لصحتِك النفسية طبق قاعدة عسى القرآنية بقلم/ د. صبحي زُردُق
قَسَّمَ عُلماء النفس المصائب و الشدائد إلى ثلاث أنواع رئيسية هى :
١- الكوارث و النكبات : و التى تشتمل على كوارث طبيعية كالزلازل و السيول و الفيضانات و الأعاصير و الخسف ، و كوارث بشرية مثل الحروب و الإنفجارات النووية ..
٢- تغيرات حياتية كبرى : و هى تغيرات تمثل نقطة تحول كبيرة فى حياة الإنسان لم يتوافق الإنسان معها مثل : الإنتقال إلى منزل جديد ، الزواج ، الإنجاب ، الطرد من العمل ، وفاة عزيز ، مرض خطير ، أو عاهه مستديمة ، أو حادث سيارة ..
٣- مضايقات يومية : و هى ما يلاقيه الإنسان من معاناة و مضايقات تتكرر بشكل يومي مثل ما يصدر من جار سوء ، أو انتظار قطار ، أو زوجة سليطة اللسان ، أو زحام مواصلات …
و علماء التفسير أيضا قد صنفوا المكاره و المصائب إلى ثلاثة أنواع و لكن بشكل مختلف هو :
- فقد محبوب : مثل خسارة المحبوب من المال ( ناطق و غير ناطق ) أو الزرع ، أو فقد شخص عزيز ، أو صحة ..
- فوت مرغوب: و هو عدم تحقيق شىء مرغوب تَطلعٓ إليه الإنسان فيحدث الشعور بخيبة الأمل و الفشل .. مثل عدم تحقيق طالب بالثانوية العامة لمجموع الدرجات الذي كان يتطلع إليه .
- الإصابة بمرهوب : و هو الإصابة بمخاوف مستقبلية بشكل يثير الرهبة و القلق في النفس و أرق النوم و تسارع الفكر فيما هو آت .
و قاعدة “عسى القرآنية” هى قاعدة استنبطتُها من قوله تعالى في سورة البقرة (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) ..
و رغم أن الآية الكريمة نزلت خاصةً في أمر القتال المكروه للنفس إلا إنها علاج نفسي عام للكثير من المكروهات و المصائب التى قد تحل بنا … حيث يعتبر الإيمان و العمل بمقصود تلك الآية لون من ألوان ما يُعرف في الطب النفسي المعاصر بالعلاج المعرفي السلوكي Cognitive – Behavioral therapy و الذي يُعرِّفه العلماء بأنه ” إحدى طرائق العلاج النفسي التي تهدف عبر التفاعل النشط وتبادل الخبرات بين المريض والأخصائي النفسي إلى مساعدة المريض على إدراك و تعديل طريقة تفكيره السلبية، وجعلها طريقة أكثر إيجابية وواقعية.” …
و إننا إذا تدبرنا الآية الكريمة نجد فيها رسالة طمأنة و تفاؤل للنفوس العاملة بها ، المطبقة لمقصدها ، فالآية الكريمة تدعونا إلى التسليم لأمر الله و إختياره ، و إلى الإطمئنان بالمآل الحسن لذلك الإختيار ، و ذلك لسببٍ بسيطٍ هو أن الله تعالى يعلم الغيب و نحن لا نعلمه ، فما قد كرهناه و حسبناه شراً قد يكون خيراً لنا لكننا لا نعلم ، و ما أحببناه و نتطلع إلى الوصول إليه قد يكون شراً لنا لكننا لا نعلم .
لذا فإن تطبيق مقصود تلك الآية الكريمة بما فيها من تسليم و اطمئنان و تفاؤل قد يكون لنا بلسماً شافياً و درعاً واقياً في كثير من الأحوال و المصائب و لكثير من الجروح و الآهات ، وهو ما سوف يجنبنا بالتالي العديد من أمراض العصر المتعلقة بالكرب Stress related disorders مثل الأمراض النفسية ( اضطراب التوافق Adjustment disorder ، أو الإكتئاب النفسي Depression ، أو الأرق و صعوبة النوم Insomnia ) أو حتى الإختلال العقلي Psychosis أو بعض الأمراض العضوية كداء السُكري و داء الضغط المرتفع ، فضلاً عن بلوغنا لمراتب أعلى مما كنا نحلم بها ، و ذلك بالطبع إن حالفنا توفيق الله لنا.
حقاً كم أن في تطبيق ” قاعدة عسى ” القرآنية و الإيمان بها من فوائد حياتية جمة للنفس و البدن و المجتمع .
التعليقات مغلقة.