في جهاد الصحابة.. بقلم مجدي سـالم الحلقة533.. عمرو بن العاص السهمي القرشي “.. ” داهية العرب ” –10
سادس عشر.. جهاد عمرو بن العاص في حروب الردة.. نكمل..
إكتسبت قيادات مسلمة خبرات عديدة من حروب الردة.. ومن بين هذه القيادات: خالد بن الوليد.. وعمرو بن العاص.. وسعد بن أبي وقَّاص.. والقعقاع بن عمرو التميميّ.. وأخاه عاصمًا.. وجُرير بن عبدُ الله البجلي.. والمُثنّى بن حارثة الشيبانيّ.. وعُديّ بن حاتم الطائيّ.. والنُعمان بن مُقرن المزنيّ وإخوته.. وغيرهم كثير.
كانت حُرُوبُ الرِّدَّة مرحلةً وسطيةً من حيثُ الحجم بين غزوات النبيّ وبين المعارك الكُبرى لِلفُتوح التي غيَّرت مُجتمعاتٍ فارسيَّة وبيزنطيَّة مثل اليرموك والقادسيَّة وما بعدهما.. وكانت حُرُوبُ الرِّدَّة ذات قيمة فنيَّة لا تُقدَّر.. فهي أعطت المُسلمين الثقة بالنفس وبِالنظام الذي اختاروه وبِالقُدرة على الانتصار.. وهي ثِقةٌ هامَّةٌ وضروريَّةٌ في مُواجهة قِوى كُبرى تتمتَّع بِقُدراتٍ ماديَّةٍ وكثرةٍ عدديَّةٍ.. هذا إلى جانب الإيمان بالهدف..
سابع عشر.. في رواية عما فعل عمرو بن العاص في عمان..
يروي عمرو بن العاص.. “بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. ثمانية نَفَرٍ سَمّاهم.. فكنت أنا المبعوث إلى جَيْفَر وعبد ابْنَي الجُلُنْدَى وكَانَا من الأَزْد.. والمَلك منهما جَيْفر.. وكتب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. معي إليهما كتابا يدعوهما فيه إلى الإسلام.. وكتب أُبَيُّ ابن كعب الكتابَ وختمهُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم..
فخرجتُ حتى قَدِمْتُ عُمان.. فعمدتُ إلى عبد بن الجُلُنْدَى ــ وكان أحلمَ الرجلين وأسهَلهما خُلُقًا ــ فقلتُ: إني رسولُ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم.. إليك وإلى أخيك. فقال: أخي المُقدَّمُ عَلَيَّ بالسنِّ والمُلك وأنا أوصلكَ إليه.. فمكثتُ ببابه أيامًا ثم وصلتُ إليه.. فدفعتُ الكتابَ إليه مَختومًا.. فَفَضَّ خاتمه ثم قرأه إلى آخره.. ثم دفعه إلى أخيه فقرأه.. وقال لي: يا عَمْرو.. أنت ابن سيِّد قومك.. فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قُدوة؟ قلتُ: مات ولم يُؤمن بمحمد صَلَّى الله عليه وسلم.. وودتُ أنه كان أسلم وصدَّق به.. وقد كنتُ أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام.. قال: فمتى تَبِعتَه؟ قلتُ: قريبًا.. قال: فسألني أين كان إسلامي؟ فقلت: عند النجاشي.. وقد أسلم..
قال: فكيف صَنع قومه بملكه؟ قلت: أَقرُّوه واتَّبعُوهُ.. قال: والأساقِفةُ والرُهبانُ تبعوهُ؟ قال: قلت: نعم..
قال: فأَبَى أن يُسلم.. فأقمتُ أَيّامًا ثم قلتُ: أنا خارجٌ غدًا..
فلمَّا أيقن بخروجي أرسل إِلَيَّ فأجاب إلى الإسلام.. فأسلَم هو وأخوه جميعًا.. وصَدَّقا بالنبي صَلَّى الله عليه وسلم.. وخَلَّيَا بيني وبين الصدقة والحكم فيما بينهم.. وكان عونًا لي على مَن خالفني.. فأخذت الصدقةَ من أغنيائهم فرددتها على فقرائهم.. وأخذت صدقات ثمارهم ما تَجرُوا به.. فلم أزل مقيمًا حتى بلغنَا وفاةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم..
قال: أخبرنا محمد بن عمر.. قال: حدثنا الضَّحَّاك بن عثمان.. حتى قال عن موسى بن عِمْران بن مَنَّاح.. وغيرهما أيضًا قد حدثنا قال: كان عمرو بن العاص عاملًا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. على عُمَان.. فجاءهُ يهوديّ من يهود عُمان فقال: أرأيتَ إن سألتك عن شيء أَتَخْشى عَلَيَّ منك؟ قال: لا.. قال اليهوديُّ: أنشدُكَ بالله مَن أَرْسَلَكَ إلينا؟ قال: اللهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. فقال اليهودي: آلله إنك لتعلم أنه رسول الله؟
فقال له عمرو: اللهم نعم.. فقال له اليهوديّ: لئن كان ما تقول حقًّا لقد ماتَ اليومَ..
فلما رأى ذلك عَمْرو جمع عليه أصحَابَه وفَواشِية وكتب ذلك اليوم الذي قال لهُ فيهِ اليهوديُّ ما قال..
ثم خرج عَمْرو معه بخُفَرَاء من الأَزْد وعبد القيس يأمنُ بهم حتى قَدِمَ أرضَ بني حَنِيفَةَ فأخذ منهم خُفَراء.. ثم جاء أرض بني تميم فَأَخذ منهم خُفَراء حتى جاء أرضَ بني عامر.. فنزل على قُرّة بن هُبيرة القُشيري.. فأَحْسَنَ مَنْزِله وضَيَّفَهُ..
ثم إن قُرَّةَ قال له حين أراد عمرو أن يركب مغادرا: إن لك عندي نصيحةً وأنا أُحِبُّ أن تسمعها.. قال: وما هي؟ قال قُرَّة: إن صاحبكم قد توفي! قال عَمْرو: وصاحبنا هُوَلاَ أمَّ لك يعني: دونك ــ وإنكم يا معشر قريش كنتم في حَرَمِكم تأمنون فيه.. ويأتيكم الناس ثم خرج منكم رجل يقول ما سمعت: فلما بلغنا ذلك لم نكرهه.. وقلنا رجل من مُضَر يَسُوق الناسَ وقد تُوفي.. والناسُ إليكم سراعٌ.. وإنهم غيرُ معطييكم شيئًا فَالْحَقوا بحَرَمِكم تأمنوا فيه.. فإن كنتَ غير فاعل فَعِدْني حيث شئتَ آتِك..
فَوَقَع به عَمرو.. وقال: إني أَرُدّ عليك نَصِيحتَك.. وموعدك حِفْشُ أمِّكَ! وأيّ العربِ تُوعِدنُا به؟ فأُقْسِم بالله لأُوطِئَنَّ عليك الخَيْل..فقال قُرّة: إني لم أُرِدْ هَذَا.. وَنَدِمَ على مقالتِه.. قال: وأخبرنا محمد بن عمر.. قال: فحدثني الضّحّاك بن عثمان.. قال: سمعت الزُهريّ يقول: جاءت وفاةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.. عَمْرَو بن العاص وهو بعُمان.. وَجدتُ ذكر ذلك عند المنذر بن سَاوَى.. نكمل غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.