قهوة المساء : الغُربَة بقلم الأستاذ داوود الاسطل
المفهوم السائد للغربة هو البعد عن الوطن طوعاً أو كرها ، وما يرافق ذلك من بُعد عن الأهل والأصدقاء .
وسأحدثكم اليوم عن الغربة الحقيقية التي نعاني منها جميعا ، وذلك لنواجه أنفسنا ونزيل الغمام عن عيوننا ، ونرفع الستار عن الحقائق المؤلمة المتخبأة خلف لثام اللئام .
قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) الملك 67
إذن فالأرض كلها مسكنٌ للإنسان ، أينما يجد راحته وهدفه ، يكن انتماؤه وموطنه ، ولا يعلم أحدنا من أيِّ طين الأرض خُلق ، ليكن سبباً لتعلقه به .
الغربة الحقيقية هي غربتك في وطنك الجغرافي الحبيس داخل الجغرافيا السياسية والإجتماعية .
الغربة الحقيقية هي غربتك وأنت وسط أهلك ، الآكلين ميراثك والمعتدين على حقوقك .
الغربة الحقيقية هي شعورك بالدونية بسبب التمييز العنصري بين أبناءالوطن السياجغرافي الواحد .
الغربة الحقيقية هي دموع اطفالك الذين يتضورون جوعا – في وطن فديته بسنين عمرك – وأطفال المتسلقين ينعمون في خيرات جُبلت بعرق الكادحين .
الغربة الحقيقية هي العلاقة المتأزمة مع مكونات المجتمع الذي تعيش فيه وبيئته الظالمة الجاحدة المتنكرة لحقوقك الإنسانية البسيطة .
الغربة الحقيقية أن تُبنى العلاقات الحميمية على مبدأ العادات والتقاليد والحاجات الجسدية ويُهمل الحب والمشاعر والأحاسيس والكلام الجميل والملاطفة والإهتمام والتكامل النوعي ، والنتيجة هي البحث عن وطن بديل ، سواء كان حقيقياً او افتراضيا .
لقد شبعنا – حدَّ الطفح – من دروس الوطنية سواء من على منابر السياسين او من على منابر الجوامع ، فالمواطن لا يحتاج الى دروس وندوات وتنظير في حب الوطن
لن أطيل كثيرا حتى لا أتسبب في مزيداً من الالم ، ولكن أودُّ أن أقول
:
ماذا يحتاج المواطن ليسترجع ثقته بوطنه الجغرافي والسياسي ؟
- يحتاج المواطن الشعور بالأمن والأمان والمساواة .
- يحتاج المواطن حب المسؤولين عنه ، لا غشهم وتدليسهم وشعاراتهم الكاذبة .
- يحتاج المواطن منحه حقه في العيش بكرامة في وطنٍ ضحى بكل ما يملك لأجله .
- يحتاج المواطن بيئة وطنية متماسكة قوية مستقرة ، لا بيئة هشة متنازعة متفرقة منقسمة .
- يحتاج المواطن تعزيز شعوره بالشراكة الوطنية من خلال اندماجه المجتمعي والسياسي بكل مكونات مجتمعه وتذليل العقبات التي تحول دون ذلك الشعور .
إن الوطن الحقيقي هو الوطن الذي يشعر أبناؤه بالشراكة فيه وليس على قاعدة الأسياد والعبيد .
وإن الغربة الحقيقية هي غربة الفرد في وطنه وبين أهله وجماعته المتمثلة في ضياع حقوقه والتنكر لها .
والأرض بما رحُبت هي وطنٌ وموطنٌ للإنسانية جمعاء
وأختم مقالي بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ، فلما فقدوا المعاني السامية للمواطنة الحقيقية في موطنهم ( مكة ) أمرهم الله بالهجرة الى وطن يجمعهم ولا يفرقهم ولم يشعروا يوما في المدينة أنهم غرباء .
فلسطين – غزة
19/9/2021
التعليقات مغلقة.