موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

أصحاب التل بقلم أحمد فؤاد الهادي

217

أصحاب التل بقلم أحمد فؤاد الهادي

بينما كان أقرانه من الأطفال يلهون ويلعبون في “الإكوابارك” المبهرة بألوانها وتجهيزاتها ويجربون كل ألعابها التي تفضي بهم في نهايتها إلى “البيسين” المصمم على شكل قلوب متداخلة يترقرق فيه ماء صاف مطهر بالكلور ومنقى بالفلاتر الصحية، فيكتبون بأجسادهم الغضة على هذا الماء المدلل صفحات من حياتهم وكأنهم يعدونها لما هو آت من ترف العيش ورفاهية الحياة والحصول على كل شئ قبل أن يفكروا فيه، وتختفي أحلامهم طواعية لعدم حاجتهم لها.

وبينما هم في ذلك كان المسكين غارقا في موجة من الضحك على قفشة سمعها من زميل له وهما يعتليات تلا من القمامة تفوح منه رائحة العفن التي علقت بثيابهما المهلهلة بل وبجلودهم أيضا حتى ألفوها وصارت هي تلك رائحة الحياة الطبيعية.

ما أن هدأت نوبات الضحك حتى حلت على وجهه ابتسامة بدت مشرقة ومعبرة عن الرضا التام فعاد ينبش بأصابعه الصغيرة في هذا التل فيلتقط كل ماهو مصنوع من البلاستيك ويلقيه في قفة كبيرة إلى جواره، قال لزميله الغارق في كومة من الكرتون الممزق:

  • عارف يانظيف .. أنا لازم أخلص بدري عشان رايح مع أمي القرافة.

رد عليه وعيناه مسلطتان على التل ويداه لم تكفا عن التقاط الكرتون وحشره في جوال ضخم :

  • هو انتو كل يوم عندكم ميت؟

رد سعيد الذي يبدو أنه لم يكن سعيدا بتهكم صاحبه:

  • أمي رايحة تزور أبويا في القراقة وقالت لي لازم تيجي تشو ف أبوك وتقرا له الفاتحة.

سأله نظيف باستغراب:

  • هو انت أبوك قاعد في القرافة ليه؟

رد سعيد بحنق:

  • ميت مرة قولت لك أبويا ميت .. يعني ميت ومدفون هناك .. على فكره معاه خالي وجدي، بس أمي بتقرا له هو الفاتحة لوحده، بتقول لي أنه كان شغال في المجاري وزي الفل وان خالاتي كانوا بيحسدوها عليه.

سأله نظيف باستغراب:

  • طيب ليه سابته يموت؟

رد سعيد بحسرة:

  • جاله المرض الوحش وماكانش عندها فلوس تعالجه.

كان الحديث شيقا يتبادلانه وأيديهما لاتكف عن الإلتقاط وكأنها ماكينات مبرمجة ، حتى إذا امتلأت قفة سعيد وجوال نظيف التفت كل منهما إلى الآخر وعلقا حمليهما على ظهريهما بحرفية ويسر وأخذا يخوضان بأقدامهما الحافية المسودة أمواج بحر القمامة في طريقهما إلى سفح التل انتظارا لسيارة المعلم لتقلهما بما يحملان إلى حيث المقلب ليفرغ كل منهما مافي جعبته في المكان المخصص لنوعيته ويقبضون الثمن طبقا للميزان الذي يشرف عليه مسئول المقلب.

كان سعيد في عجلة من أمره، يود أن يطير ليفي بموعده مع أمه، ولكنه كان مضطرا لانتظار سيارة المعلم عندما تأخذ طريقها عائدة إلى قلب المدينة.

جلسا في ظل سور المقلب يلفهما الصمت وعلى وجهيهما بدت علامات الشرود فاكتملت لوحة التشرد التي رسمتها ثيابيهما وتعطر الجو بريحهما العفنة.

تحدث نظيف وهو متمسك بشروده وبصره معلق بلاشئ:

  • عارف ياسعيد، أنا أبويا راجل طيب قوي، سواق على عربية تاكس بتاعت واحد جارنا، طول النهار بيلف وساعات طول الليل كمان، عارف ياسعيد.. بيقول لي ساعات ناس تعامله وحش أو يشتموه حتى، وهو بيخاف على عربية الراجل اللي بياكل منها عيش .. مابيردش عليهم، بيقول لي بابتسم لهم يابني عشان اليوم يعدي وأرجع في أيدي لقمتكم. عارف ياسعيد … أمي عمرها ماسابته في حاله، دايما منكده عليه، كان الأول بيعاتبها بالراحة.. هي زادت لحد مابقي مايردش عليها، أنا عارف أنه بيتكسف منى أنا واخواتي لما تطول لسانها عليه وهو مايردش .. دا ساعات حتى يبتسم.

سأله سعيد مندهشا:

  • وهي أمك بتعمل كده ليه؟

ابتسم بمرارة:

  • عايزة تبقى هى المعلم، يعنى تبقى هى الريس في كل حاجة، بس خلي بالك .. هي مابتقولش، بس أنا واخواتي فاهمين، أنا باحبها، بس نفسي أروح مالاقيهاش عشان أبويا بيصعب على.

أطلقت سيارة المعلم أبواقها المزعجة إذانا بقرب رحيلها فانتفضا وكأنهما ينفضان ذهنيهما من كل مادار بينهما وتيادلا الضحكات في مزاح كثيرا مايجمعهما واتخذا طريقهما إلى حيث تقف السيارة وشعرا بالسعادة وهما يحتلان مكانا رحبا في صندوقها الخلفي الحافل بالبروزات الحديدية القاسية بعد أن أفسحت لهما القمامة المكان وكأنها أمهما الحنون.

لم تكن البيوت تعني شيئا لهما سوى أنها المصدر الأساسي لتلك القمامة التي توفر لهم دخلا معقولا يمكنهم من الاستمرار في هذه الحياة، ولكن إحساس غريب كان يملكهما في آن واحد يجعلهما يشعران بأنهما في انتظار شيء ما لا يعرفان كنهه، ولكنه سيبدل حياتهما إلى شكل آخر و يدركون أنه أفضل بكثير مما يعيشانه، وكثيرا ماتصارحا بهذا الخاطر ولكنهما لم يدركا له تفسيرا.

التقيا ككل يوم فوق تل القمامة المرتفع في الجانب الأيمن للطريق الذي يشق منطقة سكنية راقية، كان ارتفاع التل يقارب الدور الأول للعمارات المجاورة، لم يحاول أي منهما أن يسترق البصر أو السمع إلى النوافذ المفتوحة التي تطالها أعينهما وأسماعهما من فوق التل لو أرادوا، ولكن ذلك لم يكن يمثل لهما شيئا يسعون إلى معرفته وكان كل همهما هو جمع أكبر كمية ممكنة من نوعيات القمامة المفضلة لديهم والتي تخصصوا فيها.

لم يكن ليشاركهم أحد في مكانهم هذا سوى قطط الشوارع التي تسعى في أنحاء التل بحثا عن لقمة العيش، وكانا يتعجبان من أمر هذه القطط ، فما التفتا ولو مرة واحدة إلى أي منها إلا وجداه يمضغ ويبتلع فيتعجبان ويتساءلان بينهما :

  • كيف للقط بهذا الرزق الوفير؟

تساءل نظيف:

  • لماذا لانبحث نحن أيضا عن طعام يناسبنا في هذا التل؟ لماذا نكتفي بجمع الكرتون والبلاستيك؟ مارأيك ياسعيد؟

لمعت عينا سعيد وهو ينظر لنظيف قائلا:

  • قصدك يعني…؟

وظهر الحماس على نظيف وهو يشير إلى برتقالة كانت تحت أرجل سعيد تماما:

  • خد ياسيدي ..آدي برتقانة تحت رجليك .. مالها .. آهي زي الفل. قالها وهو ينحني ويأخذ البرتقالة التي قشرها بأسنانه ثم قسمها بيديه المتسخة فأضفى عليها من رائحة القمامة النتنة ماأخفى رائحة البرتقال ومد يده إلى سعيد بالنصف وهو يدس النصف الآخر في فمه ولم يتح مجالا لتردد صاحبه فدس في فمه نصيبه وسالت قطرات من عصير البرتقال من فميهما فشربت ملابسهما الرثة شيئا نظيفا لأول مرة.

القطط تروح وتجئ ويتشاجر بعضها مع البعض في صراع على لقمة شريفة، إلا أن هذا القط يتحرك وكأنه يزحف على بطنه والرعب يملأ عينيه ويبدو أنه حتى فقد القدرة على المواء فكان يئن بصوت كسير منخفض فلتفتا إليه فإذا هو مختلف تماما عن كل القطط التى يعرفونها جيدا، شعره ناعم ذو ألوان لم يروا مثلها من قبل، ذيله سميك يكسوه شعر كثيف، وجهه كوجه طفل جميل، حتى أن سعيد نفض يديه ومسحهما بخرقة لمحها تحت قدميه قبل أن يهم بلمس هذا القط الخيالي. قلب نظيف فيما جمعه من كراتين حتى اهتدى إلى واحدة يمكنه أن يصنع منها صندوقا يحفظ فيه هذا المخلوق البديع، وما أن أعد صندوقه حتى وضع سعيد القط فيه بمنتهى الرقة والحرص والتفت إلى صاحبه:

  • إنه جائع، لقد أكلنا مما جادت به القمامة مثلنا مثل القطط التي حولنا، أما هذا فمن أين لنا بطعام يليق بمقامه؟ قال نظيف:
  • أنا عمري ماكنت في نظافته حتى لما باستحمى!! دلوقتي هاتلاقي حد جاي يدور عليه.

ووضعا الصندوق جانبا وعاودا عملهما بهمة ونشاط إلى أن ترامى إلى سمعهما صوت رقيق ينادي:

  • دودي .. دودي. وشعرا مع النداء بحركة القط يتخبط بجدران الصندوق فاستقاما في وقت واحد وتبادلا نظرات سريعة وكأنهما يتحاوران، تكرر النداء الرقيق وتبعته صوت حركة القط فسارا في اتجاه الصوت ليروا فتاة لم تبلغ العشرين بعد فاتنة الجمال منمقة المظهر تخفي عينيها خلف نظارة عسلية اللون، انتظرا حتى تكرر النداء فلوحوا لها حتى نظرت اليهم وبادرتهم:
  • بادور على دودي .. قطة بني في سيمون .. شوفتوها؟

فهموا كل شئ إلا كلمة سيمون تلك، ولكنهم لم يهتموا كثيرا بعد أن تأكدوا أنها تبحث عن الأسير ساكن الصندوق، هزوا رأسيهما في آن واحد وحمل نظيف الصندوق بحرص زائد وهبطا سويا إلى حيث تقف فأسرعت تنظر في الصندوق وكادت تطير فرحا وهي تصرخ :

  • دودي حبيبتي .. روحتي فين يامجرمة .. واحتضنت قطتها وهي تنظر إلى المسكينين بسعادة لم يعهدوها من البشر وتقول:
  • لازم تيجوا معايا عند بابا .. وقبل أن يرد أي منهما ، التفتت إلى حيث توقفت سيارة فارهة يقودها سائق وفي مقعدها الخلفي جلس والدها أيمن بك السنجابي ضخما فخما وهو يتابع أبنته من نافذة السيارة وفهم مما رأ ى أنها قد عثرت على قطتها.

طارت جودي إلى أبيها فرحة، وتمسحت بكتفه وهي تقول:

  • بابي لازم تكافئ الولاد دول.. أنا عايزاهم يحضروا عيد ميلادي عشان أحكي عنهم لاصحابي .. عشان خاطري يابابا. تعجب الرجل من طلبها، فعيد ميلادها بعد أسبوع ويحتفلون به كل عام في القرية السياحية التي يمتلكها الرجل في الغردقة، تعجب الرجل كيف يحقق لها طلبها، كيف يدخل أمثال هؤلاء الزبالين “سنجابي ريزورت” ذات النجوم الخمس، فقد يصابا بصدمة عصبية، وقد يصيبون نزلاء القرية بصدمة عصبية أيضا. لكنه وتحت الحاح إبنته الوحيده وجد عقله وقد بدأ يدبر الأمر حتى ينقله من المستحيل إلى الممكن، فلما اكتملت فكرته في رأسه، التفت إليها في حنان وحب وهو يقول:
  • حاضر ياروح بابا. احتضنته قدر طول ذراعيها وأمطرته بالقبلات وسألته:
  • أنده لهم؟ فاومأ برأسه موافقا، سارعت عائدة إلى حيث كانا يتابعان مايجري، عندما أصبحت على بعد خطوات ملأت رائحة القمامة النتنة أنفها وغلفت كل شئ حولها وتاهت رائحة العطر النادر الذي تعشقه، فتوقفت فجأة وهمت بالرجوع، توقفت لحظات وهي تسأل نفسها: كيف لم تشم هذا العفن عندما كان لها مطلبا تسعى إليه؟ كانت قد استدارت بالفعل إلا أنها أشفقت على هذين المسكينين، فالتفتت برأسها فقط ونظرت إليهما وكأنها تعتذر لهما عن الدعوة التي لايعرفون عنها شيئا ثم جرجرتها ساقاها إلى حيث أبيها الذي ألهمه ذكاؤه أن يتركها هي تلغي فكرتها ويظل هو صاحب فضل القبول. ربت على كتفها وهو يقبل خدها ويقول:
  • عيد ميلاد سعيد ياجودي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد فؤاد الهادي ـ مصر.

التعليقات مغلقة.