موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

مُختارات من القصة القصيرة العالمية من الأدب الفرنسيِّ قصة العودة Le retour للأديب الفرنسي الراحل جَى دى موباسان بمناسبة ذكراه. ترجمة عاشور زكي وهبة أبو إسلام

465

مُختارات من القصة القصيرة العالمية ( من الأدب الفرنسيِّ )
قصة : العودة (Le retour ) للأديب الفرنسي الراحل ( جَى دى موباسان) بمناسبة ذكراه.
ترجمة: عاشور زكي وهبة ( أبو إسلام )

تضربُ أمواجُ البحرِ القصيرةُ الرتيبةُ الساحلَ، وتمضي سحبٌ بيضاءُ مُسرعةً عبر السماء الزرقاءِ الشاسعةِ، تحملُها الريحُ الجامحةُ كعصافيرَ صغيرةٍ، وفي منحدر الوادي الضيقِ الّذي يهبطُ نحو المحيطِ تأخذُ القريةُ حمَّامًا شمسيًّا.
في المقدمة، كان منزل السيد ( مارتان- ليفسك ) يقفُ وحيدًا على قارعةِ الطريقِ، وما كانَ إلَّا كوخًا صغيرًا لصيادٍ، جدرانُه من صلصالٍ ومسقوفٌ بأعشابٍ مُزَيَّنَةٍ بلونٍ أزرقَ، وبه حديقةٌ غنَّاءَ تكتنفها بعضُ الخضرواتِ كالبصل والكرنبِ وغيرها، ولها سياجٌ يحيطها على طول الطريق.
كانَ الرجلُ بالصيدِ، والمرأةُ أمام الكوخِ تجهِّزُ الخيوطَ لشبكةٍ عظيمةٍ بُنيَّةِ اللونِ مُنْبَسِطَةٍ على الحائطِ كخيوطِ عنكبوتٍ مُتَشَعِّبةٍ.
على عتبة البستانِ، تجلسُ صبيَّةٌ في منتصف عقدها الثاني على مقعدٍ من الخوصِ المتين منتصبةً إلى الأمامِ، تخيطُ لباسًا رثًّا ممزقًا، قد ثقبته الإبرُ مرارًا من قبل. كما كانتْ بجوارها فتاةٌ أخرى تقل عنها بعامٍ، تهدهدُ رضيعًا على ذراعيها دونما حركةٍ أو كلمة، وغلامانِ لا يتعدَّى عمرهما سنتين أو ثلاثة أعوامٍ قاعدتهما على الأرضِ وجهًا لوجهٍ يقذفان على بعضهما البعضِ أكوامًا من التراب على وجهيهما.
لا يتكلم أحدٌ، فقط كان الرضيع الّذي يحاولُ النومَ؛ لكنَّه كانَ يبكي بصورةٍ مُستمرةٍ بصوتٍ ضعيفٍ مبحوحٍ، وقِطٌّ ينامُ بالقرب من النافذةِ. أمَّا أسفل الحائطِ، هناك بعض الشجيراتِ المزدهرةِ بوردٍ أبيضَ جميلٍ تحومُ حوله أسرابٌ من الذبابِ.
نادتِ الفتاةُ الّتي كانت تخيطُ بالقرب من المدخل فجأةً:

  • أُمَّاهُ!
    ردَّتِ الأُمُّ: ماذا بكِ؟
  • انظري هناكَ!
    لقد كان القلقُ يعصفُ بهما منذ الصباحِ؛ حيثُ كان هناكَ رجلٌ يحومُ حولَ الدار، كان رجلًا عجوزًا تعلوه سمت الفقراءِ؛ لأنَّهما عندما ذهبتا لتقودانِ الأبَ إلى قاربِهِ ليبدأ الصيدَ، رأينه جالسًا في حفرةٍ بمحازاةِ البابِ، وحينما عادتا من عند الشاطيءِ، وجدتاه هناكَ أيضًا يرقبُ المنزلَ. كان يبدو عليه البؤسُ الشديدُ والمرضُ؛ لأنَّهُ لم يتحركْ منذ أكثرَ من ساعةٍ، واتفقتا أن تعتبراه رجلَ سوءٍ أو قاطع طريقٍ مجرم.
    انتصبَ ورحلَ جارًّا قدمه؛ لكنهما سرعانَ ما رأينه عائدًا يسير ببطئه المكدود، وجلس بعيدًا هذه المرَّة كما لو كان يبغي مراقبتهما. أصابَ المرأةَ وابنتيها الذعرُ، توجستِ الأمُّ لأنَّها ذاتُ طبيعةٍ هيَّابةٍ؛ ولأنَّ زوجها ( ليفسك ) لا ينبغي أن يعودَ من البحرِ إلَّا مع هبوطِ الليلِ.
    يُسَمَّى زوجها ( ليفسك )، وقد لقبته ب ( مارتان )، وتمَّ تعميدها بعائلة ( مارتان- ليفسك )؛ وذلك لأنَّها تزوجتْ من قبل بحَّارًا يُدْعَى ( مارتان ) كان يأتي كلَّ صيفٍ لصيدِ المحارِ. وبعد عامين من الزواجِ، انجبت له بنتًا لم يتجاوز عمرها ستة أشهرٍ حينما اختفتِ السفينة الّتي كانت تُقِلُّ الزوجَ في منطقة ( دوسير )، على بعد ثلاثة فراسخ من ( دييب)، ولم يُعثَر لهم على خبرٍ، ولم يعد أحدٌ من البحَّارةِ، واُعْتُبرتِ السفينة بمن عليها في عدادِ المفقودين.
    انتظرتِ الزوجة ست سنين كي يعودَ إليها زوجها، رَبَّتْ ابنتها بجهدٍ جهيدٍ؛ ولأنَّها كانت وفيَّةً وجميلةً، نكحها صيَّادٌ من الريفِ، هو ( ليفسك ) أرملٌ ولديه ولدٌ، تزوجته وانجبت طفلينِ منذ ثلاثة أعوامٍ.
    عاشوا في فاقةٍ وعوزٍ، عزَّ الخبزُ، واللحمُ لم يعرف طريق البيتِ، كانوا يستدينون أحيانًا من الخبَّازِ في الشتاءِ وخاصةً خلال شهور النوَّاتِ.
    ومعَ ذلك كان الصغارُ يتحمَّلونَ حتَّى قيلَ عنهم:
  • إنهم أناسٌ شجعانٌ، عائلتا ( مارتان )و ( ليفسك ). إنَّ هذه السيدة جَفَّ عودُها من الجهدِ؛ والسيد ( ليفسك ) ليس له ندٌّ في الصيد.
    قالتِ الفتاةُ الجالسةُ على المقعدِ:
  • أعتقدُ أنَّهُ يعرفنا، ربما يكون أحد الفقراءِ من قرية( آبرفيل ) أو( أوزبوز )!
    لكنَّ الأمَّ لم تَضْعُفْ قائلةً بتصميمٍ:
  • لا لا، إنَّه ليس شخصًا من نواحينا بكلِّ تأكيدٍ.
    ولأنَّه لم يتحركْ منذ فترةٍ طويلةٍ، وقد ثبَّتَ ناظريه بإصرارٍ تجاه الكوخِ؛ أصابَ الأمَّ الحماسُ، وتشجَّعتْ حاملةً فأسًا، وخرجت أمام البابِ صارخةً في المتشردِ:
  • أنت! ماذا تفعل هناكَ؟!
    أجابَ بصوتٍ واهنٍ:
  • ألتمسُ الدفءَ، هل تسيئينَ بي الظنَّ؟!
  • ولماذا تتلصصُ هكذا أمام منزلنا؟
    فردَّ بنفس الصوتِ:
  • إنَّني لا أؤذي أحدًا؛ أليس من المسموح الجلوسِ في الطرقاتِ؟!
    لم تجدْ إجابةً تردُّ بها، دلفتْ داخل الدارِ حيثُ سار اليومُ بطيئًا، واختفى الرجل عند الظهيرةِ؛ لكنَّه عاد حوالي الساعة الخامسةِ، ولم يعدْ يُرَى حتَّى المساء.
    عاد السيد ( ليفسك ) بالليلِ، وقصَّتْ عليه الأمُّ والبنتانِ حكايةَ العجوز المتشردِ؛ عقَّبَ قائلًا:
  • ربما يكونُ لئيمًا أو… وغَطَّ في نومٍ عميقٍ، بينما كانت رفيقتُهُ تفكِّرُ في هذا الهائمِ الّذي كان ينظرُ إليها نظراتٍ مُرِيبةً.
    حينما جاء الصباحُ، اشتدَّتِ الريحُ، ورأى الصيادُ أن لا جدوى من نزول البحر، وساعد زوجتَهُ في صُنع الشبكةِ. في الساعةِ التاسعةِ، ذهبت ابنة ( مارتان ) الكبرى تبحثُ عنِ الخبزِ؛ عادتْ راكضةً مرتعدةَ الأوصالِ، وصرختْ قائلةً:
  • أُمَّاهُ، إنَّه هناكَ!
    هاجتِ الأُمُّ وأضحت شاحبةَ اللونِ؛ قالت للأبِ:
  • اذهب يا ( ليفسك )، كلِّمَه كيلا يراقبنا بهذه الطريقة الوقحةِ، لأنَّ ذلك يُهَيِّجُ أعصابي.
    كان ( ليفسك ) بحَّارًا ضخمًا مفتول العضلاتِ، ذا شاربٍ كَثٍّ أحمرَ وعينين زرقاوينِ ذواتا حدقتينِ سوداويتين وجِيدٍ قويٍّ مُغَطًَى بالحريرِ دومًا اتقاءً للريح والمطر في العراءِ. خرجَ مُتَمَهِّلًا واقتربَ من المتشردِ، بينما كانتِ الأمُّ والأولادُ يرقبانهما من بعيدٍ بقلقٍ أرعنٍ. فجأةً نهض المجهولُ آتِيًّا مع ( ليفسك) نحو الدارِ.
    كَرَّتِ الأمُّ مذعورةً؛ قال لها الأبُ:
  • اعطِهِ قليلًا من الخبزِ وكوبًا من السِدرِ، إنَّه لم يطعم شيئًا منذ يومين.
    ودخل الاثنان الدارَ تتبعهما الأمُّ والأبناءُ، جلسَ الغريبُ وشرعَ يأكلُ خافضًا رأسَهُ في حين كانت تحملقُ فيه الأعينُ. الأمُّ مُنتصِبَةٌ تواجهه، والبنتانِ الكبيرتانِ- ابنتا مارتان – ترتكنانِ على البابِ بظهريهما، وكانت إحداهما تحملُ الوليدَ الصغيرَ، وكلتاهما كانتا تثقبانه بعيونهما التائهاتِ؛ والصغيرانِ جالسانِ على حافةِ المدفأةِ، توقفا عن العبثِ بالقدر الأسودِ من أثر الدُّخَّانِ كما لو كانا يتأملانِ الغريب.
    اتَّخَذَ ( ليفسك ) مقعدًا وسأله:
  • هل أنتَ قادمٌ من بعيدٍ؟
  • لقد جئتُ من ( سِتْ ).
  • على الأقدام؟!
  • أجل، لم يكن لدىَّ وسيلةٌ، فماذا أفعل؟!
  • إلى أين أنتَ ذاهبٌ إذن؟
  • لقد جِئتُ إلى هنا.
  • هل لديكَ معارفٌ هنا؟
  • نعم.
    أطبقَ الصمتُ على الجميعِ، في حين كان يأكلُ ببطءٍ كما لو كانَ مُستٍحيًّا، وكان يشربُ جرعةً من الكأسِ مع كلِّ قضمةِ خبزٍ. لقد كان ذا وجهٍ جَعِدٍ مُتَغَضِّنٍ من كلِّ الجوانبِ؛ وكان يبدو عليه أثر المعاناةِ الشديدةِ.
    استجوبَهُ ( ليفسك ):
  • ما اسمُكَ؟
  • اسمي ( مارتان ).
    استولتْ على الأمِّ رعدةٌ غريبةٌ؛ خطتْ نحو المجهولِ خطوةً لتراه عن قربٍ، وظلَّتْ في مواجهته بيديها المبسوطتينِ وفمها الفاغرِ. لم يعد يقولُ أحدٌ شيئًا؛ سأله ( ليفسك ):
  • هل أنتَ من هنا؟
    أجابَ: نعم.
    وحينما رفع رأسَه أخيرًا التقتْ عيناه بعينَىَّ الأمِّ وظلَّتْ مثبتتاتٍ كلتيهما على الأخرى كأنما قد تشابكَ ناظريهما. نطقتِ الأمُّ بصوتٍ مُتَغَيِّرٍ خفيضٍ ومضطربٍ:
  • هل.. أنتَ.. زوجي؟!
    ردَّ مُتَمَهِّلًا: نعم، إنَّهُ أنا.
    ولم يحرِّكْ ساكنًا، وقد استمر يقضمُ الخبزَ.
    صعقتِ الدهشةُ ( ليفسك )، فتساءلَ مُتَلَعْثِمًا:
  • هل أنتَ ( مارتان )؟
    أجاب الآخر ببساطةٍ: أجل، أنا ( مارتان ).
    تساءلَ الزوجُ الثاني:
  • من أين جئتَ إذن؟
    قصَّ الأوَّلُ:
  • من الساحلِ الإفريقيِّ، نجونا ثلاثةً على درجٍ، ( بيكار ) و( فاتيل ) وأنا؛ هاجمتنا الوحوشُ، ولم ينجُ إلَّا أنا. قابلتُ مُسافرًا إنجليزيًّا قادني حتَّى ( سِت )، وها أنا ذا أمامكم.
    شرعتِ الزوجةُ في البكاءِ مُخْفِيَّةً وجهها؛ قال ( ليفسك ):
  • ماذا أنتَ فاعلٌ الآنَ؟
    استفهم ( مارتان ):
  • هل أنتَ زوجها؟
  • نعم، بالطبعِ إنَّه أنا.
    نظر بعضهم لبعضٍ ثُمَّ صمتوا؛ حينئذٍ رأى ( مارتان ) الأطفال يشكلون حلقةً حوله؛ التفتَ إلى الفتاتينِ قائلًا:
  • أنتما ابنتَىَّ، أليس كذلك؟!
    ردَّ ( ليفسك ): بلى، إنهما ابنتاكَ بالطبعِ.
    لم ينهض ( مارتان ) أبدًا، كما لم يعانقهما، واكتفى بأن أكَّدَ قائلًا:
  • يا الله! كم أصبحتا كبيرتينِ!
    كرَّرَ ( ليفسك ) مُحْتَدًّا:
  • ماذا أنا فاعلٌ الآن؟ ماذا علىَّ أن أفعل؟
    لم يكن ( مارتان ) يعرف بالفعل؛ لكنَّه قرَّرَ أخيرًا:
  • إنَّني حسب رغبتك، وطوع أمرك؛ لأنني لا أريدكَ أن تُخْطِئَ. لكن بالعكس، بالنسبة للمنزلِ، لي ابنتانِ ولك ثلاثةٌ، والكلُّ ملكُكَ. أمَّا الأمُّ فهي لي ولكَ؛ وأنا حسب ما تحبُّ. أمَّا المنزلُ، فقد تركه لي والدي، إنَّه المكانُ الّذي وُلِدْتُ فيه، وهناك أوراقٌ تُثْبِتُ ذلكَ لدى العمدة.
    طفقَ ( مارتان ) يبكي، اقتربتِ الفتاتانِ ونظرتا إلى أبيهما بقلقٍ، انتهى من الأكلِ ثُمَّ قال بدوره:
  • ماذا بوسعي أن أفعلَ؟
    اقترحَ ( ليفسك ) فكرةً قائلًا:
  • من الواجبِ الذهابُ إلى القِسِّ، وهو سيقرر.
    نهضَ ( مارتان ) وأسرع نحو زوجتِهِ يعانقها مُنْتَحِبًا.
    قالت بهدوءٍ:
  • زوجيَّ الحبيبُ! أنتَ هُنا؟! يا ( مارتان ) المسكين!

              ( تَمَّتْ بحمد الله وتوفيقه )
ترجمة

التعليقات مغلقة.