الوردة الحمراء بقلم .. الزهرة الصالح
تفصلني عنه مسافة قصيرة، بضعة أمتار، كلانا ينظر إلى الآخر، نتأمل بعضنا في صمت… يبتسم فأرد…
كم هو جميل بطوله الفارع، ومنكبيه العريضين. أحسست دفئهما أول مرة حين أراد أن يحميني من السقوط، يومها تعثرت قدمي وأنا أنزل مدرج المحاضرات، فتلقفتني ذراعا حارس أمين… كانت تلك بداية إفشاء السلام.
صرت أراه في كل مكان؛ في المكتبة، يشرح لي ما استعصى فهمه من محاضرات…يمسك يدي ليحميني من المعاكسات… نلتقط صورا بين نباتات حدائق “ماجوريل”. تبعث لنا الشمس خيوط أشعتها الأولى، وتوقظ شذى الطيور، معلنة موعد الركض بين أشجار حديقة “مردوخ”…
انتظرَني أمام باب الجامعة؛ تغامزتْ زميلاتي، ضُخ الدم إلى وجنتي، وأبان ثغري عن ابتسامة خجولة فضحكَ وضحكن…
شربنا القهوة في صباحات الشتاء على أنغام فيروز، ونحن نراقب زخات المطر من خلف زجاج نافذة بيتنا، تحاورنا أحيانا حول جديد ما عرض في معرض الكتاب، قرأت له قصصي، كتبت فيه أشعارا وألقاها عليه إحساسي…
تزداد وسامته حين يغمر العرق وجهه، ويفسد تسريحة شعره، وهو يلاعب أولادنا كرة القدم؛ وتزداد سعادتي وأنا أتأملهم من خلف ستار…
الآن هو واقف أمامي، يبتسم لي بكل جوارحه، لا تفصلني عنه سوى بضع خطوات…هل أذهب إليه؟! وأرتمي في حضنه… “اهمدي يا فتاة وانتظري، لم يتبق إلا القليل!”… لماذا هو واقف لا يتحرك، لماذا يلتفت يمينا وشمالا؟!… إنه يتجه نحو بستان الورود، لكني لم أخبره أني أحب زهرة الياسمين؛ ربما أخبرته روحي الكامنة في أعماقه، فأرواح العاشقين تتلاقى، وتتناجى، وتفشي لبعضها الأسرار…
ترك الياسمينة وقطف وردة حمراء؛ يا لجمالها! وهي تخبئ بين طيات أوراقها رسالة حب واعتراف… “ما بك يا فتاة، لماذا تضطربين؟! لماذا ترتجفين!…لا تحملقي، استحيي! وانظري إلى الأرض!”…
أسمع صوت الحصى تحت أقدامه، تتقدمه رائحة عطره فتشعرني بالإغماء، تعكس الشمس خُيلاءه أمامي على الأرض، ثم يتجاوزني ظله، فخُطاه. أَ يُريد أن يداعبني ويغمض عيني؟ أم أن يضع الوردة في شعري! لكني أحس صوت خطواته يبتعد، ورائحة عطره تنخفض، ترى ماذا يفعل؟!… أرفع رأسي في تأنٍّ وألتفت، لأرى أخرى تكلمه بلسانها، ويديها وكل قسمات وجهها؛ أنثى غاضبة؛ تعبر عن غضبها بكل جوارحها، تنثر من يده الزهرة، تدعسها بحذائها، وتذهب فيركض وراءها…
أبقى وزهرتي، أنظر إليها وتنظر إلي، كلانا تتوسل للأخرى لترفعها عن مداسات الأقدام.
التعليقات مغلقة.