ابنتى بقلم د.أحمد دبيان
ابنتى بقلم د.أحمد دبيان
ازيك يا بابا
خرج صوتها عبر اتصال الفيديو خافتا ، ممدة على سريرها فى تلك البلدة النائية .
سألها فى لهفة وجزع ؛ مالك ؟
كان صوت مرور الهواء فى احبالها الصوتية شديد الوهن يسمعه بالكاد وسط سعالها المتقطع ،
مش قادرة اقوم من السرير ،
سألها عن اعراض ما تشتكيه فى جزع والاف الامراض المحتملة تعدو امام ناظريه ،
اجابته بصوتها الواهن ، كحة وبلغم
سألها عن اللون وان كان يشبه صدأ الحديد ، اجابته بالايجاب .
هتف بها فى جزع ان تذهب لاقرب مستشفى ، لاخذ سوائل وريدية وعمل تحاليل واشعة على الصدر .
اجابته بانها لا تستطيع حتى التحرك وانها ستعاود الاتصال به فيما بعد .
اخذ القلق العاصف ينهشه ، عاود الاتصال بها سائلا اياها الاتصال بالاسعاف ،
اجابته فى عنادها المعتاد ساحاول ،
تذكر الادوية الموجودة التى حرصت والدتها على ان تجهزها لها قبل السفر ،
سالها ان تغالب الوهن وان تاخذ مضادات حيوية بعينها وان تكثر من اخذ السوائل ومضادات الحرارة الى ان تستطيع الذهاب للمستشفى .
فى الصباح التالى ذهب متثاقلا يجرجر خطواته الى عمله وعصف يمزق قلبه وخواطره ،
بعد المرور السريرى وأعمال التسلم ، اتته مكالمة تليفونية من مستشفى آخر يسأله الطبيب فيها تحويل مريضة لعدم وجود عناية ، سأله ان يبعث فاكسا بتقرير للحالة .
قرأ الحالة المرضية المذكورة فى التقرير للحالة فى عجالة ،
فتاة فى التاسعة عشر من عمرها تعانى من حرارة ومن نقص حاد فى الاوكسيجين ،
عاود الاتصال بالطبيب مبلغا اياه بانه قد تم قبول الحالة وان يتخذ الاجراءات المطلوبة لنقلها نقلا آمنا .
استقبل المريضة فى وحدة العناية ، صبية فى التاسعة عشر من عمرها ، سألها عما تشتكى اجابته بصوت واهن ،
حرارة وسعال منذ اسبوع ، كانت معدلاتها الحيوية تنذر بالخطر ،
كان معدل الاكسيجين فى تناقص وشحوب على الوجه والاهداب يقاطعهما حبات من العرق تلتمع على جبهتها الصغيرة .
وكان الفحص المبدئى ينذر بوذمة رئوية حادة
Pulmonary Odema
وارتشاح رئوى حاد
وضعها على جهاز التنفس الصناعى الخارجى ، وهو يأمر فى الوقت ذاته بسلسلة من فحوصات القلب والصدر ،
امر بإجراء أشعة مقطعية على الرئة ليحصر احتمالات التشخيص معطيا اياها جرعات المضاد فى اجراء تجريبى لحين الحصول على نتائج المزارع البكتيرية ،
اصطحبها الى قسم الاشعة ، مع المعالج التنفسى حتى يكون تدخله مبكرا اذا ما تفاقمت الحالة ،
توالت شرائح الصور امام ناظريه ، لتظهر التهابا حادا فى الرئتين ، يمتد ليشمل اكثر من ثلثى الرئتين ،
كانت التشخيص يسفر عن نفسه اكثر
متلازمة ضيق التنفس الحادة
Acute Respiratory Distress Syndrome.
بارتشاحاتها الرئوية والصعوبة بحال لمنح الخلايا سرى الاكسيجين .
تحدث مع عائلتها شارحا خطته للعلاج دون انتظار لتدهور محسوب ومتوقع .
منحها المخدر العام ومرخى العضلات واضعا الانبوبة الرغامية ، مثبتا اياها ، ليضع وريدا مركزيا يقيس به نسبة السوائل ويكون السبيل لادوية المحفزات القلبية والدموية ، وليغرز فى الشريان قسطرة ليراقب الضغط الشريانى باستمرار.
تم وضع استراتيحية التنفس بادنى معدل مطلوب يمنح تبادلا اساسيا للغازات .
وضعها على مرخى العضلات ومضادات الالتهاب ، بحسب البروتوكول .
عاد الى المنزل ليعاود الاتصال المرئى بالبعيدة التى هناك ،
اتته الصورة شاحبة فى وهن ، وصوتها يخافت ليصل الى مسمعه ،
سألها عن مدى التحسن ، اجابته بانها لا زالت تعانى من الحرارة والسعال ، صرخ فيها فى جزع ولم لا تذهبين الى المستشفى :
اجابته بانها لا تحتمل حتى القيام من فراشها .
فى اليوم التالى ، ذهب الى المستشفى ،
مر على غرفة الفتاة ، اخذ يطالع الفحوصات ، كان تبادل الغازات ، ينبئ بتعافى الرئة ،
اوقف ادوية التخدير ، فتحت الفتاة عينيها ، كانت قياسات الوعى وقوة عضلات التنفس فى افضل اوضاععها ،
نزع الانبوب من القصبة الهوائية ، زغردت مؤشرات الاجهزة بتبادل جيد للاوكسيجين وجاءت نتائج غازات الدم لتعزف كونشرتو التعافى .
امطرته دعوات الام والاب ، شكرهما فى ابتسامة الخجل الممتن .
عاد الى البيت ، اتصل بالغائبة التى هناك ،
اتاه الصوت عفيا ، متعافيا :
الحمد لله يا بابا ، انا احسن كتير .
..
مارس ٢٠١٩
التعليقات مغلقة.