الفوضى تضرب محاكم الأسرة بقلم أ/ بلال كريم
نقول فوضى ، ونقصدها ، ونقصد ما لها من دلالات ، تفصح عنها أرض الواقع باستمرار ، فإن للأمر مظاهر تدل عليه ، وتوحى بثقله ، وإضطراب الأجواء من حوله ، فتقدير النفقة مثلا وفقا للقانون رقم 100 لسنة 1985 فى مادته السادسة عشر ” تقدر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسرا أو عسرا على ألا تقل النفقة فى حالة العسر عن القدر الذى يفى بحاجتها الضرورية …….” و قد جاء هذا النص تطبيقا لقوله تعالى ” لينفق ذو سعة من سعته ” و قوله تعالى ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ” .
إن هذا النهج فى القانون والشرع هو المذهب المعمول به فى المحاكم لتقدير النفقات بأنواعها ، إذ يحدد كل قاض ما تحتاجه الزوجة من مأكل وملبس ، وكذلك الصغير بالإضافة لحق السكن ، وذلك حسب حالة الزوج عسرا و يسرا ، إلا بالنسبة لأصحاب المعاشات فإن المسألة تختلف معهم بعض الشئ ، إذ تكون هناك نسب محددة فى القانون بحد أقصى للخصم من معاشه إذا كان لا يملك غيره، وذلك فى نطاق حجز مال المدين لدى الغير، الأمر الذى يجعل من الأحكام القضائية الصادرة فى هذا الشأن غير متوقعة ، و مختلفة من محكمة عن أخرى ، وباتت المسالة بختك يابو بخيت ، الأمر الذى نرى معه ضرورة وضع قواعد وأسس أكثر وضوحا ليهتدى القضاة إليها فى تقديرهم ، وأن لا تكون المسألة كلها بيد القاضى وحسب، وتلك إحدى مظاهر الفوضى ، إذ بافتراض أن نفس المستوى المادى ينظر أمام دائرتين ، فسيكون لكل منهما حكما فى تقدير النفقة يختلف عن الآخر إختلافا كبيرا جدا ، لكن هل عدد الأحكام الصادرة بنفقة زوجية بأنواعها فى مصر والتى تصل لأعداد وأرقام خيالية بملاحظة العين تعنى أن كل هذه الزوجات تستحق نفقة زوجية وأنها فى طاعة زوجها والزوج هو الممتنع عن الانفاق بخلا منه و كيدا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ، تنص المادة الأولى من القانون المذكور فى فقرتها الثانية على ” ولا تجب النفقة للزوجة إذا ارتدت أو امتنعت مختارة عن تسليم نفسها دون حق ، أو اضطرت إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج ، أو خرجت دون إذن زوجها ….”
إذا فإن لنفقة الزوجية ما يحجبها ويمنعها شرعا ، وذلك إذا ارتدت ، أو امتنعت مختارة عن تسليم نفسها ، أو أن تخرج دون إذن زوجها فى غير الحالات المباحة شرعا ، فإذا تحقق أحد أسباب الحجب ، فلا نفقة لها .
إن مقابلة أحكام نفقات الزوجية العديدة بأحكام النشوز القليلة والتى باتت نادرة جدا تفضى بنا إلى فرضين :
الأول : أن تكون كل هذه الزوجات على حق ، وهم ألوف مألفة ، ويكفيك لتتوقع عددهم أن ترى رول محكمة أسرة واحدة ليوم واحد فقط لا غير ، وهذا يعنى فى المقابل أن الأزواج هم شر البرية .
الثانى : أن يكون عدد كبير من هذه الزوجات قد تحايلت على القانون ، أو غفل عنها القانون ، وأن العديد من الرجال فى خطر ، وأن موازين العلاقة الزوجية قد تغيرت ، ومن صور التحايل أن تقوم الزوجة بتحرير محضر ضرب لزوجها فى غفلة منه ، وتفيد بأنه قد طردها من مسكن الزوجية ، والغريب جدا أن أغلب هذه المحاضر تكاد تكون نسخة واحدة مع اختلاف الأسماء والعناوين فقط لا غير ، ألا يلفت هذا نظر القضاة ؟؟؟؟؟؟ وأنها محاضر حررت كيدا و تدليسا بغرض الحصول على كافة مستحقات الزوجة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لقد أصبح هذا الأمر وكأنه إجراء من إجراءات طلب الطلاق للضرر ، واستنزاف نفقة الزوجية خلال مدة النزاع القضائى للحصول على حكم بالتطليق للضرر ، وللأسف ورغم محاولات العديد من الأزواج فى إثبات عكس ذلك ولو بشهادة الشهود إلا أن أغلب الأحكام تصدر ضدهم ، إلا قليل ، قليل جدا .
ألا تعكس هذه الصورة خللا ما فى قوانين الأحوال الشخصية ؟؟؟؟؟؟؟ ، إذ لا يعقل أبدا أن يكون كل هذا الكم من الرجال كارهين بيوتهم مدمرين لأموالهم وعواطفهم ، وانظر أيضا فى كم أحكام الرؤية التى يرفعها الأزواج لرؤية أطفالهم ، ألا تعكس هذه الصورة أيضا واقعا مظلما يحيق بالعديد من رجال مصر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الصورة فى النهاية تقول أحد أمرين :
الأول : إما أغلب الرجال لا يستحقون الحياة الزوجية ، وإذا صح هذا الفرض فإن ذلك يعنى أننا نواجه كارثة تحتاج إلى تدخل فورى وحاسم لعلاج كل هؤلاء ، والنظر فى سبب اختلالاتهم .
الثانى : أن تكون الأحكام القضائية الصادرة من محاكم الأسرة بعيدة تماما عن أرض الواقع ، وأنها تطبق عملية حسابية لا تحل خلافا إنسانيا من الدرجة الأولى ، وله أبعاد إجتماعية عميقة جدا ، لم تراعى بعد .
نحن هنا لا نحدد سبب الأزمة ، بل نشير ونوجه إلى ضرورة تكاتف جميع أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى ، والدراسات الأكاديمية المختصة ، والأبحاث الميدانية من أجل البحث عن أسباب الأزمة وفهمها بالصورة المناسبة ، إذ كلما زادت الفجوة بين الواقع والقانون ستكون العواقب وخيمة أكثر مما نراه اليوم ، فما نراه اليوم بمحاكم الأسرة هو بداية الإنجراف من أعلى المنحدر ، والقادم سيكون أسوأ بكثير مما نرى الآن ، إذا لم نفهم أولا ثم نعالج الأزمة وفقا لأسبابها الحقيقية ، وليست الأسباب السياسية أو المؤدلجة فالمفارقة بين ما ينبغى تنظيمه على أرض الواقع ، وما يحدث فعليا من الميل بكافة على حساب أخرى ، يبتعد بالقانون عن دائرة التنظيم ليترك الساحة للفوضى ، فالتخلى عن التنظيم لا يترك فراغا ، بل يترك فوضى تزداد وتنمو بإزدياد هذا التخلى .
التعليقات مغلقة.