السداح مداح .. و جفاف نهر الوعي بقلم / أحمد عثمان
هي تساؤلات قلقة؛ حول ظاهرة أغاني المهرجانات وبذاءة كلماتها، ومسلسلات المخدرات والبلطجة والفجور، بما أصبح فوق الاحتمال الأخلاقي والقيمي الذي كان سمة هذا المجتمع ..
لاأدري لماذا ألحت على ذهني صورة (حوار الطرشان) ـ معذرة ـ مما يقال هنا وهناك على ألسنة البعض.. نحن نشجب ونستنكر ونمصمص الشفاه ونتحسر على الزمن الجميل .. ونتحسر على جفاف نهر الوعي بفعل الفاعلين المتربصين في الدائرة الخارجية حولنا وعملائهم المنفذين في الداخل وعلى كافة الأصعدة، ولايلتفت أحد لما يثار، .. نحن لدينا مجلس نواب، ووزيري ثقافة وإعلام .. ولدينا أيضًا أحزاب، ولدينا مدارس وقصور ثقافة ومراكز شباب و..
ماذا فعل كل هؤلاء لتصحيح المسار واحياء الوعي السويِّ والأخلاق القويمة والقيم الفاضلة لدي المواطن الذي أصبح أسير مايسمع ويشاهد ويعايش من تدني وانهيار في جُدُر الفضيلة والمثل العليا، أمام تيار عاتٍ من إشاعة البلطجة وانتشار المخدرات والإباحية وتبني قيم المصلحة، وأنا ومن بعدي الطوفان، وتسطيح الوعي الجمعي،و …؟ سؤال طويل مفرداته لم تنته بعد .. كل هؤلاء تقاعسوا وتواروا إما عمدًا، أو إيمانًا بمقولة:” الباب اللي يجيلك منه الريح …” .. إن مانعانيه الآن من هذا التدني إنما هو امتداد لتجريف في القيم والأخلاق والمعاملات يتمدد منذ مايزيد على الأربعة عقود، وتحديدًا منذ اعتماد منهج ” انفتاح السداح مداح” ـ رحم الله أستاذنا أحمد بهاء الدين ـ ومقولة: ” اللي مش هايغتني في عهدي ..” كشعارات للمرحلة الجديدة وما تلى ذلك من حملة مسعورة لهدم كل بُنَى الماضي ـ سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا ـ ومايرتبط به من قيم وقناعات .. وما صاحب ذلك من تدهور في منظومة التعليم ومناهجه وبخاصة التاريخ وإهمال مادة التربية الوطنية (كما كانت تسمى على أيامنا)، والتربية الفنية وما ارتبط بها من تدريس (التذوق وتاريخ الفن)، والتربية الموسيقية، والمسرح المدرسي، و… ، أيضًا تدهور المنظومة الثقافية التي كانت تتميز بغزارة الإشعاع في كافة المجالات الثقافية، حيث جرى تصفية مسارح الدولة ـ التي كانت منارات ساطعة لنشر الوعي والتذوق ـ وترك المجال لمسارح (الهلس) وكوميديا الفارْس التي تهدم أكثر مما تبني، وتُسطِّح أكثر مما تُعمِّق والأمثلة عليها كثيرة، وقل مثل هذا عن الكتاب، والسينما والفنون التشكيلية وغيرها .. الأمر أصبح مُلحاً ويحتاج زلزالاً؛ فالهِزة لاتفيد ولاتكفي .. زلزالاً يستنفر كل همم الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وعلى كافة الأصعدة ـ باعتبار الأمر أمنًا قوميًا يتقدم للمرتبة الأولي في اهتماماتها ـ للدراسة والبحث في الظاهرة ودواعيها وتداعياتها، وخطط وحلول التصدي، وتطهير الذوق العام من كل ما علق به من دنس، وقيادة وعي عام مستنير في كافة الاتجاهات يستهدف أبناء الوطن بكافة مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية …
الموضوع طويل وعميق لاتكفيه هذه المقالة وأولى به دراسة مستفيضة وبحث الجاد ..
التعليقات مغلقة.