قهوة المساء : جبر الخواطر بقلم الأستاذ داوود الاسطل
أعيروني من وقتكم خمس دقائق
الجبر : هو الإصلاح بعد الكسر .
وأشد أنواع الكسر على الإنسان هو الكسر المعنوي ، وما يصلح الكسر النفسي المعنوي هو جبر الخاطر .
إن الذي يتخلق بهذا الخلق العظيم انما ذلك من سمو نفسه ، وعظيم أخلاقه ، ورِقَّة قلبه ، وسلامة صدره ، ورجاحة عقله .
وعلى النقيض من ذلك فإن كاسروا الخواطر ، لا دين لهم وقلوبهم غلف ، ونفوسهم مريضة ، وأخلاقهم بذيئة ، وعقولهم سفيهة .
لقد تعرض النبي عليه الصلاة والسلام لأذِيَّةٍ نفسية حيث نعته قومه بالأبتر ، فجبر الله خاطره ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) .
إن جبر الخاطر خُلقٌ استثنائي ، يتميز صاحبه ، بل ويكمل به دينه ، وتكمل به أخلاقه ، ويسود به في أوساط مجتمعه ، ألم تقرأ قول الله تعالى :
( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) الماعون .
إن الأمر ليس متعلق فقط بالصلاة والصوم والعبادات وإنما متعلق بالسلوك وأثر تلك العبادات في حياة الناس .
ومن صور جبر الخاطر أيضا التغافل عن بعض السلوكيات المتسرعة من الزوج/ة او الجيران او الاصدقاء او المجتمع المحيط ، يقول ربنا سبحانه :
( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران 134 .
ومن صور جبر الخاطر ان لا تحاسب أحدا بجُرم غيره ، وقد أنتجت مراحل التحرر صور مقيتة من النَبْذ ، والمقاطعة والتهميش لأسر أشخاص أدينوا بفعل شنيع ، فغدا المجتمع يحاسب ذويهم !!
قال تعالى :
( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) فاطر 18
ومن صور جبر الخواطر إيواء اليتيم والمسح على رأسه ومراعاته ، بل وعدم قهره ، حتى لا يشعر بمرارة اليُتم .
والتبسم في وجه السائل وعدم نَهرِه او العبوس في وجهه وعدم التهكم على الناس بجريرة أفعالهم السيئة فجميعنا ضالون لولا هداية الله لنا ، ولا يعلم أحدنا على أي الطريق يموت ، ألم تقرأ قول الله تعالى :
( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ11) الضحى
ومن صور جبر الخاطر عدم الإعراض عن الناس ، والإستماع الى شكواهم ومحاولة مساعدتهم ، فلا تحقرن من المعروف شيئا ، فلربما مجرد استماعك لشكوى أحد الناس ، أدخلت عليه بهجة الإصغاء وكانت سبباً في التخفيف عنه او مدخلا لحل مشكلته ، أو حافزا له ، فلا تدري في أي الأمور يكتب لك الخير ، وخير موقف نستشهد به هو العتاب الجميل الذي عاتبه ربنا لنبية في قصة الصحابي الجليل عبدالله ابن ام مكتوم – وكان ضريرا – في قوله تعالى :
( عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى 4) عبس
حتى العبوس نوع من انواع كسر الخاطر حتى ولو كان عبوسا في وجه ضرير لا يرى ملامح وجهك ، فكونوا جابرين لخواطر الناس ولو بالتبسم في وجوههم .
وأيضا تعتبر القرارات المجحفة في حق الناس نوعا من كسر الخواطر ، التي لا يجبرها الا الرجوع عنها واعطاء كل ذي حق حقه .
اجبروا خواطر الناس بالكلمة الطيبة والابتسامة الجميلة ، وبالصنيع الحسن .
ولا تتهكموا على أحد وخصوصا الضعفاء . ولا تُضحِكوا الناس على حساب مشاعر الآخرين
ولا تتنمروا على خلق الله
واصغوا جيدا ، وتحدثوا برفق ولين واحسبوا كلماتكم جيدا فقد تكون سهاما قاتلة ، وغضوا ابصاركم ، فكم من نظرة قتلت وكم من نظرة أورثت وجعا .
فلسطين – غزة
28/10/2021
التعليقات مغلقة.