في جهاد الصحابة.. بقلم مجدي سـالم الحلقة\ 529 ” عمرو بن العاص السهمي القرشي “.. ” داهية العرب ” –6
في جهاد الصحابة.. بقلم مجدي سـالم الحلقة\ 529 ” عمرو بن العاص السهمي القرشي “.. ” داهية العرب ” –6
تاسعا.. في مناقب عمرو بن العاص..
كان أحد ولاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم.. وأبي بكر الصديق.. وعمر بن الخطاب.. وعثمان بن عفان.. ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين.. وكان إداريًّا لامعًا.. من ألمع الإداريِّين المسلمين في أيَّامه.. وحتى اليوم.. وكان عالمـًا في الدين الحنيف.. محدِّثًا.. فقيهًا.. مجتهدًا.. وكان من أصحاب الفُتيا من الصحابة.. وكان قاضيًا متقنًا للقرآن الكريم.
ويذكر له.. أنَّه كان كاتبًا بليغًا في نظمه ونثره.. وله رسائل وأقوال مأثورة.. وله شعرٌ يدلُّ على شاعريَّته المتميِّزة.. ورصيده اللغوي الكبير..وأنَّه كان خطيبًا مفوها.. من ألمع خطباء الصحابة والتابعين من بعدهم.. ومن أبلغ خطباء العرب في كلِّ العصور.. ويذكر له التاريخ أنَّه كان من دُهاة العرب المعدودين.. وشجعانهم.. وكان من أفراد الدهر.. دهاءً.. وجلادة.. وحزمًا.. ورأيًا.. إنتهى بيان الدكتور السرجاني..
وفي مثال على حكمة عمرو بن العاص.. يقول “إسلام ويب”.. خطب (سلمان الفارسي) إلى (عمر بن الخطاب).. فأجمع على تزويجه.. فشق ذلك على (عبد الله بن عمر).. وشكاه إلى (عمرو بن العاص)..
فها هنا مسألة دقيقة بين أب وابنه في تزويج رجل لا تحسن الإساءة إليه بعد وعده.. ولا بد للحكم فيها من رفق وإربة.. حتى الأب والابن والخطيب.. وما منهم من يسخط على الآخر؛
قال (عمرو) لـ (عبد الله بن عمر): “عليَّ أن أرده عنك راضيًا”.. وأتى (سلمان) فضرب بين يديه.. ثم قال: “هنيئًا لك (أبا عبد الله).. هذا أمير المؤمنين يتواضع بتزويج”؛ فالتفت إليه (سلمان) مغضبًا.. وقال: “يتواضع؟ والله لا أتزوجها أبدًا”..
ومن ذلك حكومة (عمرو) بين (طلحة بن عبيد الله) و (الزبير بن العوام).. حين اختلفا على واد يدّعيان ملكه في المدينة.. فقال (عمرو) لهما: “أنتما مع فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة الله عليكما تختلفان! لقد سمعتما من رسول الله مثل ما سمعت.. وحضرتما من قوله مثل ما حضرت.. فيمن اقتطع شبرًا من أرض أخيه بغير حق.. والحَكَمُ أحوج إلى العدل من المحكوم عليه.. وإن شئتما فأدليا بحجتكما.. وإن شئتما فأصلحا ذات بينكما” فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما صاحبه الرضا..
وقد جاء في الأثر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر (عمرو) بالفصل بين رجلين اختصما إليه.. فكأنه عرف براعة (عمرو) في هذا الأمر.. وبقيت هذه الحادثة لها شهرتها..
عاشرا.. في حب عمرو للمال والشهرة.!
روي أنه سأله (معاوية) يومًا وقد شاخا: “ما بقى من لذة الدنيا تلذه؟ قال محادثة أهل العلم وخبر صالح يأتيني من ضيعتي”.. وقد اشتهر منه هذا الحب للمال حتى عَرَّضَه لظنون الخلفاء واحدًا بعد واحد؛ فقاسمه (عمر) نصف ماله.. وعزله (عثمان) من ولاية (مصر) وهو يظن أنه استأثر بخراجها دون بيت المال..
وقال له (معاوية) يومًا وهو يذكر له الحساب والعقاب والأوزار التي يثقل بها ميزان السيئات: “هل رأيت شيئًا بينها من دنانير (مصر)؟
ولقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم –أدرى الناس بهذه الصفة في (عمرو بن العاص) قبل أن يعرفه المسلمون أو المشركون بطول المراس وتعاقب الأعمال والمساعي وتدفق المطامع والآمال.. فولّاه الإمارة في غزوة (ذات السلاسل).. وقال له وهو يعرضها عليه: “إني أريد أن أبعثك على جيش يسلمك الله ويغنمك” فأجابه (عمرو) وهو يشفق أن يظن الرسول –صلى الله عيه وسلم –بإسلامه الظنون: “يا رسول الله.. ما أسلمت من أجل المال.. بل أسلمت رغبة في الإسلام” فهوَّن عليه النبي.. ودفع عنه وهمه.. وهو يقول: “يا عمرو.. نعمًا بالمال الصالح للمرء الصالح”. ثم عهد إليه –صلى الله عليه وسلم –في ولاية الصدقة بـ (عمان).. فبقيت له إلى أن تولى (أبو بكر) الخلافة فرغّبه فيما هو خير منها. وظل الرجل يسائل نفسه عن حفاوة النبي به إلى آخر حياته.. فروى (الحسن البصري) أن بعضهم قال لـ (عمرو): “أرأيت رجلًا مات رسول الله وهو يحبه.. أليس رجلًا صالحًا؟ قال : “بلى”.. فقال محدثه: “قد مات رسول الله وهو يحبك.. وقد استعملك” قال: “بلى فوالله ما أدرى أحبًّا كان لي منه أم استعانة بي”..
.. أراكم غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.