لقاء …
سيد جعيتم
ـ قصة قصيرة لقاء
اليوم موعد التمتع بلقاء محبوبتي، تلك الغالية تتمنع علي و لا أسعد بلقياها إلا على رأس كل شهر، فأجلس أمامها أتنفس أريجها وأنعم بملمسها .
مستندًا علي حافظة نقودي العامرة؛ دلفت للداخل.
كنت أفضل الالتقاء بها في مكان راقٍ يليق بحضرتها ويضفي على نفسي شعورا بالأبهة والاحترام، لكنني هذا الشهر قررت الالتقاء بها هنا، فتكاليف المقابلة ستكون في المتناول مقارنة بالأماكن الفاخرة.
المكان خالٍ من الزبائن وإن كانت أرجاؤه عامرة برائحة شوائها، أتى النادل تعلو وجهه ابتسامة روتينية، تظهر أسنان لم يعد للون الأبيض بها أثرًا، رحب بي، وسألني وهو يقوم بحركة روتينية بمسح المنضدة بفوطة مفعمة بالدهون:
ـ طلبات السيادة .
ـ ربع كباب وربع كفته.
تصاعد الدخان الجميل عذب الرائحة حتى غلف جو المطعم ، استنشقت بعمق لأُثبت الرائحة في عقلي واختزنها في ذاكرتي، تسلل الدفء لأوصالي وتمكنت مني النشوة، رحت أتطلع حولي. يقوم بالشواء، رجل طويل وعريض المنكبين، يتدلى كرشه أمامه كذقنه المتدلية دون تهذيب ، تلاقت أعيننا، بنظرات محايدة محيرة، هز رأسه لي وقال:
ـ حتة لحمه صغيرة تستاهل بقك، إن شاء الله تبقي زبونا.
تعلقت عيني به وهو يهوي علي الفحم بمروحة من الريش كبيرة الحجم، وأضاف قطعة من لية خروف مع الشواء فوق الفحم، سرعان ما تفاعلت بفعل حرارة الفحم وأتت بالمطلوب فتصاعد الدخان زكي الرائحة، تذكرت أن أبي كان يسميها (النداهة) فالدخان المتصاعد منها يجلب الزبائن. أحضر الجرسون دورقا معدنيا به ماء مثلج، وحتى أصبر نفسي لحين نضج المحبوبة، انشغلت بمتابعة ما يعرض علي التلفزيون.
مضت نصف ساعة والرجل لم تفتر همته وبهدوء وحنكة يقلب الأسياخ ويهوي على الفحم حتى لا تفتر حرارته ، بيني وبين نفسي أتعجل الوجبة وقد تمكن مني الجوع حتى تمنيت أن يأتي الطعام قبل إتمام نضجه.
أتي النادل ببعض الأرغفة الطازجة، وطبق سلاطة خضراء مشطشطة.
كطقس التزم به بدأت أحك ظهر أرغفة الخبز ببعضها للتخلص من آثار الردة، الملتصقة بظهرها. هزمني الجوع ورائحة الشواء، قضمت لقمة صغير في فمي وبلعتها بملعقة من السلاطة الخضراء، وقبل أن أبوح بشوقي، أحضر النادل الكباب والكفته، تزينهم قطع البقدونس المنثورة فوق الوجه والمفروشة أسفله
. سأمضغ على مهلي لأستلذ وأزيد استمتاعي، واستمع للتلفزيون حتى تزيد المتعة.
بعد السلام والمرحبة يا أولاد بلدنا يا طيبين، ظهرت المذيعة المشهورة بالخبطات التحقيقية ترافقها طبيبة بيطرية وبعض رجال الشرطة، أعلنت عن ضبط ستين حمارا مذبوحين ومسلوخين تمهيدا لبيعهم للمطاعم الشعبية لإعداد الحواوشي والكباب والكفتة. أصابتني زغطة نتيجة لوقوف اللقمة في حلقي، جحظت عيناي وشعرت أن روحي ستغادرني، بحركة لا إرادية أمسكت بدورق المياه، ذبابة تكافح الغرق تسبح علي وجه وعاء الماء.
رغبة شديدة في القيء أمسكت بي، نظرت تجاه صاحب المطعم، اختفت نظراته المحايدة وحل محلها نظرة حادة كلها تهديد وعدوانية يتظاهر بسن سكين علي أخرى، حتى نبرات صوته تبدلت لزئير نطق:
ـ في حاجة يا سيدنا لفندي؟.
جاهدت القيء لأستطيع الرد. ـ مفيش حاجة يا معلم.
نظرت للنادل
: ـ فين الحمام؟. ـ معندناش، لو ها تطرش أخرج بره.
تذكرت حكمت أمي( يسلمك يا قفايا يا اللي ما انضربت قلم) قررت دفع الحساب والبقشيش وسرعة الخروج قبل أن يغلبني القيء، لكن المذيعة منها لله لحقتني باستكمال الخبر :
-(كما تم ضبط ١٤٠ كيلو مصارين خنازير في ثلاجة تمهيداً لفرمهم واستخدامهم في عمل الكفته المشوية )-.
. وفجأة اتقرع (تجشأ) صاحب المحل بصوت مقزز مسموع.
لم أتمالك نفسي.
خرجت بثياب ملوثة، يصاحبني سباب ولعن من الجرسون
. بقلم: سيد جعيتم جمهورية مصر العربية
التعليقات مغلقة.