صفحات متناثرة : بقلم حاتم السيد مصيلحي
أصعب ما يكون على القاريء أن يجمع أشتاتا من كتاب، صفحاته غير مرقمة، وموضوعاته متنوعة وإن كانت متجانسة تخرج من مشكاة واحدة، تجتمع بين دفتيه؛ لتشكل كيانه، وتفصح عن عنوانه المجهول، فيتبارى في كنهه المنجمون، ويبحث في متنه المثقفون، ويتحقق من سنده المحققون؛ ليجتمع سره، ويصل اللحمة بالسدى.
وهذا ما يعترض حياة الإنسان، حين لا يستجمع فصول حياته، ويتركها متناثرة ليس بينها ضابط ولارابط، لا يقوى على إيجاد الروابط بينها، أو يقرأ مابين سطورها من معان قد يصعب فهمها على غافل أو متغافل، وحين تتفلت من بين أصابعه وتضيع، يُجري البحث عنها، ويحاول إعادة ترتيبها وفق أحداثها التي شاهدها بعيني رأسه، دون أن يعقلها، فيدهشه مالاقاه من أمور غابت عنه حين وقعت، وخفيت عليه وقت أن حدثت، وكثيرا مايحدث لنفاذ أمر قد قدر، أو لنية قد عقدت، رغم قراءة البعض لها، وتحققهم من عواقبها، {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)} [القيامة : 14-15]
لكنها التجربة التي إذا مااستوت على سوقها وأينعت، أثمرت فصولا مرتبة، ولأفكارها وأغراضها مركبة محكمة، ولنهاياتها نتائج محققة..حينها يظفر الإنسان بما يستحق حمله، وقد وعاه.
التعليقات مغلقة.