قصة حياة تأليف و إخراج و أداء أ . حسين الجندي : الناجي
قصة الناجي بسن قلم حسين الجندي
عدتُ من عملي في عاصمة الإقليم حوالي الحادية عشرة مساءً..
برد (طوبة) القارس
تزامن معه هطول الأمطار سيولا..
توجَّهت إلى موقف (الميكروباص)..
الركاب كُثْر ولا سيارة في الموقف،
بعد ساعة دخلت سيارة واحدة
تدافعوا عليها كيوم الحشر الأعظم..
نزل السائق المخضرم يصطاد في الماء العكر وقد أغلق باب سيارته بإحكام معلنا ثلاث أضعاف الأجرة الأصلية..
تذمروا ،هددهم بالانصراف..
لم يكن الظرف يسمح بالملاحاة، وافق الجميع مرغمين وبعضهم يلعن جشعه في سره ..
فتح لهم الباب، تدافعوا بقوة..
نصف الركاب على الأرض لم يستطيعوا الحصول على مقعد..
كانت رحلة العودة محفوفةً بالمخاطر؛ فالسائق يسير بسرعة جنونية لا تتناسب إطلاقا مع الجو وحالة الأرض الزلقة..
لم يعط أذنه لأحدهم، فهو يرى نفسه سائقَ الليل وآخره..
في منتصف الطريق بين قريتين، في مكان لا توجد به سوى الزراعات..
وقعت الحادثة المروعة!!
تناثرت الجثث والأشلاء في الزراعات المتاخمة للطريق السريع..
بعد إغماءة لا أدري كم استغرقت..
أفقتُ وأنا واهن أزيل عني الوحل ولا أصدق أني مازلت حيا..
يا إلهي!
منظر بشع، الدماء تمتزج بوحل الأرض!
حاولت أن أعثر على أحياء، درتُ حول السيارة دورتين، لكن بلا جدوى، لقد خيم شبح الموت على الجميع..
سقطت منهارا على ركبتيّ، و انخرطت في بكاء حاد..
هاتفي لم يعد صالحا للعمل، بحثت عن هاتف آخر، وقبل أن أجري الاتصال بالنجدة والإسعاف، سمعت أنينا يأتي من خلفي، توجهت إلى مصدره..
رباااه!
سيارة أخرى (ملاكي) يبدو أنها اصطدمت بالسيارة الأجرة..
كانت مقدمتها تخترق جذع شجرة ضخمة من المنتصف تقريبا..
في الأمام:
الأب وهو قائدها وبجواره الأم
وفي المقعد الخلفي:
ابن وابنة لا يتجاوزان العاشرةَ من عمرهما، يبدو على ملامحهما أنها لتوأم..
وقد فارق الجميع الحياة..
العجيب..
أن السيارة لم تتحطم بمن فيها إلا أن الجثث يبدو عليها أنها خرجت للتو من المشرحة..
إذن أين مصدر الأنين؟!
ظللت أبحث هنا وهناك..
صوت الأنين يتردد بين الحين والآخر، ولا أستطيع تحديد مكانه!
بدأ الخوف يسري في كياني..
صببت جل اهتمامي على الاتصال بالنجدة والإسعاف..
بيد مرتعشة أخذت أدوس على الأرقام..
وفجأة!
وجدت يدا تطيح بالهاتف من يدي!
يا إلهي..
إنه..
إنه..
.
.
.
.
مسخ شديد القبح..
له وجه يشبه القرد بشعر كثيف للغاية يكسو جميع وجهه وكذلك يديه..
يسيل من فمه الأشرم لعاب متواصل يثير الاشمئزاز..
لاحظت أنه يسير على قدمين إحداهما صناعية والأخرى عرجاء..
التقطت الهاتف وسلطت مصباحه عليه فوجدته يحمل فوق ظهره حقيبة من القماش، لا أدري ماذا يصنع بها..
كلما سلطت على وجهه المصباح يزداد هياجا، وعندما أخفضه أسمع أنينا متقطعا..
نعم نعم هو إذن صاحب الأنين..
حاولت الهرب منه، انزويت خلف شجرة وحاولت معاودة الاتصال ولكن لا مجيب!
أخيرا رد أحدهم:
-النجدة معك..
ماذا بك؟
حاولت استجماع رِباطة جأشي :
-حادددثة يا فففندم ميكككروبباصص وسسيارة ملللاككي..
-حدد مكانك..
لا أعلم.. لكن هناك شيء آخر أريد الإبلاغ عنه..
أستمع إليك..
في مكان الحادث وجدت مسخا يشبه الشيطان له وجه قرد وووو…
سمعتُ على الطرف الآخر من ينعِتُني بالجنون ثم أغلق الخط في وجهي!
من بعيد..
وجدت سيارة تسير ببطء نسبي فظللت أشير إليها بمصباح الهاتف وبالفعل وقفت..
كانت سيارة أجرة وبها بعض الركاب،تنفست الصعداء..
نزل الركاب بسرعة وعلى ما يبدو أنهم يدركون ما يفعلون تماما..
أخذ أحدهم من يدي الهاتف
وضربني على مؤخرة رأسي شعرت بدوار شديد ولكن لم أغب عن الوعي..
تظاهرت بذلك،
رأيت بعضهم يحمل بعض الجثث إلى سيارتهم، والبعض الآخر شعرت وكأنهم يقومون بحراسة المكان!
ثم رأيت شيئا لزجا يُقْذَف فوقي..
عندما انتبهت إليه وجدته :
.
.
.
.
.
ثيابَ المسخ وقناعا لوجهه..
إنه إذن..
ليس مسخا..
إنه لص..
نعم نعم لص..
دقائق معدودات ووجدت نفسي وحيدا في مسرح الحادث ما عدا بعضَ الأشلاء..
لقد اختفت السيارة ومعها المسخ – أقصد اللص-
وقفت في منتصف الطريق السريع ألوِّح بيدي في ضعف شديد حتى وقفت سيارة كادت أن تطيح بي..
وفي المستشفى علمت باختفاء جثث كاملة وبعض الأعضاء وتجريد
معظم الجثث من نقودهم و حُلِيِّهم ومقتنياتهم الثمينة..
وعثرت الشرطة في مكان الحادث على سلك رفيع لكنه متين كان مربوطا بين شجرتين على جانبي الطريق ليُكَوِّن حاجزا يعيق سير السيارة ويؤدي إلى انحرافها المفاجئ..
تم العثور على السيارة الأخرى أو بالأحرى (هيكلِها)..
وعلمت أنها كانت مسروقة..
بحثت عن حافظة نقودي فلم أجدها!
وجدت فقط في جيب بنطالي الخلفي..
.
.
.
إصبعا مقطوعا لامرأة وبه خاتَمُها!
فعلى ما يبدو..
قد نسيه المسخ وهو يسرق حافظتي!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات مغلقة.