الهندسة النفسية-2 الطبع بقلم أحمد فؤاد الهادي ـ مصر
الطبع :
من الجدير بالإشارة قبل أن نستطرد في هذا الموضوع أننا نناقش ما يمكن أن يفعله المجتمع مع أصحاب الطباع السيئة، الذين فاتهم جهاد النفس الذي أمرنا به الله ورسوله، فليس من المنطقي أن يتحمل المجتمع ذوي الطباع السيئة على أمل أن يجاهدوا أنفسهم، فهذا أمر سيحاسبهم عليه الله سبحانه وتعالى.
والسؤال تحديدا: هل يمكن للمجتمع أن يغير طبع إنسان تغييرا حقيقيا وليس صوريا حتى يكف هذا الإنسان عن إيذاء الآخرين بطبعه؟ وفي هذا الإطار فقط نتحدث.
فالطبع هو مالا يمكن تغييره أو تعديله أو محوه، فإذا أردنا تغييرة أو تعديله فلن نجد إلى ذلك سبيلا، سواء كان هذا التغيير أو التعديل إلى الأسوأ أو إلى الأفضل قياسا بما نعتقده من مقاييس، ولا يمكن محو الطبع حتى يزول المطبوع عليه. ورغم أن الطبعة التي يخرج عليها الإنسان إلى الحياة تشمل الشقين المادي والمعنوي كما أسلفنا، إلا أن الشق المعنوي انفرد بالمسمى، فصار الطبع إشارة إلى الشق المعنوي الخفي منفردا.
ولعل تعريف الطبع بالشيء الذي يستحيل تعديله، هو ما تعلمته التجربة البشرية من خلال التفاعل بين أناس ذوي طباع مختلفة، ومحاولة المجتمع من خلال كل خلاياه المتمثلة في الأسرة والمدرسة والشارع والسلطة والقانون أن تقَوِّم الطباع السيئة التي يكتشفونها في الأفراد، مستخدمين كل الوسائل المتاحة والتي تبدأ بالشرح والتوضيح والنصيحة، ثم العقاب الخفيف الذي قد يتدرج ليصل إلى العقاب الجسدي، وإلى هذا الحد تقف محاولات الأسرة والمدرسة حائرة، فشيء من التغيير لم يتحقق، وعندما تكون تلك الطباع فيها ما يؤذى الأخرين، فإن الأمر في النهاية سيؤدي بصاحبها إلى الصدام الشديد مع المجتمع، ويظهر دور السلطة والقانون، ويصبح العقاب بحبس الحرية لمدد قد تطول أو تقصر طبقا لحجم الضرر، وتتصاعد العقوبات حتى تصل إلى القضاء على المطبوع وإعدامه تخلصا من طبعه السيء.
وتلخصت التجربة البشرية مع الطبع في المثل الشعبي الذي يقول: ” الروح تطلع والطبع مايطلعش “.
وفي كل إنسان طبع أو طباع سيئة، تلح عليه بأن يعيش بها بين الناس، فيستسلم في الغالب لتلك المادية منها والتي يراها الناس محاولا أن يجملها قدر الإمكان ما ستطاع باستخدام وسائل شتى تتوقف على إمكانياته المادية ومدى قناعته بتأثير هذه الصفات على مكانته أو نظرة الآخرين إليه، وكلما ألحت عليه تلك الطباع المادية بأنها سبب في عدم احترام الآخرين له، أو تجنب مجالسته، أو أنها سبب في عدم جذب مودة الآخرين، كلما سعى إلى تغييرها أو محاولة إخفائها، ومع تقدم الطب واهتمامه بعمليات التجميل التي قد يحتاجا البعض وخاصة من تعرضوا للحوادث المختلفة أو الحريق حتى يصلحوا ما أمكن مما تخلفه لديهم من تشوهات، استحدثت تقنيات ومواد ووسائل دفعت بهذا النوع من العمليات قدما وأصبحت نتائجها مرضية للكثيرين، مما أغرى هؤلاء الذين يعانون من تشخص مادي يضيقون به أن يلجأوا إلى الأطباء لإجراء العمليات التجميلية المختلفة متحملين المخاطر والتكاليف وأحيانا التملق من المحيطين بهم، ولعل هذا دليل لا يقبل المناقشة على المعاناة النفسية التي يعانيها مثل هؤلاء.
وكما يعرف الإنسان طباعه المادية السيئة، فهو أيضا يعرف تماما طباعة المعنوية السيئة، والفرق الجوهري بينهما أن إحداهما معلنة والأخرى مخفاة أو على الأقل لا يكتشفها كل من يتعامل معهم، فإذا تزايد عدد من يرونشها فيه، وصفه الناس بها مما يعطيه إحساسا بأنه لم يعد هناك جدوى من إخفائها وما يعكسه هذا الإخفاء من معاناة يعانيها سرا، فيكشف عنها دون حياء ولا يهتم برد الفعل المقابل من الآخرين، ويصل ذلك إلى حد المجاهرة والتباهي بالطبع السيء. ودعنا نخص الشق المعنوي وحده بكلمة “الطبع”، تماشيا مع مفهوم الناس لهذا اللفظ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات مغلقة.