغة وانسيابية الحكي وبين سرد قاس جاف يقدم عناصر القص بجفاء و حيادية مضرة .
والفيصل في هذا الأمر هو طواعية اللغة للكاتب و حسن تدبره المعاني والالفاظ والتراكيب التي يستنبط منها صوراً ويولد منها مدارات تأخذ بألباب القراء وتسحرهم وتقدم لهم الفكرة بثوب زاه من الكلمات .
ولعل اللغة هي الوعاء الذي يحمل عناصر السرد تعدّ القاعدة الأولى لننطلق منها في بناء منتج إبداعي مميز .
وكلكم يعرف وصف المغيرة للقرآن الكريم عندما سمعه ” إن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر .” اي جذره أي أرضيته مغمورة برواء اللغة وأعلاه أي شكله غني بموجات المعنى . ومن هنا انطلقت لتحديد مصطلحا الشكل والأرضية في نتاج لغوي
ويعتبر الشكل والأرضية مقابلان معرفيان للفكرة والبناء القصصي
الفكرة هي الأرضية التي تبنى عليها القصة وتتسم بأنها أقل بروزاً في السرد وتحتاج لجهد للكشف عنها واستنباطها رغم أنها تثير العقل والتفكير وكلما كانت الفكرة غنية وطريفة كان السرد أكثر نجاحا.
أما الشكل فمن المفترض ان يكون أكثر بروزاً في السرد لأنه يتضمن الحوامل والمحمولات الفنية والفكرية التي تنطوي عليها القصة
ويقابل هذا المصطلح البناء القصصي بما فيه من أحداث وصراع وإطار زماني ومكاني وشخصيات .
إن الأرضية والشكل تتواشجان معا لتقدما عملا فنيا إبداعيا .
ويأتي ماء السرد او نداوة الحكي او التدفق السردي ليرفع العمل الأدبي ويصنع منه تحفة خالدة تضاف إلى ما يماثلها من إبداع الكبار في هذا الفن.
عبير ﻋﺒﻴﺮ عزاوي
مع Reehan Alkamary
زينب التميمي