الزواج بأخرى بين الشرع والقانون بقلم بلال كريم
تدق رأسى باستمرار جملة الدكتور فيليب حتى فى كتابه تاريخ العرب والذى يعد من أهم المراجع التاريخية لفهم حياة العرب : ” حرم الله الخمر والميسر دفعة واحدة ، وكانا بعد النساء أعز شيئين على قلب العربى ” و القانون المصرى وتحديدا القانون رقم 25 لسنة 1929 والمعدل لبعض أحكام القانون رقم 100 لسنة 1985 ، كان له موقفا صريحا إزاء مسألة تعدد الزوجات ، حيث أقر بها شرعا لوضوح ظاهر النص فى الإباحة ، واتفاق الفقهاء الأربعة على الإباحة ، وكذلك غلق باب الإجتهاد والذى تسلم به المؤسسات الدينية ، والقول بغير ذلك سيعنى الاصطدام المباشر بالقواعد الكلية للشريعة الإسلامية ، وهو ما سيعنى بالضرورة الاصطدام المباشر بالدستور ، وعليه فإن القانون المصرى قد أقر بهذا الحق للزوج ، وجعل للزوجة حقوقا مترتبة على زواج زوجها بأخرى ، فأتاح لها طلب التطليق للضرر إذا أصابها ضرر من جراء هذه الزيجة ، وهو ما يعنى بمفهوم مقابل أن تكون التزامات الزوج نحو زوجته الأولى كما هى لا تقل ، وهذا هو الحد الأدنى ، ولكن هذه الفرصة هى بمثابة رخصة لها مواعيد يجب أن تتحقق فيها رغبة الزوجة الأولى فى طلب تطليقها لحدوث ضرر لها جراء الزيجة الثانية ، وهذا الضرر يجب أن يكون مفهوما فى إطار إلتزامات الزوج ، وإطار مادى يمكن إستخلاص عناصر الضرر منه ، مثل الهجر ، ومثل عدم الإنفاق ، مثل السب والضرب ، أو تغير مستوى المعيشة لمستوى أقل عما كان سابقا ويكون بشكل لا يتناسب وأمثال معيشة هذه الزوجة من النساء الآخريات وكنتيجة مباشرة لزواجه بأخرى .
إذا فعقد الزوج بأخرى فى أصله من الناحية الشرعية والقانونية ، هو عقد صحيح شرعا ، ولم يقل أحد حتى الآن فى الشرع أو القانون ببطلان هذا العقد أبدا ، ولكن تبقى مسألة أن ممارسة الزوج هنا لحقوقه متوقفة أيضا على التزاماته ناحية زوجته الأولى والاخلال بها من عدمه ، وتلك هى فلسفة قانون الأحوال الشخصية الحالى فى نظرته لمسألة تعدد الزوجات ، وإليكم النص القانونى كما ورد بالمادة 11 مكرر “على الزوج أن يقر فى وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية , فإذا كان متزوجا فعليه ان يبين فى الإقرار اسم الزوجة او الزوجات اللاتي فى عصمته ومحال إقامتهن, وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول.
ويجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها ان تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي او معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالها ولو لم تكن قد اشترطت عليه فى العقد الا يتزوج عليها, فإذا عجز القاضى عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة.
ويسقط حق الزوجة فى طلب التطليق لهذا السبب بمضي سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى إلا إذا كانت قد رضيت بذلك صراحة او ضمنا, ويتجدد حقها فى طلب التطليق كلما تزوج عليها بأخرى, وإذا كانت الزوجة الجديدة لم تعلم انه متزوج بسواها ثم ظهر انه متزوج فلها ان تطلب التطليق كذلك.
إذا والواضح من ظاهر النص أن الطلاق لهذا السبب يجب أن يكون نتيجة ضرر مباشر وسببى بين الزواج الثانى والضرر الحاصل للزوجة الأولى والذى يجب استخلاص عناصره بأمور مادية يمكن وصفها بأنها شكلت ضررا ما للزوجة الأولى ، مما يتضح معه مدى السلطة التقديرية للقاضى فى تحديد أوجه الضرر وكفايتها لطلب الطلاق من عدمه فى هذه الحالة ، وكذلك وجوب أن يتم طلب الطلاق لهذا السبب فى حدود مدة سنة على الأكثر ، وأن يكون ذلك بدون رضاها منذ نشوء الزواج أو علمها به ، وعليه فلا تقبل دعوى التطليق لهذا السبب بعد مضى سنة من تاريخ علم الزوجة الأولى ، أو أن تكون راضية بهذا الزواج صراحة أو ضمنا ، ومن مظاهر الضرر الواقع على الزوجة الأولى نتيجة الزواج بأخرى ، أن يجمع الزوج بين زوجتين فى منزل واحد ، وهو ما يخالف أحد أهم شروط بيت الطاعة ومستقر الزوجية ، وهو أن يكون المنزل خاليا من سكنى الغير ، وهنا للقاضى سلطة تقديرية فى تقدير هذا الأمر فقد يكون منزل الزوجية فى أحد بيوت الصعيد أو الأرياف هو غرفة النوم فقط ، وباقى بيت العائلة يتشارك فيه الأهل جميعا ، وهذا كان عرفا دارجا فى يوم من الأيام وإن قل نسبيا حاليا ، فسابقا كان من الممكن أن لا يجيب القاضى امرأة لهذا السبب ، ولكن حاليا ومع تغير هذه الأعراف فإن فكرة المسكن نفسها قد زادت شروطها وتبدلت وتغيرت ملامحها ،مما يعنى أن يكون منزل الزوجية حاليا مستقلا فيما يلزم الإنسان من احتياجاته وخصوصياته الضرورية ، وهو ما يتناسب مع فكرة الشقة بمنافعها فى الوقت الحالى ، فضلا عن أن أسباب الضرر كثيرة ، وتتغير وفقا للظروف والأحوال والعادات والأعراف ، ومن هنا كان دور القاضى فى الوقوف على حقيقة الضرر المدعى به يفسح له المجال لإعمال سلطته التقديرية فى إجابة الزوجة لطلبها من عدمه ، مادام كان توصله لتلك النتيجة مبينا على أسباب سائغة .
وكذلك يعتبر من أوجه رضاء الزوجة الأولى بزواج زوجها بأخرى ، أن يكون كلاهما فى بيت واحد ، ولكل منهما شقة منفصلة ، ” زى بيت العيلة فى الأرياف والصعيد ” فيكون ذلك قرينة على علمها بهذا الزواج ، وقد يكون قرينة على رضائها بالزيجة الثانية إذا اقترن بمظاهر أخرى تؤكد ذلك ، مثل أن ترتب للعرس ويوجد شهود أو أدلة أخرى على ذلك ، أو أن تتواجد فى العرس ذاته ، وفى النهاية هى كلها امور تقديرية للقاضى الذى يستخلص عناصر الرضاء والعلم بالزواج كما يستخلص عناصر الضرر الحاصلة للزوجة الأولى كنتيجة وكسبب مباشر للزواج بأخرى .
أما عن دائرة الطلاق للضرر فى عمومها فهى متاحة فى أى وقت للزوجة كحق هنا وليست كرخصة ، وللقاضى أن يستخلص عناصر تحقق هذا الضرر دون التقيد بمواعيد محددة كما فى حالة الزواج بأخرى ، وأن شرط العلم يكون بالنسبة للزوجة الثانية بأن يقوم الزوج بالإقرار ببياناته صحيحة كاملة وأى تلاعب منه فى هذا الأمر يعد ضررا كافيا بذاته لطلب التطليق للضرر ، فضلا عن العقوبة الجنائية المنصوص عليها بذات القانون ، وهذا خاص فقط بالزوجة الثانية .
لكن هل يمكن للزوجة أن تشترط على الزوج فى عقد زواجهما أن لا يتزوج بأخرى ؟؟؟؟ ، وهل يقر الشرع والقانون ذلك ؟؟؟؟ وهل إذا حدث أى أمر استثنائى فى حياة الزوجة مثل مرضها المزمن أو سجنها أو خلافه ، مما قد يضطر معه الزوج إلى الزواج بأخرى ، دون أن يفرط فى زوجته الأولى ، فهل يتحقق هذا الشرط أيضا رغم توافر ظرف استثنائى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟…. هذا ما سنجيبكم عنه فى المقال اللاحق .
التعليقات مغلقة.