موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

تراجيديا ملحمية أم ناقوس خطر تطرقهُ “العبَّاسةُ” للشاعر محمود حسن

266

تراجيديا ملحمية أم ناقوس خطر تطرقهُ “العبَّاسةُ” للشاعر/ محمود حسن

بقلم/ سعاد الزامك


مقدمة


يقول ت. س. إليوت ” إن السبيل الوحيد للتعبير عن الوجدان في الفن هو إيجاد معادل موضوعي، بمعنى إيجاد مجموعة من الأشياء أو موقف أو سلسلة من الأحداث لتصبح قاعدة لهذا الوجدان بنوع خاص، حتى إذا ما اكتملت الحقائق الخارجية التي لابد وأن تنتهي إلى خبرة حسية، تحقق الوجدان المراد إثارته “. كما يضع على عاتق جماعة المثقفين مهمة نقل التراث الماضي وتنوير أذهان أهل الحاضر. ( إليوت لمتى فائق – صفحة 29 & 44 )
وعندما تقرا للشاعر “محمود حسن” تجد نفسك مجبرا على البحث في أرشيف ذاكرتك وربما مكتبتك أو حتى على الشبكة العنكبوتية لتطلع على أصول قصص أشار إليها بقصيدته رمزا أو تصريحا سواء كانت تاريخية أو دينية او غيرهما. عندئذ تستيقظ الأسئلة عن مقصده وغايته من تلك الإشارات والرموز.. أعن عمد لإحياء تلك القصص بما تحث على فضائل أو تنهي عن رذائل تغافل عنها البعض في عصرنا الحالي؟ أم لعلاقة وطيدة بينها وبين مضمون القصيدة بالربط بين واقع وماضي وتطلعا للمستقبل؟ أم لغرض في نفس الشاعر يغمُض عن أذهاننا، فيدفعنا، ويحثنا للتفكر فيه دون تصريح منه بذلك؟
يقول إليوت “إن أبلغ وظيفة للفن هو ما يفرضه من صيغة تصنيفية على الحقيقة العادية، فيها نعرف اتساق الحقائق وصلتها ببعضها البعض، وهذه المعرفة هي التي تولد فينا الشعور بالاتزان والصفاء. ووظيفة الشعر المسرحي في نظري هو إفساح المجال أمام هذه المعرفة لتصل إلى أعماق نفوسنا دون أن نفقد تلك الصلة التي تربطنا بمجرى حياتنا اليومية”. ( ت. س. إليوت صفحة 197 )
وفي “العباسة” انتقى محمود حسن قصة تاريخية متداولة دعمها بمشاهد لقصص قرآنية، ثم صاغها في قالب يتماهى بين الشعر والمسرح، قسمه إلى مشاهد وشخوص وحوار، ومزج فيه بين تراجيديا الواقع والحاضر وبين تجربته الشعرية والروحية في حبكة درامية وصياغة منمقة غلّفها بإطار جميل من التعبير اللفظي الماتع أضفت عليه صورة ملحمية تذكرنا ب”الإلياذة” و”الأوديسة” وغيرهما، وإن كانت غير أسطورية مثلهما.
هيا بنا لنبدأ جولتنا في “العباسة” لنزيح غموضا وإبهاما قد يعتريها أثناء قراءتها، كي نتمكن سويا من فهمها، والتفاعل معها على الوجه الأكمل، ووضعها في مكانتها الصحيحة.

العنوان :


بالنظر إلى عنوان القصيدة- وهو بوابة النص كما يُطلقون عليه- يُسائلني عن سبب اختيار محمود حسن لاسم “العباسة” عنوانا لقصيدته وديوانه. معظمنا بالتأكيد يعرف قصة الأميرة “العباسة” بما حوته من تحريمِ حِلٍّ عندما زوَّجها أخوها الخليفة العباسي “هارون الرشيد” بوزيره وأخيه بالرضاع “جعفر” على ألا يحلُ له منها إلا المجالسة بحضرة “هارون” فقط دون خلوة بينهما، وقد استلبهما حقهما الشرعي، فشعرا بظلم لم يطيقانه، وتمردا، وانشقا على عهدهما، وكافأتهما خلوتهما بالابن، وانتهت بقتل “جعفر” بأمر “هارون”، وسوف أعود بعد جولتي بالقصيدة لشرح نظرتي الخاصة للعنوان.

الإهداء :


جاء موجزا عبارة عن كلمتين فقط “إلى الإنسانية”، وكأن الشاعر أراد أن يدق ناقوس خطر قادم دون أن يحدد كُنهه، علَّ الإنسانية – بما تحويه من معان نبيلة- تنتفض ثائرة بقلوب ارتضت الخنوع لظلم الإنسان لأخيه.

العباسة :


يقول د. عبد الفتاح الديدي بكتابه ( الخيال الحركي في النقد الأدبي ص 7 ) “إن كل كاتب من الكتاب الأصلاء أو شاعر من الشعراء المُجيدين يخلق لنفسه عالما خاصا بمؤلفاته ولا ينفذ إلى هذا العالم إلا من امتلك وسائل النفاذ إليه واستحوذ على مفاتيحه وأدواته. ولذلك يعمد النقاد إلى تحليل الأعمال الأدبية من أجل تزويد القراء بأسرار هذا العالم الذي خلقه المؤلف لنفسه ومن أجل إعطائهم فرص المروق إلى دنياه”.
بالفعل في قصيدة “العبَّاسة” نلاحظ نجاح الشاعر “محمود حسن” في خلق عالمه الخاص مستندا على مزيج رائع من تاريخ وواقع، وقد أبى أن تكون القصيدة مضمارا للرومانسية وحدها، فناءَ إلى الواقع العربي الحالي الموجع، ولم يقنع بالاكتفاء بدور المتفرج الناقم أو أن يندب واقعه، بل قرر أن يصيغ تاريخا شعريا يسجل رأيه المتفِق أو الرافض للأحداث، فوضع ميزانه الشعري كشاهد عدل عليها. حقاً.. لربما مشهد بسيط يعظُم بنفس الشاعر، ويثير قلمه القاضي ليس من أجل إصدار حكم ولكن ليُفند القرائن، ويأتي بالدلائل على جُرم هذا المشهد دون شطط أو محاذاة أو زلل.
عندما استحوذت الفكرة على إحساس الشاعر تفجرت خبراته الظمأى كينبوع صافٍ، فتلألأت قصيدته في علياء الوجدان، ولبت اللغة طائعة، فساسَ مفرداتها التي لانت واسترسلت ما بين قلمه وأوراقه، ليشكلها بما يتوافق مع فكرته في محاولة لخلق كمالٍ منشود لمجتمعه المنكود مما أتاح لعباسته أن تخاطب العقل والوجدان معا.
وقد تجلت براعته في صياغة الحدث بعد مزج الماضي والحاضر ليغزل ثوبا أنيقا بموضوعية نجمت عن التحام الشعور واللاشعور في منظومة فكرية وجدانية. إذن يدفع “محمود حسن” المتلقي لفهم الحاضر من خلال الماضي باستخدام رموز تاريخية قريبة الشبه بالحدث دعمها بمشاهد قرآنية تُدانيها شبها، لتحث المتلقي على استنباط مستقبل أفضل بتلافي أخطاء الماضي سواء كان القارئ مع أو ضد تلك الرموز أو الحدث.
كذلك لا يضل المتلقي سبيله بين سطور “العباسة” رغم ما قد يغمُض على ثقافته من معلومات أو على ذهنه من أفكار وأهداف يرمي إليها الشاعر حتى وإن لم يستشعر تسلسلا منطقيا منتظما من وجهة نظره كقارئ، بل يستشعر بأنه ألمَّ بأطراف الموضوع وأحكم قبضته على الهدف بعد القراءة المتأنية.
تتودد القصيدة إلى المسرح الشعري نسباً، وعلينا أن نتأمل عناصرها لإثبات النسب أو إنكاره..

فهيا بنا نُفندها لنستخلص النتائج من خلال عناصر المسرحية المتعارف عليها:

  1. الحادثة: كل المواقف والوقائع والأحداث في “العباسة” تقوم على الحوار لا السرد، والاكتفاء بالوقائع المهمة سواء تاريخية أو معاصرة دون الخوض في التفصيلات التي تشت ذهن المتلقي.
  2. الفكرة: تصور “العباسة” الصراع المتأرجح بين( خير وشر، أمل و يأس، حق وباطل )، والذي يعانيه الواقع، فينتابه الخوف على مستقبل مرتجف على شفى هوة سحيقة مدلهمة حفرها ظلم الإنسان لأخيه دون مراعاة لحق دم أو لبن الأم، وقد اعتمد كاتبها على الواقع والتاريخ والقصص القرآني والصراع النفسي معا، فبدت كمسرحية واقعية تاريخية نفسية روحية.
  3. البناء والخط الدرامي: قسم الشاعر قصيدته إلى مشاهد، يتصاعد الصراع في الخط الدرامي إلى غايته مرورا بمحن يعاني منها المجتمع العربي الذي تناسى أو تغاضى عن مثيلاتها التاريخية، ويتنامى الصراع نحو قمة مشحونة بالتوتر، ثم يتجه نحو خاتمة محتومة لا فرار منها ليضع النهاية المنتظرة.
  4. الشخوص: شخوص القصيدة سواء كانت محورية أو ثانوية تنبض بتفاعلات الحياة والانفعالات دون مغالاة، فبعضها مفعم بالإقدام وآخر يسربله الانسحاق من خلال الربط بين رموز حقيقية تاريخية وأخرى مهمشة واقعية، وكان ذلك بالإفصاح عن مكنون النفس والأحاسيس المختلفة والانفعالات النابعة من المشهد التاريخي والواقع معا، فخلق الدراما النفسية بالنص.
  5. الزمان والمكان: الزمان بالقصيدة محدد، وقد استبعد الشاعر التفاصيل غير المهمة، وتنوعت وتعددت الأماكن تبعا للشخوص والمشاهد، وقد صور كل مكان بما يلائم طبيعته مما يجعل “العباسة” تتلاءم مع إمكانيات منصة المسرح.
  6. الحوار: استخدم الشاعر الحوار الأحادي( بين الشخص ونفسه كمناجاة) لتوسيع الدائرة التي يتحرك فيها أبطاله وشخوصه، و أحيانا جاء الحوار بين أكثر من شخص. لذا يُعدّ الحوار الحوا- من وجهة نظري، وإن خالفني كثيرون- البطل الرئيسي للقصيدة، بالإسهاب أحيانا من أجل التعبير عن الأحاسيس الجياشة المختلفة والكشف عن أغوار الشخصية وهمومها ودوافعها الخفية، وباستخدام تعابير منمقة ومفردات وصور تصف الحدث وتبلوره.
  7. الصراع: الصراع هو عقدة المسرحية حسب المتعارف عليه أدبيا وفنيا، وقد اتخذ “محمود حسن” الحوار للتعبير عن الجانب المعنوي لعمله حتى تعاظم الصراع وتأزم الموقف إلى أن وصل إلى حل العقدة في نهايته.

تصنيف القصيدة:


من كل ما سبق عرضه أؤيد أن “العباسة” قد اقتربت من المسرحية الشعرية المأساوية بتصويرها لتراجيديا الواقع من خلال قصة تاريخية انتهت بفاجعة وأكدت بذات الوقت على قيمة الإنسانية، حيث اتخذ الشاعر أبطال قصيدته من قصة شهيرة بحياة “هارون الرشيد” أشهر خليفة عباسي ذِكرا. تميزت أبياته بالجدية وحدة العواطف التي انتابت شخوصه، فأدت بهم إلى صعوبة الاختيار في المواقف التي رسمها بعناية فائقة، بالإضافة إلى سمو اللغة التي انتشت على ألسنة ابطاله.

بعض من جماليات القصيدة:

  1. كرس الشاعر إمكانياته الثقافية واللغوية والحسية للتعبير عن قضايا مجتمعية معاصرة، فجسد للقارئ معاناته وآماله ومآسيه وكُنه بعض الأمور بالخلط بين حقيقة وخيال مستعينا بالرمزية كعنصر تعبير عن قضايا متشعبة شائكة، فأبرزها في قالب ملحمي من خلال شخوصه، ذاك القالب تحُدّه أبعاد الاستياء من الواقع وأخلاقيات ومُثل مفتقدين.
    فيقول مثلا في المشهد 7:
    حينَ تآكلَ حَبْلُ الشعبِ السُرُّىٌ
    ما كانَ لَدَى يُوسُفَ إلّا أنْ يَسْتَلْطِفَ جُبَّهْ
    وقد استدعى “يوسف” عليه السلام رمزا لجحود الإخوة، حيث تآكلت الصلات بين الشعب بانقطاع الحبل السري، مما نتج عنه استلطاف “يوسف” لسجنه، ولم يبغضه كبديل عن حب مُشتهى من إخوته .
  2. بيت “محمود حسن” الشعري أكثر طواعية وسلاسة في التعبير عن دراما الواقع، وكأنه ألبسه ثوب الفجيعة المتنمر دون أن يخدش رقة رومنسيته، فأنبت زهور الألق من طمي الألم.
    فيقول مثلا على لسان “زبيدة” في المشهد 6 “:
    قل لي
    كيفَ يكونُ الحاكمُ رُخّاً جبَّاراً في مجلسِ حُكْمِهْ
    ويكونُ بحضنِ زُبيْدةَ طفلاً يتَعَثَّرُ لمَّا يخطو؟
    أدوارٌ كُثْرٌ تلْعبُها في مسْرَحِنا، وتُجيدُ اللعبةَ في بضعِ ثوانٍ
    عجباً كيفَ تَجاوَرَ هذا الصوتُ العاشقُ والسَّوْطُ
    وهنا ترسم الدهشة علاماتها على حديث “زبيدة” من زوج جبار في مجلس حكمه بينما يصير طفلا متعثر الخطى في حضنها، هذا الرجل ذو الأدوار المتعددة بأحاسيسها المختلطة من حنان وحب وجبروت وتسلط بذات الوقت.
  3. يظهر جليا للمتلقي تلك النزعة الصوفية والروحية بالقصيدة من خلال استغلال الشاعر للمعجم القرآني في مواضع عديدة.
    فيقول مثلا في المشهد 3 مستوحيا قصة “قابيل وهابيل” من القرآن:
    لكن إن شَبَّ الرَّجُلانِ
    وارتكبَ الأولُ معصيةَ الذبحِ
    الأولي
    جاء غراب الأرض كطاووسٍ ليعلم
    هارونَ طقوسَ الدَّفن ويفقأَ عين
    الإنسانِ
    وظللتُ أردِّدُ والسكين السَّاخِنُ
    في عنقي
    إن تبسطْ يدك الآن إليَّ لتذبحني
    يَمْنعْني أن أسفكَ دمِّي من قلبكِ
    ثديان
  4. كما أرى من وجهة نظري أن “محمود حسن” قد تعمد إثارة الفزع في نفس القارئ وإرباكه من خلال صور صاغها بإتقان ومفردات منتقاة بعناية، ليُبين مدى ما آل إليه الحال العربي وما سيكون في حال الاستمرار في سفك دماء الوطن واستحلال حرامٍ من أجل مكاسب شخصية، فخلق تراجيديا صارمة صادمة بما فيها من صراع ونزاع على السُلطة يتبعها نتائج وخيمة حتمية. قد يخالفني البعض من طرحي الفزع كلمحة جمالية، ولكنها كذلك بالفعل، لما ستتركه بنفس القارئ من حذر لتلافي تلك المشاكل والسوءات.
    فيقول مثلا في المشهد 8:
    كَسَروا الفَّخار على رأْسي، ذَبَحوا أشيائي بينَ يَدَيْ
    نحنُ الإخوةُ والأصهارُ وأصحابُ الدِّينِ الواحدِ والحرفِ الأَزَلِيْ
    لكنْ إنْ ظهرتْ ثَمَّة أطماعٍ في الكُرْسِيْ
    يَشْنُقْنا الشيخُ المُفتي، والجِنِرالُ القائدُ، والشعبُ المُتَسَلْسِلُ في الميدانِ الكَاذِبِ، والعِرْقُ النَّافر والدُّولارُ العَرَبِيْ
  5. لم يغفل الشاعر اظهار الجانب الرومانسي للإنسان على لسان بعض شخوص القصيدة النسائية بما تمتلكه من رقة وعذوبة وإقدام دون مغالاة أو اسفاف، وربما كان الهدف تخفيف حدة الموقف أو الصراع وليس من أجل الرومانسية البحتة.
    فيقول مثلا بلسان “زبيدة” في المشهد 6:
    آهٍ من عِطْركَ يا هارونُ، ومن عينَيْكَ الماكِرَتين، الحَانِيتنِ على قلبِ زُبيْدة
    عيناكَ، وما عيناكَ سوي بحرٍ ليسَ له شطُّ
    الآنَ زُبيدةُ في قصركَ سَيِّدَةٌ ومليكةْ
    صارت حُلمَ نساء الأرض المُمْتدَّةِ من هذا البحر الشَّرْقِيْ إلى الغَربِيْ
    صارتْ شِعراً عَبَّاسِيَّاً يُرْوَى بعطاءٍ لا يخشى الفاقةْ
    الآن يَعِزُّ الشعراءُ فلا ثمَّةَ مُنْحطُّ
    وقد سطّر مناجاة “زبيدة” لزوجها “هارون” بمفردات تنم عن شغف الأنثى واحتياجاتها مثل عطرك، الحانيتين، سيدة ومليكة، حلم نساء الأرض، صارت شعرا يروى بعطاء.
    الأمثلة والجماليات بالقصيدة كثيرة ومتنوعة لم أشأ أن أثقل عليكم بطرحها جميعا، بالإضافة لرغبتي في محاولتكم قراءتها بذائقتكم الخاصة لتستشعروها.
    عودة إلى العنوان:
    بعد الغوص بين سطور القصيدة لمحاولة التقاط نفائسها وتفنيد كوامنها وعودة إلى سبب اختيار الشاعر “العباسة” عنوانا لقصيدته، أرى أنه قد عقد مقارنة بين أسباب انهيار الدولة العباسية وحاضرنا حيث التشابه الكبير من نزعات شعوبية لتفضيل عِرق عن غيره، مما أدى إلى انقسام الشعوب لطوائف وأحزاب، تتصارع أراؤها، فتزيد من مساحة الخلاف السياسي والديني، والتخلص ممن يخالف هاك الفصيل بسجنه أو قتله. عندئذ خشي “محمود حسن” من مصير مشؤوم يحوم فوق المشهد العربي الحالي ينتظر أن يأكل من رأس بنيه، فكتب قصيدته “العباسة” كرمز للدولة العباسية بما آل إليه مصيرها من تفكك واندثار، ولما لقصتها من دلائل.

خاتمة


حين امتطيت سفينة “العباسة”، وشاهدت الاستقبال الموجع بتلويح السيف إلى تلك العينين العاشقتين شعرت بقشعريرة خوف، فترددت قليلا في الاستمرار برحلة التنقيب في كوامنها، ثم واجهت خوفي بدرع قناعتي التامة في براعة قلم الشاعر “محمود حسن” رغم ما أثاره في نفسي هذا الإحساس، فقررت المغامرة وخوض الرحلة.
يري د.رتشاردز مؤسس المدرسة السيكولوجية “إن الإنتاج الفني الجيد يترك في نفس القارئ أثرا حميدا من شأنه جلب المتعة والشعور بالراحة والرضى كنتيجة لحالة التوازن التي يحس بها القارئ بعد استمتاعه الحقيقي بالعمل الفني، وتوازن سيكولوجي مُنصب على الانفعالات والدوافع”. ( إليوت لمتى فائق صفحة 27 )
يالها من رحلة أثارت حقا بروحي لذة طاغية ومتعة أكبر اجتاحت عقلي الواعي واللاوعي، فكلما توغلت بين سطور العمل الأدبي من أجل التفنيد والتشريح، أشعر بظمئ أكبر يستحثني على الارتواء من نبع المتعة الشعرية، وكلما انتهيت إلى مغزى نُسج بمهارة كاتبه أتلهف على اقتناص غيره ربما استطعت فك اشتباك الأحاسيس وكشف الغموض إن وُجد بربوعها. لقد استدرجتني “العباسة” للتجول بين زهورها وأشواكها عدة مرات للاستزادة من روعتها، وفي كل مرة أتذوق جمالا مغايرا لسابقه، لذا أؤكد أن “العباسة” ما هي إلا ملحمة تاريخية تتشح بثوب عصري، وقد سطَّرها “محمود حسن” بمداد مختلف.
في النهاية أود أن أشكر الشاعر الكبير “محمود حسن”.. أولا: على ذلك العمل الفني الرائع وقصيدته الدسمة المفعمة بالعديد من الرؤى والأحداث ، ثانيا: أتمنى إعداد “العباسة” مسرحيا لعرضها على مسرحه، وثالثا: على اتاحته الفرصة لي لطرح رؤيتي الخاصة عن ملحمته الشعرية.
سعاد الزامك

التعليقات مغلقة.