الفاء الفصيحة …د.وجيهة السطل
الفاء الفصيحة …د.وجيهة السطل
الفاء الفصيحة،هي فاء نحار في إعرابها،فلا تكون استئنافية،ولا سببية ،ولا عاطفة
من تعريفاتها:
هي التي يحذف فيها المعطوف عليه مع كونه سبباً للمعطوف.
وقيل: سميت فصيحة؛ لأنها تفصح عن محذوف، وتدلّ على سببيته.
وقال بعضهم: هي الداخلة على جملة مسَبَّبة عن جملة محذوفة قبلها.
وقال الآلوسي في هذا الصدد: الفاء الفصيحة تفيد كون مدخولها سببًا عن المحذوف، سواء أتقدم عليه، أو تأخر لتوقفه على أمر متأخر في الجملة .
وكل هذه التعريفات متقاربة. وتفيد أن هذه (الفاء) إنما يؤتى بها للإفصاح عن شيء مقدّر، ولا بد من تقديره ليستقيم المعنى.
فهي كشفت عن محذوف، وأفصحت عنه. وقد يكون المحذوف هو الشرط،عند تفسير بعضهم لقوله تعـالى:
{وإذ استسقى موسى لقومـه فقلـنا اضرب بعصـاك الحجــر فانفـجرت منه اثنتـا عشرة عيـنا}البقرة :٦٠.
فالفاء في قوله (فانفجرت )الفصيحة .أي : أن
الانفجار مترتب على قوله تعالى: {اضرب بعصاك الحجر}. والتقدير :فإن ضربت فقد تحقق الانفجار
و الفاء الفصيحة ، عند الزمخشري متعلقة
بمحذوف،ليس من الضروري أن يكون شرطًا. فالمحذوف عنده فعل ضرب : أي فضرب فانفـجرت.
والفاء الفصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ.
وأمثلتها كثيرة في القرآن الكريم ومنها:
قوله تعالى : { قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ}(البقرة : ٦٨).
فالفاء في قوله (فافعلوا) هي الفاء الفصيحة وموقعها هنا موقع قطع الحوار، مع الحثّ على الامتثال، والمعنى : فبادروا إلى ما
أمُرتم به، وهو ذبح البقرة.ولا تطيلوا الجدال ونفِّذوا ما تؤمرون به.
وقوله تعالى:{قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ}(البقرة :٧١)
فالفاء الفصيحة هنا دلت على جملة محذوفة مقدرة مفهومة من السياق. وهو (فوجدوها) أو (فظفروا بها).
-ومن ذلك قوله تعالى:
{فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} البقرة:١١٤
(الفاء) في قوله: {فعدّة} هي (الفاء الفصيحة)، والتقدير: فأفطر، فعليه صيام أيام بعدد الأيام التي أفطرها.
وقوله سبحانه مخاطباً بني إسرائيل بشأن البقرة: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم} (البقرة:54)، (الفاء) في قوله: {فتاب} هي المسماة (الفاء الفصيحة)، والتقدير: فامتثلتم، فتاب عليكم.
-وقوله تعالى مخاطباً موسى وأخاه هارون عليهما السلام:
{اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا}
الفاء هنا الفصيحة والمحذوف ذهبا فكذبوهما فدمرناها تدميرا.
ويذكر أهل اللغة شاهدًا شعريًّا لهذه (الفاء)، وهو قول العباس بن الأحنف:
قالوا خراسان أقصى ما يُراد بنا
ثُم القُفولُ فقد جئنا خُراسانا
التقدير: فقلنا: قد جئنا خراسانا. فالمحذوف فعل (القول)، وقد أفصحت (الفاء) عن هذا المحذوف.
ومن الشعر الحديث قول إيليا أبو ماضي في قصيدته التفاؤلية المشهورة(كن بلسمًا):
أَحبِب فَيَغدو الكوخُ كَوناً نَيِّراً
وَاِبغُض فَيُمسي الكَونُ سِجناً مُظلِما
الفاء في (فيغدو) هي الفصيحة. وهنا شرط محذوف.
أحبب فإن أحببت فالكوخ يغدو نيّرًا.
عندما نجد الفاء في جملة، فلا نستسيغ معها الاستئناف، لأن القصة لم تنته بعد، ولا نتقبل العطف،لأن الجمل غير متوازنة، وغير مهيئة للعطف،ونحس في الكلام حذفًا للإيجاز، نعرف أنها الفاء الفصيحة.
ولا تعدُّ الفاء فصيحة، إلا إذا لم يستقم عطف ما بعدها على ما قبلها ، .
والفاء لا تسمى فصيحة، إذا لم يحذف المعطوف عليه، فإن بقي وكان سبباً للمعطوف فهي فاء السببية، وإن استقام عطف مابعدها على ماقبلها ، ولم يكن متسبِّبًا فيه فهي الفاء العاطفة وتفيد الترتيب مع التعقيب
ونلفت الانتباه أخيرًا إلى أن هذه (الفاء) المسماة الفصيحة، لم يفصح عنها بعض المفسرين في تفاسيرهم، كـالطبري، وابن كثير، وغيرهما، وبالمقابل فقد أفصح عنها، وأبان أمرها، ورفع شأنها، فريق من المفسرين،
، ممن له التفاتٌ واهتمام بالجوانب البيانية في القرآن الكريم .كـالزمخشري، والآلوسي، وابن حيان، وابن عاشور، وغيرهم،
وتعدّ شواهدها من أمثلة الإيجاز بالحذف.
أرجو أن أكون قد أوضحت،
واعذروني إن أطلت..
ولكم محبتي.
وشكري للمتابعة
التعليقات مغلقة.