حُرَّاسُ اللغَّةِ
قصة للأطفال ( 10:8)
بقلم: عاشور زكي وهبة
بدأَ الْعامُ الدِّراسيُّ الْجديدُ في الْمدرسةِ الْابتدائيَّةِ بالقريةِ.
دخلَ التَّلاميذُ إلى الْفصولِ في سعادةٍ وسرورٍ.
نظّمتْ معلِّمةُ الصَّفِ الأوّلِ جلوسَ الأطفالِ في مقاعدهم حسبَ أطوالهم ومستوى نظرهم، مع مراعاةِ الشروطِ الاحترازيّة لوباءِ كورونا المُستجدِّ.
وقفتِ المعلِّمةُ أمام السبورةِ. أمسكتْ قلمًا، ورسمتْ خطًّا رأسيًّا مستقيمًا قسمَ السبورة نصفينِ متساويينِ.
رسمتْ أعلى النصف الأول قمرًا منيرًا باسمًا. وأعلى الشطر الثاني رسمتْ شمسًا مُشرقةً ضاحكةً.
أشارتْ المعلمةُ إلى شجرة الحروف المُعلّقةِ بجانب السبورةِ، ثمّ قالتْ باسمةً:
_ مرحبًا بكم يا أحبابي الصغار!
لقد انتهتْ سنواتُ الروضةِ بتفوقكم الباهر. ونبدأُ معًا مرحلةً جديدةً في حديقة لغتنا العربية الزاهرة.
في حديقتنا ثمانية وعشرون وردةً: هي الحروف الأبجدية العربية.
كلكم تعرفونها من الألف إلى الياء. أليس كذلك؟!
أومأَ التلاميذُ بالإيجابِ، واستأذنَ “تامرٌ” للحديثِ:
_ بلى! نعرفُ أصواتها وأشكالها في حركاتها وسكونها.
وأجابَ “باسمٌ” باحترام:
_ كما نعلمُ مدودَها بالألف والواو والياء.
وأكملتْ “بسمةُ”:
_ ونطقنا تنوينَها في الحالات الثلاث: الضم والكسر والفتح.
صفّقتِ المعلمةُ للجميع، وصفّقَ التلاميذُ تصفيقًا حارًّا.
رفعتِ المعلّمةُ يدَها لجذبِ الانتباه، وواصلتْ كلامَها بابتسامٍ:
_ عظيمٌ يا أحبائي! أشكركم على مشاركتكم الفاعلة. لكن هل سمعتم يومًا عن مسابقة بين الحروف العربيّة؟
أشار التلاميذُ بالنفي. وتعجّبَ “عمرُ” مُتسائلًا:
_ كيفَ تتسابقُ الحروفُ يا معلّمتي؟
أجابت المعلمة في هدوءٍ:
_ ليسَ سباقًا في الجري؛ بل تنافسًا على الحرف الأفضل.
استأذنَ “باسمٌ” ليقولَ فرحًا:
_ احكِ لنا عن مسابقة الحروف!
أخذتِ المعلمة نفسًا عميقًا، ثمّ زفرت بانشراحٍ قائلةً:
_ وهو كذلك. انصتوا جيّدًا يا أحبائي لقصة ” مسابقة الحروف”.
أقامت شجرة الحروف مسابقةَ ” الحرف الأفضل”. تقدّمت جميع الحروف للاشتراك. كلُّ حرفٍ قدّمَ مهاراتِه وخبراتِه اللغويّةَ. والكلُّ يرى نفسَه الأحقَّ باللقبِ. على سبيل المثال:
تفاخرَ حرفا “ص” و”ق” بأنّ سورتينِ في القرآن الكريم يحملان اسميهما.
ذكرت حروف المدّ “أ” ،”و” و”ي”فضلها في مدّ الحروف والكلمات.
قدّم حرف “ل” إحصائية تؤكدُ أنّه ثاني الحروف ورودًا في الألفاظ العربية بعد الألف.
وصدحَ حرفُ “ض” بعد طول صمت بأنّه الحرفُ الفريدُ في اللغة العربية دون كلّ اللغات. لذا أخذت لقبَ ” لغة الضادِ”…
اجتمعَ علماءُ اللغة وحكماؤها للتشاور فيمن يستحقُّ اللقب، وتوصّلوا إلى أفضل قرارٍ: ” أنّ حروفَ العربيّة ليست نكراتٍ. بل لها دورٌ بارزٌ في ثراء العربيّة وبقائها لغةً حيّةً منذ قديم الزمان إلى ما لا نهاية.
تشرقُ علينا كالشمش نهارًا، وتضيءُ لنا طريقنا كالقمر ليلًا.
لذا استحقّت الحروفُ أنّ تُعَرّفَ ب”ال” كباقي الأسماء.
وتمّ تقسيمها بالتساوي إلى حروفٍ شمسية، وحروفٍ قمرية”.
سأل “أحمدُ” وما هي الحروف القمرية، والحروف الشمسية؟
أجابت المعلمةُ بودٍّ:
_ هم حرّاسُ لغتنا العربية ليلًا ونهارًا.
الحروف القمرية هي: أ ب ج ح خ ع غ ف ق ك م ه و ي.
وتُنطَقُ لامها ساكنةً يعلوها السكون كالبدر كما في كلمة (الْقمر). وهم حُرّاسُ الليل.
أما الحروفُ الشمسية هي: ت ث د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ل ن.
لا تُنطقُ لامها؛ كما يعلو الحرف الشمسي الشدة ّ كالتاج يزيّنه، وتجعلُه يُنْطَقُ مرتينِ: الأول ساكن والأخر متحرك كما في كلمة ( الشَّمس). وهم حرّاسُ النهارِ.
هل لدى أحدكم أي استفسار؟!
استأذنتْ “سلمى” بالسؤال:
_ وما دورُنا في حراسةِ لغتِنا؟
أجابتِ المعلمةُ في سرورٍ:
_ سؤالٌ جميلٌ. حراسةُ اللغةِ واجبةٌ علينا جميعًا في مهاراتها المختلفة: استماعًا وتحدثًا وقراءةً وكتابةً.
اعتزازنا بلغتنا سرُّ قوتنا، واستخدامنا الصحيح الفصيح لها نبعُ كرامتنا.
العربيةُ لغةُ العلمِ والأدبِ، لغةُ القرآنِ والحضارةِ العربيّةِ.
انتظمَ تلاميذُ الفصلِ في صفَّينِ متساويينِ.
تقدمتْ تلميذةٌ تحملُ صورةَ الشمسِ، خلفَها زميلاتُها يرفعنَ الحروفَ الشمسيّةَ.
تقدّمَ تلميذٌ يحملُ صورة القمر، يصطفُّ وراءه زملاؤه يرفعونَ الحروفَ القمريّةَ.
وقالوا في صوتٍ واحدٍ:
_ نحنُ حرَّاسُ اللُّغةِ العربيّةِ.
( تَمَّتْ بحمدِ الله )
التعليقات مغلقة.