مدينة مصرية…
د. إبراهيم مصري النهر
مدينة مصرية
أول زيارة لها كانت في أوائل شهر يونيه، حيث تم تكليفي بها في أول تعييني بقطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة، لأجد مدينةً ساحرةً بمعنى الكلمة، الماء والخضرة والوجه الحسن وأضف إليهم القلب الطيب واطرح منهم البال الطويل.
كنت عندما أنتقد فيهم صفة البال الطويل يقولون «احنا اللي كفّرنا الشيخ واحنا اللي فلقنا القرد» ويضحكون ويحكون لي قصة الشيخ الذي كفروه، والقرد الذي فلقوه.
أهلها يعشقون السمك لدرجة إنك قد تجده على موائد وجبات اليوم الثلاث، بمختلف أنواعه: البلطي، والبوري، والبياض،…. وبطرق طهيه المتعددة: المشوي، والمقلي، والمسلوق، والصيادية،…. وأول مرة أعرف أنّ للسمك شربة كانت هناك.
عندما يتكلمون لا ينطقون حروفا ويمطّون أخرى، إبراهيم مثلا ينطقونها بِراهييي، وعندما يريدون أن يسألوا عن حالك ينطقونها مَلااااااااااااااااك؟.
مدينة هادئة نائمة على أحد ذراعي النيل العظيم، مشهورة بأشهى أنواع الهريسة.
أشجار الورد المتشابكة الأغصان على الكورنيش هي مظلات المقاهي، تجلس الأسر والأصحاب والأحباب ومن أمامهم مراكب تسبح بمجاديف الفرحة وأشرعة السعادة وعلى أنغام الموسيقى الهادئة.
على الجانب الآخر تلمح مدينة إدفينا التي لا تقل عنها جمالًا وتاريخًا، بها تحفة معمارية كانت قصرًا ملكيًا والآن كليةً للطب البيطري.
أنجبت قرية إبيانة التابعة لهذه المدينة الزعيم سعد زغلول باشا، عند دخولك إليها عبر قناطر إدفينا، ذلك السد الذي بُني في عهد محمد على باشا وغيَّر شكل الزراعة في مصر وزاد من رقعتها الزراعية، تجد له تمثالًا شبيهً بتمثاله المنتصب بحديقة محطة الرمل بالإسكندرية، لكنه هنا على النيل بدلًا من البحر.
في فصل الشتاء يزداد جمالها جمالًا، أمطارٌ غزيرةٌ على أشجارٍ تتمايل أغصانها مع الريح، أخلعها الخريف أوراقها وتجردت من زينتها، عارية تغتسل لاستقبال فصل الربيع بالزهور، وفي المساء يسكن إليها أبو قردان.
كل ما كنت أعرفه عنها، أنه عندما كان ينام أحد في وسط الجالسين أو يتعثر شخصٌ في شئٍ وهو يمشي أو يسكب إناءً بدون قصدٍ بقدمه، كانوا يقولون له «صحصح يا مطوبسي».
حان الآن موعد زفاف اسم عروس فرع النيل العظيم، فرع رشيد، إنها مدينة ”مطوبس“ الساحرة.
د. إبراهيم مصري النهر
التعليقات مغلقة.