بدأ غريبا ويعود غريبا …
بقلم: حاتم السيد مصيلحي
بدأ غريبا ويعود غريبا:
بقلم: حاتم السيد مصيلحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإيمان بدين معين ليس بالأمر الهين، ولو كان الأمر كذلك مابعث الله أنبياء ورسلا لهداية الناس إلى صراط الله المستقيم، وعضدهم بآيات ومعجزات دالة على صدق دعواهم، وخاضوا معارك فكرية وعقائدية ضارية، وعسكرية طاحنة؛ لتبديد سحب الضلالة، وبزوغ شمس الهداية، وإحلال نور اليقين محل عتمة الكفر والغواية ، لاختلاف طبيعة الإنسان التي خلقه الله عليها عن بقية المخلوقات الأخرى، وهو من حمل الأمانة حيث قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72]
وما خلق الله الإنسان إلا للعبادة، حيث قال جل شأنه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56] فاعتناق الدين تلزمه ضوابط شرعية، والتزامات تعبدية، تمحو أي موروث مخل، أو معتقد مضل، وتلك هي العقبة الكؤود التي تحول بين المرء وقلبه، حيث قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170]
وقد خاطب الدين العقل الإنساني ـ المنوط بالتكليف ـ بآيات الإقناع لتثبيت فكرة الوحدانية حيث قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء : 22] وقوله سبحانه: {أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل : 64] وضربه للأمثال؛ لتقريب المعاني للأفهام في قوله سبحانه: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر : 29]
ورغم كل تلك المؤثرات العقلية والحسية، ظل الدين أزمانا عديدة غريبا بين قومه، يفر به معتنقوه من وجه الطغاة الجبابرة الذين أذاقوهم سوء العذاب، حيث استحلوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم، ونفوهم في الأرض؛ من أجل سلب معتقدهم، ولكنهم فضلوا أن يعيشوا غرباء بدينهم أو يهلكوا دونه عن أن يكفروا أو يضلوا بعد أن هداهم الله إلى صراطه الحميد المجيد.
وبعد أن استقر الدين في القلوب، وعم أرجاء الأرض، يعبد فيها الله سبحانه دون شريك،ودون وصاية كهنوتية، أو صكوك تعبدية، أطلقت حرية العبادة للناس تحت شعار ( الدين لله والوطن للجميع)، عاد الدين غريبا بين أهله لاتنهاهم آياته عن منكر فعلوه، ولاذنب اقترفوه، وإذا ذكروا بها تلهو عنها غير مكترثين، وعن الآخرة غير ذاكرين، وعن ذنوبهم قائلين " إن الله غفور رحيم " دون أن يفقهوا حكمها، أو يفسروا قصدها، وسعى أعداء الدين بإشاعة الفتن بين الطوائف المختلفة، والمذاهب المتعددة، بإثارة المسائل المؤججة لها، وبث المناظرات الهدامة، فيكفر بعضهم بعضا حتى لوكانوا من ملة واحدة، ففقد الناس صوابهم، وارتموا في أحضان المادة جريا وراء تلبية احتياجاتهم، واحتياجات من يعولون، فخرجوا عن دينهم الذي عليه فطروا، وبه ولدوا، إلى دين فيه غربتهم وتعاستهم إلى أن يموتوا، لذا بدأ الدين غريبا، وعاد غريبا، وإن كانت غربة اليوم أشد من غربة الأمس.
التعليقات مغلقة.