الإنسـان بين عالمين ( العلوي والسفلي)…
حاتم السيد مصيلحي
الإنسـان بين عالمين ( العلوي والسفلي)
بقلم: حاتم السيد مصيلحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فطر الله تعالى الإنسان على رفيع الخصال، لما له من فضل الصانع والصنعة، وما كانت نفسه الأمارة التي حُمِّلت ببعض الشرور الأرضية، وظهر ذلك جليا في قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} [الشمس : 7-10]، فطوعت له نفسه ارتكاب المعاصي بفعل إغراءات شيطانية لم يصادفها واعز أو واعظ يصرفها، ولا ضمير يؤنبها.
وتظل الأخلاق هي الحد الفاصل بين الإنسانية في أبهى صورها العلوية ، والحيوانية بكل صنوفها الدونية، فالإنسان بلا أخلاق يصير حيوانا منقادا بغرائزه، تحركه فتنة اللحظة دون النظر إلى عواقبها، وتعجل الحصد دون معرفة أصل الغرس، وهنا يغيب العقل مناط الاختيار، فتوقع صاحبه في تخبط ممقوت يورثه الذل والهوان.
ومن بواعث الحرص الإلهي على الارتقاء بالجنس البشري، وتدعيما لما استودعه الله فيه من تلك الخصال، أرسل الله سبحانه الأنبياء والمرسلين مبشرين بآيات البيان المعجز، ومنذرين بشواهد وصنوف البلاء والعذاب، مصداقا لقوله تعالى: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء : 165]، فيعيد صنعته إلى سيرتها الأولى من السمو والرقي، فيباهي بصنعته في ملكوته الأعلى، ويشهد ملائكته بالصفح عمن أساء دون كفر أو نكران، والمغفرة لمن أذنب عن غفلة وضعف لا عن بغي وقصد، {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء : 110]، فكان التلقي عن الله بالأوبة والتوبة، واللعن والطرد من رحمته، لمن عصى وتكبر وتجبر، والتكفل بحماية خاصته، والويل لمن دونهم، في قوله سبحانه: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر : 42].
ويظل الصراع الأبدي دائرا بين الخير ومبعثه الفطرة السليمة ، والشر ومحركه إبليس اللعين ، والإيمان ومبعثه الهدايات التي أرساها الأنبياء والمرسلين، والكفر والضلالة بما استحوذ الشيطان على بعض النفوس،فأورثها الخسران المبين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
التعليقات مغلقة.