مقالات بسن القلم للأستاذ حسين الجندي : مصيبة الموت وطريقة تعاملنا معها
مقالات بسن القلم للأستاذ حسين الجندي : مصيبة الموت وطريقة تعاملنا معها
الموت علينا حق..
مقولة يرددها الكثيرون البعض منهم يحسها ويعيشها ويعمل بها ولها، والبعض الآخر تتردد على لسانه وفقط..
مجرد ترديد ببغائي والسلام..
لا أحد منه سيفر، لا أحد منه سينجو، لا أحد منا سيخلد..
أيضا تلك مسلَّمات وبدهيات ترسخت في قرار تلافيف مخ كل إنسان مهما اختلفت ثقافته وبيئته ولونه أو حتى دينه..
بيد أن لكل إنسان ردة فعل مختلفة عندما يتعرض لحالة وفاة لأحد المقربين منه..
فالبعض يحزن لوقت ثم يتجاوز أحزانه ليمارس حياته الطبيعية..
والبعض يحزن ولكنه لا يستطيع تجاوز أحزانه إلا بعد وقت طويل..
وهناك البعض منا يحزن حزنا شديدا ويصاب باكتئاب حاد يستمر معه وقتا طويلا ثم يتعافى..
ومن أعجب أنواع الناس في تلقي مصيبة الموت ذلك الذي تراه وكأنه ما فقد عزيزا لديه، يأكل ويشرب ويتكلم وربما يبتسم داخل العزاء، للدرجة التي قد تكون مثار انتقاد الناس من حوله، وهو لايهتم، فمن يمتلك تلك الشخصية آخر ما يفكر فيه هو كلام الناس..
والأدهى أن البعض قد يصاب بمرض نفسي رهيب وهو ما يسمى باضطراب الفقد أو الحزن المعقد ويحدث لمن يمر عليه عام كامل على فقد العزيز ولم يستطع أن يعود لحياته الطبيعية كما كان ولو بنسبة فهذا النوع من المرض قد يدفع بصاحبه إلى عقاب المجتمع المحيط سواء ماديا أو نفسيا فأفراده في نظره جاحدون لاهون قاسون في مشاعرهم فكيف يضحكون ويمزحون ويفرحون ويمارسون حياتهم بطريقة عادية ولا يشاركونه محزنته وكربلائيته..
برغم أنه لو وقف وقفة بسيطة مع نفسه سيجده قد فعل ذلك وأكثر قبل مصابه الأليم..
والبعض يصاب بالقهر الهازم والذي معه قد يفقد حياته سواء بيده أو بغير يده أو على أقل تقدير يطير عقله منه..
والبعض قد يبدو متماسكا رزينا أمام الناس وهو في ذاته يشعر بالغليان والكبت وهذا الصنف يعيش بوجهين وجه يظهر متعايشا مع مصيبته والآخر يرفض الاستمرار في تلك التمثيلية وينفس عن روحه داخل بيته وفي خلواته..
والبعض تتوقف حياته تماما إكلينيكا عند لحظة الوفاة ويقضي ما تبقى من عمره في نوستالچيا الماضي مع فقيده فيستعرض ذكرياته معه وقد يشاركها مع غيره ويرى بأن ذلك نوع من الوفاء لذكراه..
ونتوقف هنا بعض الشيء مع هذا النوع:
لن تستطيع مهما حاولت أن تخرجه من تلك الحالة العجيبة..
لماذا؟!
أولا لأن المصاب مصابه هو لا أنت ولن يشعر بآلامه إلا هو وفقط ومهما حاول الجميع مواساته فلن يصلوا لمعشار حزنه – وللعلم- هو نفسه ينظر للآخرين بأنهم مجرد ممثلين فاشلين وربما مزيفين أو على أفضل تقدير مجرد مجاملين مهما حاولوا..
فهو يرى أن النار تحرقه هو ولا يشعر بها إلا هو..
ولكنه في قراره يمتن لهم ويحمد صنيعهم ويشعر بجحود غيرهم ممن لا يؤدون نفس الدور معه حتى وإن كانوا مخلصين له لكنهم يؤمنون بأن المواساة لا وزن لها أمام فداحة الألم فيلتزمون الصمت وعندهم قناعة كبيرة بأن إخراجه من حالته بطريقة عملية هي أفضل ألف مرة من مجرد كلمات يرونها جوفاء فارغة..
وبعد..
خلق الله الإنسان ورزقه نعمة النسيان ولا أعني بها هنا جحود الذكرى أو القفز بالكلية على الأحزان بل وضعها في حجمها الطبيعي..
وأنه إذا تذكر الأنبياء وعلى الرأس منهم سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم – فقد توفي جميع أبنائه و بناته في حياته بإستثناء فاطمة…
وحزن وتأثر وبكى قلبه ودمعت عيناه..
وكذا السابقين الأولين من السلف الصالح فقدوا العديد من أحبابهم وفلذات أكبادهم..
نعم حزنوا وبكوا ولكن أبدا لم يسخطوا أو تتوقف عندهم الحياة..
نعم كانوا جيلا فريدا على قمة هرم التربية..
لكنهم في الأخير بشر..
الموت مصيبة المصائب وخسارة الخسائر فأي مصيبة سواه قد تُجْبَر وتُعَوَّض..
ولكن ديننا علمنا أن نصبر ولم يأمرنا بمجرد الصبر بل وجههنا إلى الصبر الجميل..
(… فَصَبۡرࣱ جَمِیلࣱۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ)
[سورة يوسف 18]
(… فَصَبۡرࣱ جَمِیلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَنِی بِهِمۡ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ)
[سورة يوسف 83]
(فَٱصۡبِرۡ صَبۡرࣰا جَمِیلًا)
[سورة المعارج 5]
أمر أخير:
ما جريرة من يُعَذَّبون معك من الأحياء؟
سؤال يُوَجَّه لمن استحالت حياتهم جحيما لفقد عزيز وانعكس ذلك على ذويه ممن يعيشون معه تحت سقف واحد..
فهم أولى الآن بالحنان والرفق والاهتمام..
وللحق فإن الأمر شائك ومعقد وربما يكون التقعيد فيه بدم بارد أو كمن يتحدث إلى غريق وهو على الشاطئ آمن..
ولكنه قدر كل كاتب؛وواجبه أن يكتب ما يراه صوابا حتى وإن كان مُوَجِّها سهما نافذا إلى ذاته.
التعليقات مغلقة.